الحمد لله على قضائه.. فالأسبوع الماضي الذي افتقد القراء فيه زاوية أضواء، وهاتفني العديد من الإخوة يستفسرون، والبعض قرأ خبر وفاة الوالدة - يرحمها الله- فعرفوا السبب، وبعد الحمد لله وتسليمنا التام والمطلق بإرادة الله وقضائه، لا بد من الإقرار بأنني قد فقدتُ أعزَّ إنسان وقف إلى جانبي بعد وفاة الوالد -يرحمه الله- قبل أربعين عاماً، امرأة كريمة، مُتَديِّنَة، زرعت التديّن والقيم والأخلاق في أبنائها، وتحمَّلت مسؤولية تربيتنا.
فقدنا الوالد، وأنا وإخواني لم نكن مهيئين لمواجهة الحياة، فقد كنت متخرجاً للتو وإخوتي الثلاثة كانوا على مقاعد الدراسة، عكفتْ الوالدة على تربية أولادها، وتفرغتْ لهذه المهمة المقدَّسة، وبدعواتها وتوجيهاتها شققتُ طريقي في العمل، وفتحت كل الأبواب أمامي، وتدفق الرزق لإعالة إخواني، كانت تحنو علينا وتوجّهني بحزم، وهكذا صلُب عودي وأنا ابن العشرين، والحمد لله، لم نكن نحتاج أي شيء.. الله يرعانا، والوالدة توجهنا وتراقب أعمالنا.
كنت أتعجب -والله- من تذليل الصعاب وتطور عملي والتفوق الذي كنت أحققه، ولا أجد مبرراً سوى دعواتها وحدبها ومراقبتها لي ولإخواني.. كبرنا، وتخرج الإخوة، وجميعهم بشهادات عليا، وحرصت أن تحقق حلمي بأن يكون في منزلنا (أساتذة جامعيون) وهو ما تحقق.
حكيمة، ولم ترد أن يكون هناك خلاف بين الأولاد، فعملت على أن يكون لكل ابن من أبنائها منزل مستقل، على أن لا يمر أكثر من يومين إلا وتلتقي الأسرة، فضلاً عن الاجتماع الشامل نهاية الأسبوع.
رحلت، رحم الله روحها إن شاء الله، وهي مطمئنة بعد أن أدت واجبها في تربية أبنائها، وقامت بواجبها كامرأة مسلمة مؤمنة.. كنت أعود من العمل في الجريدة متأخراً لأجدها تؤدي صلاة القيام، وتكثر من الدعاء لأبنائها.
رحم الله والدتي التي لا يكفي أن أكتب عنها؛ فقد كانت مربية لي.. وأستاذة وصديقة.. ووالدة.. وأنا إذ أودعها فلا اعتراض على إرادة الله وقضائه؛ فكلنا سنسلك هذا الطريق، وعزائي وعزاء إخواني وكل من يعرف (أم جاسر) أنها ذهبت إلى بارئها وهي راضية مطمئنة.. فقد كان آخر عمل لها تأديتها صلاة (الضحى).. وأنها واجهت خالقها وهي راضية، فقد لاحظنا، والنسوة الفاضلات اللاتي كن حولها - بعد وفاتها مباشرة- أنها كانت تبتسم ووجهها منور.. رحم الله والدتي..
{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} .صدق الله العظيم.
وعذراً لإخواني القراء؛ أن خصصت هذه المساحة للحديث عن الوالدة.. لأنني أعتبر هذا ديناً، وعليّ أن أسدده.. ولا يسعني إلا أن أشكر كل من واساني في هذا المصاب.. فقد كانوا من الكثرة مما خفف عنّي كثيراً.. فلهم الشكر والله المستعان.