لا أعلم هل مازال هناك من يتابعون نشرات الأخبار المفصَّلة على القنوات المنوَّعة أو العائلية أم أن القنوات الإخبارية المتخصصة قد (خطفت) الباحثين عن المستجدات السياسية الإقليمية ومتابعة أحداثها واستقصائها، ولكن ما أنا متأكد منه هو أن نشرات الأخبار في الفضائيات العائلية اليوم لم تعد سوى تحصيل حاصل أو لنسميها جبر خواطر وملء فراغ، وغدت كالقطعة البالية التي لا تنفع لكن لا يمكن الاستغناء عنها.
ما جعلني أكتب هذا الموضوع هو أنني استرجعت بذاكرتي سنوات للوراء قبل ولادة أية قناة إخبارية عربية حين قامت شبكة سي إن إن الإخبارية عام 1980م بواسطة تد تورنر وريس تشكونفيلد (مع أن الأخير لا يُعترف به كمؤسس في التاريخ الرسمي للقناة) وهي أول من استحدث فكرة البث الإخباري المتواصل (24 ساعة) كحالة جديدة في الإعلام المتخصص وزادت نسبة متابعتها في فترة تحرير الكويت مطلع التسعينيات الميلادية وهي الفترة التي ولدت فيها قنوات عربية.
في تلك الفترة كانت هناك منافسات (شرسة) بين قناة mbc وقناة دبي والمصرية وكان مذيعوها نجوماً ويتناقل أخبارها الناس فيما هي اليوم باهتة لا طعم لها ولا رائحة ولم تعد تسترعي انتباه أحد مهما تم التجديد في ديكوراتها أو محتواها لأن المشاهدين انصرفوا (تلقائياً) مع مطلع كل ساعة إلى إحدى القنوات المتخصصة بالأخبار.
ما يحمد للقنوات الإخبارية هو ترك المجال للفضائيات المنوَّعة بالتنفس قليلاً من سطوة (الأخبار) وتخفيف أوقاتها والبحث عن برامج أخرى يسيل لها لعاب المعلن الذي يتحفظ كثيراً على إقحام سلعته في أوقات الأخبار ويرغب في غيرها والأمثلة كثيرة ولعلَّ مؤشرات المتابعين أكبر دليل على ما أقول.
يقول أحد صنَّاع القرار في محطة مهمة لي قبل أسبوع خلال زيارتي دبي:
المشاهد لم يعد يرغب كثيراً في أن ننقل له صور الخراب والدمار والتناحر السياسي والاتهامات المتبادلة إلى أسرته وأبنائه الذين ينتظرون مسلسلاً أو برنامجاً ترفيهياً، وكذلك المعلن الذي يبحث عن رضى الأسرة وأوقات تجمعها. (انتهى). وإن كانت نسبة الفضائيات الإخبارية العربية أقل من الحد المأمول فإن الأيام القادمة تنبئ بولادة قنوات جديدة لا ننتظر منها أن تكون (محايدة) ولكن لتغرس المسمار الأخير في نعش الأخبار بالقنوات المنوعة، وما المانع إن كانت الأحداث السياسية تتوالد كل فترة بسيطة وأصبحت الحاجة ملحَّة لنقل صوت هذا وذاك كما هو الحال في القنوات اللبنانية اليوم التي تفخر كل واحدة بانتمائها لحزب دون آخر وتقولها صراحة دون مواربة.
أما القناة الإخبارية السعودية فإنني لا أرى أية بوادر (إيجابية) تجاهها في الوقت الراهن وما زالت الفوضى (تسكنها) والارتجال عمودها الفقري وسلحفائيتها في مؤشر السرعة لديها.