Al Jazirah NewsPaper Saturday  23/05/2009 G Issue 13386
السبت 28 جمادى الأول 1430   العدد  13386

سحاب
التعليم الحكومي والتعليم الأهلي (3)الأولويات التعليمية
د. عبدالإله عبدالله المشرّف

 

أشرنا في المقالين السابقين إلى مبدأين رئيسين في التعليم الأهلي هما مبدأ تكافؤ الفرص ومبدأ التنوع الإثرائي، وأوضحنا مسؤولية وزارة التربية والتعليم في تحقيق توجيه القيادة - حفظها الله - بما يكفل تكافؤ الفرص لجميع المواطنين في التعليم.

وحرية اختيار النمط التعليمي المناسب للأبناء وفق سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية، وعرضنا في المقال الثاني أنموذج ولاية أوهايو بالولايات المتحدة الأمريكية لتنوع أنماط التعليم، وكيف أن حكومة ولاية أوهايو توفر الدعم لجميع الطلاب في مختلف الأنماط التعليمية طالما أن التعليم يتسق مع السياسة التعليمية للولاية.

إن الأصل في التعليم الأهلي أن يكون رافداً نوعياً للتعليم الحكومي، وأنموذجا تجريبياً متطوراً يقدم التعليم المتميز والتجارب الناجحة للمجتمع لتعميم النفع بها، ويسهم في بناء ثقافة إدارية تربوية تعليمية مجوَّدة، ويتفاعل مع المجتمع المحلي في تقديم خدمات تعليمية وتثقيفية تساعد على الارتقاء بمستوى الوعي والثقافة في المجتمع، بالإضافة إلى الدور الذي يؤديه التعليم الأهلي حالياً وهو توفير مقاعد دراسية تخفف العبء عن كاهل المدارس الحكومية، وتلبية بعض من احتياجات الآباء والأمهات في طبيعة البيئة التعليمية التربوية التي يرغبون أن يتعلم أبناؤهم فيها، والرفع من مستوى التنافسية في مجال تجويد التعليم. وتتباين أيدلوجيات التعليم الأهلي في طبيعة الرسالة التي يسعى لها، فالتعليم الأهلي بالمنهج السعودي نمط تعليمي لا يختلف من حيث النظرية عن منطلقات ومبادئ وأهداف التعليم العام غير أن التباين يبدو في التنفيذ على الواقع: سواء من حيث طبيعة البيئة المدرسية، أو مستوى الكفايات المهنية، أو معايير القبول والاستمرارية في المدرسة.

ويصبح هذا النمط التعليمي سلبياً إذا غلبت النزعة الاقتصادية على الأهداف التربوية بحيث انصب اهتمام المستثمر على المكاسب المادية دونما عناية بجودة العمل أو بخدمة المجتمع، ودونما وعي بالدور الوطني المناط بالمؤسسة، ولعل هذا الداء المستشري في عدد من المدارس الأهلية هو أحد أهم الأسباب في تدني مستوى التعليم بتلك المدارس، وتنازل القائمين فيها عن قيم وأبجديات تربوية في سبيل زيادة الدخل (المحصول).

وفي ظل ارتفاع كلفة التعليم الأهلي الجيد، وارتفاع الوعي العام بأهمية التعليم الجيد للأبناء فالمتوقع هو المزيد من الإقبال على التعليم الأهلي، وما يترتب على تجويده من زيادة الرسوم، كما يتوقع المزيد من انخفاض مستوى تلك المدارس التي تستهدف الربح المادي، وتضحي بالجودة على حساب التكلفة المادية، وهذا لا شك سوف يلقي بتبعاته الثقيلة على وزارة التربية والتعليم، فهي المتهم الأول في حال كانت المخرجات رديئة، وهي المسؤول الأول عن حماية المجتمع من الاستثمار التربوي غير الأخلاقي، ولذا فإن على وزارة التربية والتعليم عدم الاكتفاء بالزيارات الرقابية، بل عليها العمل على تطوير آليات الإشراف التربوي للتعليم الأهلي وتقنينها، وتوفير العدد الكافي من المشرفين المؤهلين وتطوير مهاراتهم الإشرافية بحيث يكونون عوناً وسنداً للمدارس الجادة في التطوير، وبحيث يسهمون في تخليص المجتمع التربوي من الأنماط التجارية غير الأخلاقية. ومن الأنماط التعليمية الأهلية الأخرى التي بدأت تجد لها مكاناً في المجتمع السعودي تلك الأنماط المنسوخة من مجتمعات أخرى، وهذه الأنماط وإن كانت قد حققت نجاحاً في بيئاتها التي نبتت وترعرعت فيها فليس بالضرورة أن تحقق النجاح نفسه في بيئات مختلفة عنها ثقافياً واجتماعياً، فالهدف النهائي للتعليم هو بناء الإنسان المواطن الصالح المنتج، المنتمي لوطنه، المعتز بهويته، المتصل بتاريخه وثقافته، القادر على توظيف التراث العلمي الإنساني في خدمة أهدافه وغاياته، المتفاعل بكفاءة واقتدار مع محيطة المحلي والعالمي، الواعي بالمتغيرات المعاصرة حوله، وأخيراً القدوة الحسنة في فكره وسلوكه ومنطلقاته. ولا شك أن استنساخ أنماط تعليمية أخرى من مجتمعات تختلف ثقافة وسلوكاً وعقيدة عنا، ومحاولة تطبيقها كما هي دونما تأصيل لها لكي تتوافق مع قيمنا ومبادئنا، لاشك أنه نوع من أنواع المسخ الثقافي والتغريب المجتمعي الذي لا تظهر آثاره السلبية على المجتمع إلاّ في الأجيال اللاحقة، وقد ينخدع الأب والأم بعشر كلمات أجنبية يتغنى بها الطفل، وتعجبهم تلك الصور البراقة في الكتب المدرسية الأجنبية، وتسعدهم تلك التنظيمات الإدارية والتربوية خلاف ما اعتادوه وألفوه، كل ذلك في إطار من الانبهار الثقافي بكل ما أنجزه (العالم المتقدم)، فيلقون بفلذات أكبادهم في تلك المحاضن التربوية التغريبية وهم مسرورون فالابن سوف يتكلم اللغة الأجنبية، وسوف يجد المنصب الوظيفي المناسب، وسوف يتكفل الأب (غير المتفرغ) بتعليمه الأمر الثانوي (اللغة العربية والعلوم الشرعية)، وينسى هؤلاء أن التعليم في المدرسة ليس علوماً معرفية فقط، بل ثقافة وهوية، وبناء للشخصية، وتأصيل للقيم. والمشكلة أنهم لا يكتشفون فداحة ما اقترفوه بحق أبنائهم وبناتهم ومجتمعاتهم إلاّ بعد فوات الأوان فيندمون حين لا ينفع الندم، وحين تصبح الأبجديات العقدية عندهم مثار سخرية وتهكم من فلذة الكبد وقرة العين، والتاريخ المعاصر يحفظ لكثير من قادة التغريب والتبعية في المجتمعات الإسلامية الانتماء الثقافي للمدارس التي تلقوا فيها تعلميهم الأساسي. ومع افتراض حسن النوايا مسبقاً فإنه لا يجب أن يفهم الأمر على أنه اعتراض على الأخذ بما هو نافع وملائم لنا ولمبادئنا وعقائدنا، ومن ثم تطويره، وإنما المأخذ يكمن في النقل والتقليد بلا وعي أو تجريب وتمحيص، وحبذا أن يؤتى الأمر من بابه:

إذا ما أتيتَ الأمرَ من غير بابه

ضللتَ وإن تقصد إلى الباب تهتدِ

لقد أحسنت وزارة التربية والتعليم صنعاً عندما نظمت وقننت السماح للنظم الأجنبية التعليمية للطلاب السعوديين، نعم نحن نؤيد الاستفادة من الخبرات العالمية، ونحن نقف بقوة مع كل ما من شأنه تطوير نظمنا التعليمية وتعزيز المنافسة التعليمية في نظمنا التعليمية، وندعم بكل قوة تعليم اللغة الإنجليزية باعتبارها لغة عالمية أساسية، ونؤكد على أن يكون ذلك في إطار سياستنا التعليمية ووفق الأهداف العامة لمناهجنا، ولذا نشيد بإلزام المدارس ذات النظم الأجنبية التي تعتمد اللغة الإنجليزية في التعليم للطلاب السعوديين بتدريس العلوم الشرعية واللغة العربية أسوة بالمدارس الحكومية بحيث تكون مواداً دراسية أساسية في شهادة النجاح.

إن الحديث عن هموم التعليم الأهلي قد يطول غير أننا نود في ختام هذا المقال أن نتلمس سبل تحقيق التكامل المنتج والشراكة الفاعلة بين التعليم الحكومي والتعليم الأهلي، وأن ما أوردناه من رؤى ومقترحات في هذا المجال قد يسهم في تعزيز الجهود التطويرية الجادة، وبالرغم من قناعتنا التامة بحرص وزارة التربية والتعليم والمختصين في مجال التعليم الأهلي على تطوير هذا النمط التعليمي إلا أننا نرى وجود فجوة بارزة بين النظرية والتطبيق، وبين الرؤية والمسيرة، وبين الواقع والتطلعات، وكلنا أمل أن يحظى جانب التعليم الأهلي بمزيد من العناية والتطوير والإثراء النوعي في ظل التوجهات الوزارية الداعمة للتطوير والتجديد والإبداع فالاستثمار الحقيقي والفعلي والمربح هو الاستثمار في الإنسان.

amusharraf1@Riyadhschools.edu.sa

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد