لم تثر عقدة الألوان وإيحاءاتها إلا بعد أن تولى (أوباما) مقاليد الحكم في أعظم دولة على وجه الأرض وأكبر قوة في العالم. هذا الحدث استأثر باهتمام الكتاب والمتحدثين، وعدوا ذلك بمثابة البداية في تغيير المفاهيم والثقافات والانتماءات، وفيما أعلم أنه لم يعمد أي منهم في تفسير أو تحليل شخصية الرئيس أو سيرته وتجربته في الحياة تحت تأثير ما يمكن تسميته العقدة من هذا اللون والإسقاطات التي واجهها في مسيرة النجاح الكبير الذي لا يمكن أن يختلف عليه اثنان. قد يظفر العالم بشيء من ذلك إن كتب له أن يدون سيرته الذاتية بنفسه كغيره من المشاهير والقادة العظماء، والعباقرة الأفذاذ الذين كان خروجهم على مسرح الحياة غير تقليدي أو مألوف لدى الناس.
|
هذا التحول الثقافي قادني إلى استجلاء عقدة اللون عند (عنترة بن شداد) من اللون الأسود. (عنترة) الذي كان له مع قومه شكاية وحكاية، وكان له عندهم في الوقت نفسه عتاب واعتذار. نقف على تراثه الأدبي فنستشف منه - رغم بطولاته - عدم رغبتهم فيه، أو الميل إليه، ونلمس كذلك شعوره بالانتقاص والازدراء له. هذه النظرة القاسية كوّنت لديه قوة التحدي والمجابهة، حين حاول بعضهم إبعاده عن شؤون حياتهم، ونبذوه في مكان قصي من مجالسهم وأنديتهم، سخرية واحتقاراً. كل هذه العوامل خلقت المعجزات في شخصيته الفذة، وأرغمت العدو قبل الصديق على الاعتراف بعبقريته. بالكلمة والصورة رسم لنا كيفية تحديه هذه العقد الكبيرة، حين قال:
|
يعيبون لوني بالسواد جهالةً |
ولولا سواد الليل ما طلع الفجرُ |
ولولا سناني والحسام وهمتي |
لما ذكرت (عبسٌ) ولا نالها فخرُ |
محوتُ بذكري في الورى ذكر من مضى |
وسدتُ فلا (زيدٌ) يقال ولا (عمرُ) |
حتى على الزارين له والشانئين، والمزدرين لشكله والهازئين، لم يدفعه هذا إلى الانتقام أو البطش بالخصوم والتنكيل بهم، رغم أنه يمتلك كل المقومات في مجتمع يحترم القوة، ويضعها في موازينه في كافة الظروف. الأهم عنده في ذلك الوسط الاجتماعي المضطرب ألا تهتز شخصيته أمام المرأة التي ألهمته الشعر، وألهمته البطولة، وألهمته القيم. على أي لون خلق الإنسان، وفي أي صورة شاء الخالق تركيبه، يبدو أن المرأة ملاذ آمن، وأكثر تحملاً من غيرها لمشاكلنا وهمومنا ومصائبنا وعاهاتنا - نحن الرجال -. نعم (هيلاري كلنتون) وقفت مع الرئيس إبان محاكمته، وسيدة (البيت الأبيض) إن صحت هذه التسمية في هذه المرحلة وقفت مع الرئيس في كافة مراحل انتخاباته ومراسم ترشيحه، وغير ذلك الكثير من النساء.
|
هذه نماذج واستشهادات يؤسفني كل الأسف أن نستمدها من الجاهلية، أو من بيئة نحن أولى منهم وأحق، حين نرفع لواء عدم التمييز تحت أيّ منزع. أ-هـ
|
|