Al Jazirah NewsPaper Saturday  23/05/2009 G Issue 13386
السبت 28 جمادى الأول 1430   العدد  13386
لا خوف ولا حيف
د. إبراهيم بن عبدالرحمن التركي

 

تقف التقنية في منتصف المسافة بين (المعمم والمعلمن) أو (الشيخ والليبرالي) - بتعبير العروي- ودون أن يدريا تزحف يمينا ويسارا بهدوء، وتكسب مساحة من هذا وأخرى من ذاك.

* وفي وسط الجدل المحتدم بين (الورقيين) و(الإلكترونيين) تبدو الصورة المستقبلية لشكل الكتاب والصحيفة والمعلومة غير مستقرة، وحين تمضي الأجيال التي أدمنت الأوعية المعرفية التقليدية، ومعظمهم ممن تخطوا منتصف العمر، سيعيش أبناؤنا في مجتمع بلا ورق، وقد أعلنت شركة (أمازون) المختصة بالكتب عن قارئ آلي أسمته (كندل) يستوعب3500 كتاب، و225 ألف مادة، ووقعت عقودا مع أبرز الصحف الأميركية لعرضها عبر الجهاز، عدا إمكانات التعليق المكتوب، والتظليل اللوني، والمراجعة التثبتية، والترجمة الفورية لما يشكل من مصطلحات.

* وبعيداً عن الجدل المحتدم بين (الغالين) في التقنية و(القالين) لها، فإن تأثيرها الأكبر حياديتها بين التيارات المتصارعة، وإعطاؤها كلا حقه في أن يوظفها لخدمة مشروعه السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي.

* تبدلت كثير من المواقع، ومنها موقع القارئ والكاتب، والشيخ والمريد، والقائد والجندي، والكبير والصغير؛ حتى بدت عوامل الشهادة والمكانة والعمر والوظيفة خلواً من سياجاتها الحصينة، وحتى بتنا نقعد مقاعد السمع من طفل يشرح لنا كيف نتعامل مع التقنية المتسارعة؛ فإذا وعيناها جد ما يجبرنا على العودة ثانية لنستفهم عن المستدق والمستغلق.

* لا مجال لمن ينظر إلى اليوم بمعايير الأمس، ولا لمن سيقارن الغد باليوم؛ فمعطيات الهندسة الإلكترونية والجينية والثورة المعلوماتية خلقت رموزا جديدة، وانسحبت، أو كادت، رموز عتيدة، وألغت الحدود والقيود والسدود، لا داخل المجتمع الواحد فحسب، بل بين المجتمعات والثقافات المتباينة، وبات جيل الشباب يتعامل مع نظرائه - بمختلف ألوانهم وأديانهم وقومياتهم - وهو يستمع إلى محاضرة صاخبة من أبيه ومعلمه وواعظه عن الموقف المتشدد من المناوئين والنائين.

* وإذن؛ فالتقنية تداخلت مع الوظيفة (التوجيهية) بل تدخلت فيها، وقزمت دور الرمز في كلتا الضفتين، ولن يمضي زمن حتى تكون هي الشيخ، وهي الليبرالي على حد سواء.

* أن نختار اضطراراً خير من أن نضطر اختياراً- كما في مقولة منسوبة لأبي حيان التوحيدي -، وبيدنا لا بيد عمرو - في مثلنا العتيد -، وإذا بلغ العلم مداراً يمكنه من تعديل الجينات وتعديل الخارطة الوراثية فلا مناص من الحزن على من يستنفرون طاقاتهم لمنع محاضرة ومحاضر، وبكل الصدق؛ فليتهم يقرءون ما يحمله الغد فيركزوا على تربة التربية قبل أن يبدأ الوليد خطواته، أما بعدها فلن يحكموه أو يتحكموا بمساراته، ولوا استعْدوا واستعلوا واستولوا.

* التقنية حوْلٌ وتحول.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد