اجتازت الديمقراطية في دولة الكويت مراحل التجارب وامتحانات الوطنية أكثر من مرة، وقدم تاريخها العريق صورة نموذجية لبقية الدول العربية التي تضع شعارات الجمهورية والديمقراطية من ضمن أسماء الوطن، لكن الواقع السياسي يكاد يخلو من أي أثر لها.
لكن الديمقراطية الكويتية الحية لا تزال تعاني وتشكو من أزمة تجاوز عنق الزجاجة، والتي أدى فشل الخروج منها إلى جعلها ديمقراطية مشلولة نوعاً ما بالرغم من نجاحاتها الثقافية وتأثيرها الملحوظ على تطور المجتمع الكويتي، إذ لا يمكن أن تنجح أي عملية ديمقراطية في العالم إذا لم تتمكن من استثمار نجاحاتها في خدمة تنمية الوطن.. وهو ما يستدعي ضرورة اتخاذ الخطوة الأهم، وهي إقرار قانون للأحزاب كمخرج من حلقات الصراع على الهامش، وأن يكون عددها محدوداً، وأن لا يكون فيها تمثيل للقبلية والطائفية، وتكون ثمرة فوز أحد الأحزاب في الانتخابات توليه للمسؤولية، وهكذا دواليك.
حفلت الانتخابات الأخيرة بخطوة جديرة بالاهتمام، وهي فوز أربع نساء بمقاعد في مجلس الأمة، وتعد سابقة جديدة سيكون لها عظيم الأثر على حراك المجتمعات الخليجية...، وأشاد الليبراليون في الخليج عن فرحتهم بنتائج الانتخابات الأخيرة، ليس فقط من أجل فوز النسوة الأربع، ولكن لأنها كانت انتصارا على حساب المد السلفي، والذي يرى أن المرأة لا ولاية لها بناء على اجتهاد فقهي.
وهي رؤية فقهية تحتاج إلى إعادة النظر في اجتهاد ولاية المرأة، وإلى قراءات متأنية في أمر تحريمه، فدخول المرأة في المجال السياسي بكل تأكيد يخدم قضية المرأة وصلاحها ويعزز مكانتها، ويساعد على انتشالها من سلطة الرجل واستغلاله الشنيع لها في قضايا الفساد، ويذكر التاريخ أن وصول مارجريت تارتشر إلى رئاسة الوزراء في بريطانيا ساهم كثيراً في محاربة طرق استغلال المرأة من قبل الرجل، فقد ساهمت في إصدار قرارات تمنع تماماً المتاجرة بأجساد النساء، وأصدرت عددا من الإصلاحات الاجتماعية التي تساند المرأة لكي تستقل مادياً ومعنوياً.
والسؤال الذي يتردد دائما: كيف يقرأ التيار السلفي الصورة الحالية لوضع المرأة في الخليج، وكيف يبررون ظواهر التحول الخطيرة في بعض تلك المجتمعات؟، وهل بإمكان دعاة هذا التيار تفسير ظاهرة ازدياد المتاجرة بأجساد النساء في المنطقة، وهل يدركون أن ثمة اقتصاد واستثمارات باهظة قامت وتأسست على هذا المفهوم أو على خلفية الرذيلة وبيع المتعة الجنسية...
لا يمكن بأي حال تجاوز واقع سلطات الرجل المطلقة في تلك المجتمعات وإحكامها على مركزية القرار والمال، وعلى احتكار وجهي الصلاح والفساد في آن واحد، وكل الدلائل والشواهد التاريخية تؤدي إلى أن غياب الديمقراطية على وجه التحديد، ثم تغييب دخول المرأة في مجال السياسة والقيادة هو أحد أهم العوامل التي أدت للإفراط في احتكار مختلف المنافع والمصالح بخيرها وشرها، وبصلاحها وفسادها.
ظاهرة القمع الحالية للمرأة، ومحاولة إخفائها قسراً وراء الأقنعة الذكورية هي حركة ضد إصلاح المجتمع، فالرجل الرأسمالي، الذي غالباً لا يعترف بسلطة الأخلاق، يهمه فقط جمع المال، ويؤدي ضعف المرأة مادياً ومعنوياً إلى جعلها عرضة سهلة لكي تكون عملة متداولة في أسواق الإعلام الرخيص والنوادي الليلية..، وتأتي توعية المرأة وتقوية شوكتها في المجتمع من أجل مصالح النساء وكفافهن، فالسماح للمرأة الصالحة والناجحة للدخول إلى ساحة النجومية والقيادة الاجتماعية يعزز من حقوق المرأة، ويقلل من سطوة الرجل على النساء المستضعفات، ويساهم في تهيئة المجتمع لإصدار قوانين تمنع المتاجرة بالنساء تحت غطاء الشرع أو خارجه.
إشكالية بعض السلفيين أنهم لا يرون أحياناً ما وراء النص، فالحياة دائماً تحتاج شيئاً من العقلانية من أجل فهم أغوارها، وأن قوامة الرجل لا تعني دائماً الإصلاح، فكم من رجال عاشوا على استغلال النساء..، وكم يحتاج المجتمع لنساء على قدر المسؤولية من أجل وضع حد لهذا الاستغلال.