المملكة ومنطقة الخليج نسيج اجتماعي واحد إلى حد بعيد. وتأتي الكويت تحديداً لتمثل الدولة الجار الأقرب لنا نحن السعوديين، نظراً للجذور القبلية المتماثلة هنا وهناك، وكذلك لنزوح بعض الأسر الحضرية من وسط وشمال المملكة واستقرارهم في الكويت. هذا، إضافة إلى أن هناك تماثلاً في المزاج الاجتماعي والعادات والتقاليد، فأي ظاهرة اجتماعية تظهر في المملكة لا بد أن تجد لها صدى في الكويت، والعكس صحيح.
ظاهرة (الصحوة) التي عانينا منها نحن السعوديين على المستوى التنموي كثيراً، عانى منها الكويتيون كذلك، واستبد الخطاب الصحوي السياسي المتشدد بمختلف أشكاله وتفرعاته بتوجيه الناس، وعطل التنمية، وأشغل الشارع الكويتي بالقشور. وعندما وصل المتشددون إلى (مجلس الأمة) نقلوا اهتماماتهم إلى البرلمان، فاختلت الأولويات، وأصبحت المماحكات السياسية، وتصفية الحسابات الفئوية تطغى على فعاليات البرلمان، فتعطلت التنمية، وتحديداً التنمية البشرية، وازدهر (الخطاب الصحوي) بشقيه السني والشيعي، الذي كان من أهم أولوياته الإطباق على المجتمع والوصاية عليه، بعيداً عن هموم الإنسان وقضاياه. فانقسم البرلمان إلى طوائف، كل طائفة لا تدافع عن الوطن، وقضايا الوطن، وإنسان الوطن، وإنما كان الذود عن الأيديولوجيا هو الأولوية التي لا ترقى إليها أولوية أخرى.
من أهم أدبيات الخطاب الإسلاموي (المتشدد) تهميش المرأة، وتقزيمها، وإقصاؤها عن المشاركة في الحياة السياسية، بحجة أن ذلك لا يقره الدين تارة، وتارة بحجة أن إقحام المرأة في العمل السياسي لا يستقيم مع عاداتنا وتقاليدنا التي يصفونها (بالأصيلة). وعندما اتخذ أمير الكويت الراحل قراره التاريخي بمنح المرأة حقوقها السياسية، والسماح لها بالترشح في انتخابات مجلس الأمة، لاقى القرار الكثير من الاحتجاجات والممانعات، وقام أصحاب الفتاوى من التيار الإسلاموي المتشدد بإصدار الفتوى تلو الأخرى (تحرم) أن تترشح المرأة، وتحرم في الوقت ذاته التصويت لها.. وفي تجربة انتخابات عام 2006م ترشح 28 مرشحة من بين 249 ترشحوا آنذاك، ولم تصل أي امرأة للبرلمان من خلال صناديق الانتخاب, وكذلك أخفقت المرأة في انتخابات عام 2008م أيضاً، ظن الإسلامويون المتشددون أن هذا السقوط يعني أن الشارع الكويتي ضد أن تمنح المرأة حقوقها السياسية كما أعلن أحدهم، غير أن التاريخ أثبت أكثر من مرة أن خسارة معركة من معارك (الحقوق) لا تعني أنك خسرت الحرب. واصلت المرأة الكويتية نضالها لنيل حقوقها السياسية، حتى حققت يوم الأحد الماضي 17 مايو في الانتخابات الأخيرة أول انتصارات المرأة الكويتية (التاريخية) في طريقها لنيل حقوقها، ورفض إقصائها وتهميشها.
فازت المرأة الكويتية لأول مرة (بأربعة مقاعد) برلمانية من خلال صناديق الاقتراع، من مجموع 50 مقعداً برلمانياً، ليس ذلك فحسب، وإنما تراجع الإسلامويون وفقدوا على الأقل تسعة مقاعد من حصتهم في البرلمان السابق.
فوز المرأة بأربعة مقاعد، وخسارة الإسلامويين هذه الخسارة الكبيرة، هي من منظور سياسي بحت يثبت أن ما يسمى بالصحوة، أو بلغة أدق (المسيسين المتأسلمين)، أو إذا أردت (الإسلام السياسي)، ظاهرة بدأت في الانحسار، وأرقام صناديق الكويت الانتخابية تؤكد ما نقول.
إلى اللقاء