Al Jazirah NewsPaper Tuesday  19/05/2009 G Issue 13382
الثلاثاء 24 جمادى الأول 1430   العدد  13382

دفق القلم
حينما يخفق القلب
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

 

هذا الخافق الذي يرفرف في صدر صاحبه نبضاً يحلق به في الآفاق، ويتغلغل به في الأعماق، هذا الصغير الكبير، المحرك المثير، السيد الأمير، يسعد فينشر السعادة في الوجود، ويشقى فيحكم على صاحبه القيود، يحب فيرسم أجمل لوحة للصفاء، والسعادة والهناء، ويبغض، فيرسم أقبح لوحة للشقاء والعداوة والبغضاء.

هذا القلب (المضغة) التي إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، فيه تكمن الأسرار، وفي عروقه تسري المشاعر والأحاسيس، وفي شرايينه تجري أنهار الحياة بحلوها، ومرها، وخوفها وأمنها، وحبها وبغضها، وصدقها وكذبها، ووفائها وغدرها، وكدرها وصفوها.

القلب الذي تتلاشى أمامه قوة الجسد، وتأتمر بأمره أعضاء الإنسان مهما كانت قوتها وشدتها، فإذا أحب طوع الأقوياء، وطأطأ برؤوس الكبراء، وألان قسوة المتجبرين، وأطاح بغرور المتكبرين، وإذا أبغض كدر حياة الأصفياء، وأشقى نفوس الأصدقاء، وفرّق بين المتحابين، وشتت شمل المتآلفين.

القلب الذي إذا سلم من الحقد، ارتقى بصاحبه سلم المجد، وقرب إليه البعيد، وآلان له الحديد، وألبسه ثياب الراحة والاستقرار، وصرف عنه الهموم والأكدار.

القلب الذي يلون الدنيا بأجمل الألوان، وأبهاها حينما يخفق بالحب، ويطوع أعتى الصعاب وأقواها حينما ينبض بالشوق، ويزين الحياة بزينة الإحساس، ورونق المشاعر، فتتحول العلاقات بين الناس إلى واحات من الوئام والمودة، ورياض غنّاء من الصفاء والسعادة.

القلب الذي حرص الأنبياء والمرسلون، وجميع المصلحين على بيان وسائل سلامته ونظافته، وعوامل إشراقه وإضاءته؛ لأنهم يعلمون أنه أعظم وسيلة من وسائل إشراق الحياة وإضاءتها، ونظافة المجتمعات وسلامتها.

حينما يخفق هذا القلب تتوقف الحياة كلها أمام (خفقانه)، ويصبح عالماً كبيراً يحتضن العوالم كلها ويحيط بها، وأفقاً عظيماً يضم الآفاق كلها ويقر بها، وواحة فسيحة ممتدة الظلال تجمع جمال الواحات ونضارتها.حينما يخفق القلب تتحول الجمادات إلى كائنات حية، ذات مشاعر وأحاسيس، وتتحول المبهمات إلى أمور واضحات، وربما تحولت به الواضحات إلى أمور مبهمات.

هذا هو القلب بنبضه وخفقانه، حياة تكتنف الحياة، ووجود يختصر الوجود، وكون يضم الأكوان، ونسائم تزين النسائم، وينابيع تغذي الأنهار، وأنهار تروي الأزهار، وأزهار تنشر شذاها في الآفاق، وتثير كوامن الأشواق.

القلب الذي قال عنه القائل: وإنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه، ولو قال: وإنما المرء بقلبه لكفى، لأن القلب هو الذي يحرك اللسان، ويوجه الأذهان، ويسيطر على الإنسان.

فلنجعل قلوبنا تخفق بالخير والحق الصافي، إن كنا نريد أن نحلق في سماوات الرقي والشموخ، وأن نفتح لأنفسنا أبواب النجاح والفلاح.

إشارة:

أوقد شموعك فالظلماء تنسكبُ

والشمس تغمض عينيها وتحتجبُ


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد