Al Jazirah NewsPaper Tuesday  19/05/2009 G Issue 13382
الثلاثاء 24 جمادى الأول 1430   العدد  13382

الصديق وقانون الندرة
خالد محمد الخضر

 

يقول أساطين الاقتصاد إن قانون الندرة يجعل للشيء النادر قيمة ومعنى، وإن هذه الندرة تعطي هذه السلعة تميزاً وتفرداً لها، ولا يقتصر قانون الندرة على أن السلعة النادرة تكون في الغالب غالية الثمن ونفيسة القيمة، بل إن هذا القانون يتجاوز هذا الأمر ليعطي تلك السلعة ميزة وتفرداً وعلواً في المكانة والقدر، وإني لأجدني هنا أربط قيمة الصديق وأهميته بذلك القانون ربطاً يجعلني مؤمناً أيما إيمان بان قانون الندرة ينطبق على الصديق انطباقاً مباشراً وحقيقياً، ولأهمية هذا الموضوع وبالذات في زماننا الغالب عليه النفس المادي فإنني أحببت أن أدلو بدلوي في هذا الموضوع الذي يمس كافة شرائح المجتمع وأطيافهم وأعمارهم وأجناسهم (الكبير منهم والصغير)، الشيخ والطفل، الرجل والمرأة وكافة عناصر المجتمع، ومما يدلل على أهمية هذا الموضوع فقد أفرد أبو حيان التوحيدي كتاباً كاملاً عن الصديق والصداقة من 470 صفحة.. وخلص من هذا الكتاب بجملة واحدة هي أن الصديق يكاد يكون من المستحيلات الثلاثة في هذه الدنيا وهي الغول، العنقاء، والخل الوفي، وإن كنت أخالفه بهذا الشأن.. فالصديق هو من الأمور الموجودة في هذه الدنيا وإن ندر وجوده، يقول الفيلسوف فولتير عن الصداقة: (لولاك لكان المرء وحيداً وبفضلك يستطيع المرء أن يضاعف نفسه وأن يحيا في نفوس الآخرين)، ويقول أرسطو في هذا الشأن عندما سُئل عن الصديق (إنسان هو أنت... إلا أنه بالشخص غيرك) ويقول ديموفيل: (أنت تنتظر ثمرات الطبيعة من فصل إلى فصل، بينما تقطف ثمرات الصداقة كل لحظة).. وسئل ديوجانس عما ينبغي للرجل أن يتحفظ منه فقال: (حسد الأصدقاء ومكر الأعداء).. وسُئل أبو حيان التوحيدي عن أطول الناس سفراً في هذه الدنيا قال: (من سافر في البحث عن صديق).. وقد أصاب هنا كبد الحقيقة، وهناك مثل ألماني أعجبني في هذا الشأن يقول: (إن الصداقة الحقيقة لا تتجمد في الشتاء) وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (من صاحب الأنذال حقر ومن جالس العلماء وقر).. وقال عليه الصلاة والسلام: (خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه).. ويُقال إن الصديق الصدوق هو الذي يقيل العثرة ويتجاوز عن الزلة، ويحفظك في غيابك وينصحك في انفرادك، ويفرح لفرحك ويحزن لحزنك، وإذا غبت سأل عنك وإذا حضرت أسعدك وأفادك، وأنا هنا أقول إن الصديق هو من أهم النعم التي حبانا الله بها في هذه الدنيا فهو المعين بعد الله وقت الكربات والأزمات وهو الصاحب في مشوار الحياة وهو الصدى الجميل لكل نجاحاتك التي تحققها عبر مراحل حياتك، والصديق أيها السادة هو المعين على نوائب الدهر بعد الله، يقول الشافعي رحمه الله:

سلام على الدنيا إذا لم يكن بها

صديق صدوق صادق الوعد منصفا

ويقول أحدهم إن الأخ هو رجل لم تختره وإن الصديق هو رجل تم اختياره عن قناعة وتجربة، يذكر لي أيها السادة أحد الشيوخ الكبار في السن أن هناك صديقين عاشا حياة ملؤها الجد والنصح ومطارحة الأفراح والأتراح.. ثم مات أحدهما فلم يتجاوز الآخر الستة أشهر حتى لحق بصاحبه.. وهذه دلالة قاطعة على أهمية الصديق، هناك ألف رفيق وهناك عشرات الآلاف من الزملاء والمعارف.. لكن هناك صديقاً واحداً في هذه الحياة.. ومن ليس له صديق فليبحث عنه من الآن وليجمل في الطلب للوصول إلى ذلك الصديق، واعتقد أن الحياة دون صديق تكاد تفقد بريقها وطعمها ولونها وحتى مذاقها، أنا أقول: أيها السادة إن الصديق الحقيقي هو الطبيب النفسي الناصح والفاعل ودون مقابل مادي، سألني صديقي المقرب ذات يوم لماذا إذا قرب الصديقان وشرعا بالحديث تمر الساعات وكأنها ثوان فقلت له: هذا يُسمى في علم النفس (التقارب الكيميائي) بين البشر، ثم أردف قائلاً يدلل على ذلك بأن لوالده رحمة الله عليه صديقاً إذا اجتمعا فيما بينهما وكأنهما دخلا مرحلة من الغيبوبة أو من التحليق الذي يصيب العشاق فينفصلان عن عالمنا إلى عالمهم الخاص.. ويؤكد لي أنهما إذا استمرا في السمر بينهما تشعر وكأن لا أحد معهما أو بينهما، إنها الصداقة الرائعة والجميلة التي فقدت في زماننا هذا إلا من رحم ربي، ويقال إن الصديق الحقيقي هو الذي يكون معك في السراء والضراء.. في الفرح والحزن.. في السعة والضيق، ويُقال كذلك إن الصديق الحقيقي هو الذي يرفع شأنك بين الناس، وتفتخر بصداقته ولا تخجل مصاحبته والسير معه.. وكذلك هو الذي يفرح إذا احتجت له ويسعى في خدمتك بكل غبطة ودون مقابل، وهو أيضاً الذي يرعاك في مالك وأهلك وولدك وعرضك، وأجمل ما قيل إن الصديق الحقيقي هو الذي تكون معه كما تكون وحدك (أي هو الإنسان الذي تعتبره بمثابة النفس)، ومما قِيل في هذا المجال إن الصداقة كالمظلة كلما اشتد المطر كلما ازدادت الحاجة إليها، وأخلص هنا إلى أن هناك عشرات بل مئات الأشخاص الذين يمرون في حياتنا ولكن لا أحد منهم يغيِّر خارطة حياتنا.. أو يؤثر في مسارنا الحياتي إلى الأفضل إلاّ شخصاً واحداً وهو الصديق الذي يجعل من الحياة مساحة للتحليق والأمل والتفاؤل.

كاتب سعودي

Kmkfax2197005@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد