يقول أساطين الاقتصاد إن قانون الندرة يجعل للشيء النادر قيمة ومعنى، وإن هذه الندرة تعطي هذه السلعة تميزاً وتفرداً لها، ولا يقتصر قانون الندرة على أن السلعة النادرة تكون في الغالب غالية الثمن ونفيسة القيمة، بل إن هذا القانون يتجاوز هذا الأمر ليعطي تلك السلعة ميزة وتفرداً وعلواً في المكانة والقدر، وإني لأجدني هنا أربط قيمة الصديق وأهميته بذلك القانون ربطاً يجعلني مؤمناً أيما إيمان بان قانون الندرة ينطبق على الصديق انطباقاً مباشراً وحقيقياً، ولأهمية هذا الموضوع وبالذات في زماننا الغالب عليه النفس المادي فإنني أحببت أن أدلو بدلوي في هذا الموضوع الذي يمس كافة شرائح المجتمع وأطيافهم وأعمارهم وأجناسهم (الكبير منهم والصغير)، الشيخ والطفل، الرجل والمرأة وكافة عناصر المجتمع، ومما يدلل على أهمية هذا الموضوع فقد أفرد أبو حيان التوحيدي كتاباً كاملاً عن الصديق والصداقة من 470 صفحة.. وخلص من هذا الكتاب بجملة واحدة هي أن الصديق يكاد يكون من المستحيلات الثلاثة في هذه الدنيا وهي الغول، العنقاء، والخل الوفي، وإن كنت أخالفه بهذا الشأن.. فالصديق هو من الأمور الموجودة في هذه الدنيا وإن ندر وجوده، يقول الفيلسوف فولتير عن الصداقة: (لولاك لكان المرء وحيداً وبفضلك يستطيع المرء أن يضاعف نفسه وأن يحيا في نفوس الآخرين)، ويقول أرسطو في هذا الشأن عندما سُئل عن الصديق (إنسان هو أنت... إلا أنه بالشخص غيرك) ويقول ديموفيل: (أنت تنتظر ثمرات الطبيعة من فصل إلى فصل، بينما تقطف ثمرات الصداقة كل لحظة).. وسئل ديوجانس عما ينبغي للرجل أن يتحفظ منه فقال: (حسد الأصدقاء ومكر الأعداء).. وسُئل أبو حيان التوحيدي عن أطول الناس سفراً في هذه الدنيا قال: (من سافر في البحث عن صديق).. وقد أصاب هنا كبد الحقيقة، وهناك مثل ألماني أعجبني في هذا الشأن يقول: (إن الصداقة الحقيقة لا تتجمد في الشتاء) وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (من صاحب الأنذال حقر ومن جالس العلماء وقر).. وقال عليه الصلاة والسلام: (خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه).. ويُقال إن الصديق الصدوق هو الذي يقيل العثرة ويتجاوز عن الزلة، ويحفظك في غيابك وينصحك في انفرادك، ويفرح لفرحك ويحزن لحزنك، وإذا غبت سأل عنك وإذا حضرت أسعدك وأفادك، وأنا هنا أقول إن الصديق هو من أهم النعم التي حبانا الله بها في هذه الدنيا فهو المعين بعد الله وقت الكربات والأزمات وهو الصاحب في مشوار الحياة وهو الصدى الجميل لكل نجاحاتك التي تحققها عبر مراحل حياتك، والصديق أيها السادة هو المعين على نوائب الدهر بعد الله، يقول الشافعي رحمه الله: