توجيه صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، بدراسة أوضاع النازحين، الذين يحملون الجنسية السعودية، على الشريط الحدودي الجنوبي للمملكة، في منطقة الخرير، يحمل في طياته الكثير من المعاني الإنسانية والمسؤولية الوطنية. الدولة مسؤولة عن مواطنيها، خصوصاً قاطني المناطق النائية الذين لا تصلهم الخدمات، ولا تطالهم المعونات، وتقصر دونهم أنظار المسؤولين، وهي لا تدخر جهداً في سبيل تطوير محافظاتهم وإيصال الخدمات لهم، إلا أن المشكلة تكمن في بطء تفاعل الوزارات الخدمية مع الحاجات الملحة، والمستعجلة. لذا يفترض أن تكون هناك إستراتيجية شاملة لتنمية المحافظات، المدن، والمراكز الحدودية، إضافة إلى المدن والمراكز الداخلية ذات العمق الإستراتيجي، مستقلة عن خطط التنمية المرتبطة بالوزارات الخدمية. المعروف أن تركيز الوزارات الخدمية عادة ما يوجه نحو المناطق والمدن الرئيسة ذات التجمعات السكانية المرتفعة، التي تستنزف ميزانيات التنمية، على حساب المدن والمراكز النائية التي يُعتقد أنها أكثر أهمية، وحاجة لمشروعات التنمية من المناطق والمدن الأخرى.
1500 مواطن في الخرخير لا يحتاجون إلى مساعدة الشؤون الاجتماعية فحسب، بل هم في أمس الحاجة إلى تنمية مناطقهم الحدودية، وتحويل مناطق تجمعاتهم إلى مناطق حضرية تتوفر فيها خدمات السكن، التعليم، الصحة، الكهرباء، ومشروعات اقتصادية تسهم في تحويل تلك المراكز الصغيرة إلى مدن حديثة، وتوفر الوظائف لأبنائهم العاطلين عن العمل.
تنمية المحافظات، المدن، والمراكز الصغيرة لا تحتاج إلى ميزانيات ضخمة بقدر حاجتها إلى مبالغ ضئيلة إذا ما قيست بميزانيات المدن الرئيسة، ومع ذلك، فانعكاساتها التنموية، وفوائدها الإستراتيجية عادة ما تكون عظيمة. بعض تلك المدن، القرى، المراكز يمكن توزيعها وفق نظرة إستراتيجية تنموية أمنية، واستغلالها كمراكز حضرية لتوطين القبائل المنتشرة في الصحراء المحيطة. تطوير الأنشطة الرعوية، الزراعية، المرتبطة بتلك القبائل، وإضافة أنشطة إنتاجية أخرى، وتوفير الخدمات كفيل بتثبيت أبناء القبائل في أماكنهم الحالية، في الوقت الذي تساعد فيه خطط التنمية الإنتاجية في توفير الوظائف وتوطينها. المصلحة الوطنية تستدعي وجود المدن الحضرية القوية الجاذبة للسكان بالقرب من الشريط الحدودي، وتستدعي أيضاً وجود مدن قوية أخرى غير متباعدة، وموزعة جغرافياً وفق خطة أمنية إستراتيجية.
إستراتيجية بناء، أو تطوير المدن، المراكز ذات البعد الإستراتيجي ينبغي أن تناط بوزارة الداخلية، وفق نظرة شمولية، وميزانيات خاصة. مدينة الجبيل الصناعية السكنية لم تكن لتنجح لولا استقلالية ميزانياتها المالية عن ميزانيات وزارات الدولة، وعلى هذا الأساس يمكن أن تطبق تلك التجربة بصورة مصغرة جداً على المدن المستهدفة. نحن في حاجة إلى إنشاء (هيئة تطوير المحافظات، المدن، والمراكز الإستراتيجية) وجعلها مراكز جذب سكاني يعود إليها سكانها الذين هجروها إلى المدن بسبب نقص الخدمات، وبعض المعوقات الأخرى.
مدينة الرياض، الدمام، الخبر، جدة وبعض المدن الرئيسة الأخرى تعاني من اختناقات سكانية لا يمكن تحملها، الجزء الأكبر من سكانها أتوا من المدن، المراكز، القرى التي لم تنل حظاً من التنمية، بحثاً عن فرص عمل، ومقاعد تعليمية، وحياة أكثر تطوراً. تفريغ بعض المدن، المراكز، القرى من سكانها يتعارض مع الإستراتيجيات الأمنية الحديثة، فالمصلحة العامة تحتم تنمية المدن لضمان بقاء سكانها فيها، وتشجيع النازحين عنها إلى العودة لها والاستقرار.
هجرة السكان من مناطق سكناهم تقضي على كثير من الأنشطة التجارية، الزراعية، الرعوية التي ارتبطت بوجودهم في بيئتهم الأصلية. وتقضي أيضاً على ثقافات اجتماعية مهمة لبناء المجتمع والمحافظة عليه من الداخل. الانخراط في المدنية يقضي على كثير من الثقافات الاجتماعية، ويساعد على تفكك العلاقات بأنواعها، ويترك المدن، القرى، والمراكز المهجورة، التي تمثل عمقاً إستراتيجياً مهماً، أرضاً قاحلة مفتوحة لمن أراد استغلالها.
أرامكو السعودية، سابك، بترو رابغ شركات ضخمة قادرة على وضع إستراتيجية صناعية متخصصة في المحافظات، المدن، المراكز المستهدفة يتم تمويلها من صناديق الدولة، وبمساهمة تلك الشركات، أو طرحها للمساهمة العامة. كما أن الهيئة الملكية للجبيل وينبع قادرة على وضع خطط تنموية مدنية للنهوض بها، وتحويلها إلى مراكز حضرية متطورة تحتوي على جميع الخدمات الأساسية. في الوقت الذي تمتلك فيه وزارة الداخلية الرؤية الإستراتيجية الشاملة للمناطق المستهدفة، والقدرة على إنفاذ المشروع بقوة وعزيمة.
هناك تفسيراً أكثر شمولية يعتمد على تأمين مصادر القوة في جميع المجالات، بما فيها القوة العسكرية، إضافة إلى التنمية الشاملة، التي أصبحت من خطوط الحماية، والدفاع الرئيسة، وتشمل: التنمية المدنية، السكانية، الاجتماعية، الاقتصادية، الإنتاجية، الصحية، التعليمية والثقافية. تنمية المجتمع وتقويته من الداخل، والتركيز على تنمية المناطق (المحافظات، المدن، المراكز) ذات البعد الإستراتيجي وفق نظرة شمولية متخصصة يمكن أن يزيد من قوة ومنعة الأمن القومي، ويحول بعض المدن الإستراتيجية المتفرقة إلى قواعد تنموية قادرة على حماية أمن الوطن من الداخل والخارج، بإذن الله.
****
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM