شهد مجتمعنا السعودي كغيره من المجتمعات الخليجية والعربية تحولات اجتماعية وثقافية واقتصادية أحدثت تغيرات عديدة أثّرت على بنية الأسرة السعودية ووظيفتها وهذه التحولات لم يواكبها تطور في آليات عمل مؤسساتنا ذات العلاقة بالأسرة كالمؤسسات...
...القضائية والدينية والاجتماعية والتعليمية والشبابية. وقد شمل هذا التغير جميع أعضاء الأسرة الصغير والكبير، الذكر والأنثى، وهذا ما لمسه الكاتب كمتخصص في مجال الخدمة الاجتماعية ومن خلال الخبرة في مجال الاستشارات الأسرية، حيث لاحظ حجم المشكلات الأسرية في المجتمع وعمقها، وأصبحت الأسرة، في كثير من الحالات، بدلاً من أن تكون مصدر أمن وأمان لأفرادها وعامل جذب واستقرار أصبحت مصدر خوف وتوتر لأفرادها وعامل طرد لهم.
لقد برزت في مجتمعنا مؤخراً الكثير من المشكلات الأسرية الغريبة عن المجتمع السعودي والتي كنا نسمع عن حدوثها في المجتمعات الغربية ولنذكر بشفافية عدداً من المشكلات التي طفت على السطح والتي أفرزتها متغيرات في المجتمع ومنها:
* العنف الأسري الذي وصل إلى حدّ قتل الابن لوالده أو لوالدته، والوالد لابنه أو ابنته، وإيذاء الزوجات والأطفال جسدياً ونفسياً.
* الانحراف الأخلاقي والتحرش والاعتداء الجنسي داخل الأسرة حتى بين أقرب الناس، وهروب الفتيات من أسرهم.
* ابتزاز الفتيات.
* عضل البنات أو إرغامهم على الزواج من أشخاص غير أكفاء.
* ضعف القيم الأسرية المنطلقة من ديننا الإسلامي والتي عرف بها مجتمعنا على مر الأجيال مثل (بر الوالدين وصلة الرحم، والتكافل الأسري) لدرجة تصل إلى أنّ أحد الأبناء يذهب بوالده المسن المريض والمصاب بمشكلات في الذاكرة إلى المستشفى للعلاج ويُعطي الابن المستشفى معلومات غير صحيحة عن مكان إقامته وهواتفه حتى لا يتمكن المستشفى من الاتصال عليه، وآخر قاضى والده في المحاكم في أمور مالية.
* قصور الأسرة في قيامها بوظائفها ومسؤولياتها تجاه أبنائها وبناتها في التنشئة والتوجيه والاعتماد على العمالة المنزلية من خدم وسائقين في ذلك مما أضرّ بالأسرة وبالمجتمع ككل وأثّر سلباً على شخصية الناشئة في جوانب عدة مثل عدم فهم معنى المسؤولية وتحملها وافتقاد الضبط الاجتماعي وضعف الانتماء الوطني وظهور انحرافات فكرية وسلوكية، مما جعل افتقاد التواصل وضعف التنشئة داخل الأسرة أحد العوامل الأساسية في نشوء أفكار منحرفة بين الشباب كالتطرف الديني والذي عانى منه مجتمعنا، ناهيك عن الانحرافات السلوكية.
* ضعف الروابط الأسرية وضعف التكافل الأسري، والذي قاد كثير من الأفراد والأسر إلى التوجه إلى خدمات الرعاية الاجتماعية الحكومية مما جعل تلك الخدمات تواجه بأعداد كبيرة من المستفيدين والتي كان يمكن لأسرهم أن يقوموا بدور كبير في مساعدتهم.
* تحديات العولمة والانفتاح الإعلامي على القنوات الفضائية والشبكة العنكبوتية وما تبثه من أفكار وسلوكيات لأمم وشعوب من مختلف الثقافات والديانات مما أثّر على الهوية الثقافية للأسرة وجعل كثير من الأسر السعودية عاجزة عن التعامل الفاعل مع هذا الكم الهائل من الأفكار والسلوكيات التي أثرت على أخلاقيات وسلوكيات أفراد الأسرة خاصة الناشئة.
* ضعف الهوية الثقافية لدى الشباب السعودي مما أصبح معه الشباب منقاداً لعادات وتقاليد غربية تتناقض مع أطرنا الدينية والاجتماعية، ولعل ما نشهده من ظهور تقلعيات في السلوك والمظهر لدليل على ذلك. بل إنّ كثير من هذه العادات والتقاليد الغربية مستهجنة في مجتمعاتها الأصلية من قبل عامة المجتمع ولا يُمارسها إلا فئة هامشية في تلك المجتمعات.
* معاناة كثير من المطلقات والأرامل ومن في حكمهم كالمعلقات والمهجورات ومن غاب عنهن أزواجهم لفترة طويلة من هضم لحقوقهم ومن مشكلات عديدة نتيجة للضغوط الاجتماعية والاقتصادية ونتيجة لجمود وعدم تطوير أنظمة وآليات مؤسساتنا ذات العلاقة بالأسرة للتعامل مع قضايا تلك الفئات وعلاج مشكلاتهم.
* سيطرة الجانب المادي في حياة كثير من الأسر حتى أصبحت حياة كثير من تلك الأسر أقرب ما تكون إلى شراكة تجارية منها إلى شراكة حياتية، وأصبحت العلاقات بين الزوجين والتي من المفترض أن تقوم على المودة والرحمة والتضحية، كما قال تعالى في كتابه الكريم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، تقوم على المصالح المادية كما أصبحت الخلافات المادية بين الزوجين سبباً في تفكك عُرى العلاقات الزوجية والأسرية في عديد من الأسر.
* التحديات التي تواجه المرأة السعودية حتى أصبحت كأنّها في وسط بحر تتقاذفها الأمواج بين شد وجذب وقد تأثر كثير من الرجال والنساء بالأطروحات الغربية والمستغربة التي تضع للمرأة السعودية والمرأة المسلمة دوراً خارجاً عن دورها الذي شرعها الله لها مما يتطلب الاهتمام بالتعامل ومعالجة قضايا المرأة ومشكلاتها من منطلق إسلامي وسطي بعيداً عن الإفراط والتفريط.
أستاذ الخدمة الاجتماعية - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية