Al Jazirah NewsPaper Tuesday  19/05/2009 G Issue 13382
الثلاثاء 24 جمادى الأول 1430   العدد  13382
احتضار الكتاب بين دور الناشر والقارئ
د. عبد الله بن سعد العبيد

 

يعاني الكتاب في مجتمعاتنا العربية أزمة ربما لم يشهدها منذ عهد بعيد ذلك أن عوامل عدة بدأت تسحب البساط من تحت الكتاب من جهة ومن جهة أخرى انصراف الناس عن الاهتمام بالكتاب برغم المحاولات الحثيثة لإعادة الكتاب لأمجاده عبر إقامة معارض وندوات وأمسيات ولقاءات...

...وغيره، إلا أن الملاحظ هو استمرار القطيعة الموجودة بين الكاتب والقارئ.

وقبل أن نتهم القارئ بأنه سبب مباشر في تلك القطيعة أو أن نلقي باللوم على الكتّاب في ذلك أو دور النشر التي لم تعد تهتم بالكتاب القيم كما كانت سابقاً وانصرف جُل اهتمامها بالعائد المادي المنتظر منه، دعونا قبل ذلك نسلط الضوء على أوضاع الكتاب هذه الأيام، فالملاحظ أن الناس قد انصرفوا في معظمهم لمتابعة وملاحقة المعلومة المرئية أكثر من المقروء منها عبر وسائل الإعلام المختلفة ولذلك تنبه الكثير من القائمين على الإعلام والباحثين عن الكسب المادي فقط فأفردوا مساحات زمنية كبيرة وإعلانات تاريخية للبرامج المرئية الساذجة والمباشرة والتي لا تقيم وزنا لأبجديات علم الكتابة، فكثرة الأخطاء اللغوية واللفظية وزاد بين الناس ما هو شائع منها وما هو غير شائع ودخل العديد من الألفاظ المستنكرة والمنكسرة لمجتمعات يُفترض لها أن تصون اللغة وتحافظ عليها. لذلك نجد أن اهتمام الناس بالكتاب إلا من رحم ربي قد قل إن لم يكن قد زال نهائياً ومرد ذلك عدد من الأسباب التي لا يسع المقام لسرد معظمها والوقوف عند كثيرها، لكنني وكما ذكرت أود تسليط الضوء فقط على ما نراه سببا اليوم لعزوف الناس عنه والتخلي عما يحتويه.

إن طباعة كتاب ما ليس بالأمر اليسير إذا ما أراد الكاتب أن يقوم بطباعته بنفسه، ويقوم الكاتب أحياناً بطباعة الكتاب على نفقته مرغماً لأنه ببساطة لم يجد دار نشر تتبنى طباعة كتابه وإن وجد يكون نصيبه في بيع ذلك الكتاب دريهمات قليلة لا تعادل الجهد الذي بذله الكاتب في إخراج كتابه ولا الوقت الذي استقطعه من الآخرين كأولاده وبيته مثلاً، ولا الساعات الطوال التي قضاها ملازماً لقلمه. أقول: إن أراد أن يقوم هو بطباعة كتابه تبدأ رحلته الشاقة للتصريح بالطباعة والموافقة عليه وإدراجه وتصنيفه وما إلى ذلك ومن ثم تبدأ الخطوة الثانية وهي البحث عن دار طباعة مناسبة لطباعته. وهنا أود القول: إن جُل من يعمل بالمطابع يعتبرون طباعة الكتب ترفا لشريحة الأغنياء في المجتمع عكس النظرة المجتمعية السابقة للكاتب التي كانت تصنفه ضمن فئة الفقراء. المهم أن الأرقام الفلكية التي تنهال على الكاتب ثمناً لطباعة كتابه تجعله يندم على كل حرف كتبه في كتابه، فيبدأ بالبحث عن البديل هنا وهناك وإن تيسر له أخيراً مطبعة بسعر مناسب تبدأ رحلة أخرى من المعاناة وهي إيجاد نصيب لكتابه في أرفف إحدى المكتبات المعروفة وإلا سيكون مصيره الموت في الكراتين التي خرج بها من المكتبة.

ولذلك نجد أن أحد أهم أسباب احتضار الكتاب لدينا هو ما يتصل بالمؤلف ذاته الذي لا يملك ما يكفي تكاليف طبع كتابه على نفقته الخاصة لعزوف عدد من دور النشر عن تبني وطباعة كتب المؤلفين الجدد، وإقبالهم على إصدار كتب كبار المؤلفين المعروفين.

أما السبب الآخر فهو ما يتصل بأزمة الكتّاب أنفسهم، فبعض الكتاب قد توقف عن طباعة المزيد من الكتب لما يعانيه من الثمن البخس الذي يحصل عليه إضافة لسوء تسويق وتوزيع الكتاب الذي يسوقه ويوزعه الكاتب نفسه. واتجاه بعضهم لطباعة الكتب التي تلقى رواجاً وهي لا تحمل قيمة فكرية أو معنوية ككتب الشعر والتراجم الحديثة التي تتخذ من الكسب المادي هدفاً للترجمة.

وهناك أسباب أخرى تتعلق كما ذكرنا آنفاً بالمتلقي الذي ستهوى كثيراً مراجعة المعلومة بسهولة ويسر عبر محركات البحث في الشبكة العنكبوتية وحتى مطالعة نسخة كاملة من الكتب بصيغتها الإلكترونية.

أعتقد أن على الجهات الحكومية أن تتحرك لحماية الثقافة العربية مما يواجهها من تحديات عصيبة لقتل الكتاب، والعمل على حث الكاتب لزيادة إبداعه وإخراج ما لديه من كتب جاثمة من سنوات عبر إقامة المهرجانات ورصد الجوائز وفوق كل ذلك تخصيص جزء من ميزانيتها لشراء نسخ لتلك الكتب كنوع من الدعم الحكومي للتحفيز الثقافي وتوزيعها على الجامعات مجاناً، أو ربما دعم مباشر لطباعة تلك الكتب.

مجرد اقتراح ما رأيكم

والله من وراء القصد



dr.aobaid@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد