اعتادت دول مجلس التعاون وعلى رأسها المملكة العربية السعودية صاحبة التجربة الأكبر على ربط العامل الوافد بـ(كفالة عمل) ودار في الآونة الأخيرة نقد لهذه الكفالة وجدل حولها أثارته بعض منظمات عمالية وحقوقية أهلية ودولية، فوصفتها بأنها تقيد الحريات المدنية، وتمارس السخرة على العمالة المنضوية تحتها، ربما منشأ ذلك تعاطفها مع شكايات محدودة وصلتها من عمال أعاقهم الالتزام بشروط الكفالة من التنقل حيثما شاءوا في سوق العمل بهذه الدول التي تطبق كفالة العمل، .....
.....أو من عمال واجهوا فعلا إساءات معينة من كفلائهم، ولعل هذا الوضع الجديد جعل بعض دول مجلس التعاون تشعر بضغوط وإحراجات أمام هذه المنظمات حتى تغير من وضع هذه الكفالة.
ولقد توافق أن استضافتني قناة الجزيرة الإخبارية مساء يوم الأربعاء الموافق 652009م، في وقفة إخبارية لاستشراف وجهة نظر عاجلة حول قرار حكومة مملكة البحرين الشقيقة الأخير بإلغاء شرط كفالة العمل في بلادها، وإطلاقها للعمال الأجانب الحرية في التنقل بين الوظائف، شأنهم في ذلك شأن المواطنين البحرينيين، حسب تصريح معالي وزير العمل البحريني السيد مجيد العلوي التي عبر عنها في ذات البرنامج الإخباري.
وكان تساؤل المذيع لي عما إذا تحذو دول الخليج ومنها المملكة العربية السعودية حذو البحرين في ذلك؟ وقد كانت خلاصة مداخلتي التالي:
أولا: بصرف النظر عن مسمى (الكفالة) أو ما بات يسميه نظام العمل الجديد الصادر في عام (1426ه) بـ(خدمات العامل) أو (عقد العمل) الذي صار لدى البعض حساسية منها فهي عبارة عن شرط شرعي وقانوني يثبت علاقة العمل بين الكفيل والمكفول، بل وان (كفالة العمل) وحتى وفي غياب عقد العمل متى ما دمغت على جواز العامل الوافد تعتد بها الجهات العمالية القضائية السعودية بمثابة صك التزام من صاحب العمل يثبت تبعية علاقة العمل معه بما لا يمكن إنكاره، تكفل بموجبه جميع حقوق العامل ومكتسباته، سواء المنصوص عليها في عقد العمل الذي يوقع بين الطرفين، العامل وصاحب العمل إن وجد، أو ما يتضمنه نظام العمل السعودي من شروط حمائية للعامل وحقوقه.
وهكذا فإن الكفالة، وفق الأنظمة السعودية، تقوم في قوتها مقام عقد العمل إذ تعتبر الدليل الدامغ للسلطة على تبعية العامل لصاحب العمل فيما لو أنكر الأخير علاقته بالعامل.
ولقد استظل ولا يزال يستظل تحت منفعتها مئات آلاف العمال الوافدين في المملكة الذين يربو عددهم على (8) ملايين عامل، ولهذا، ومع احترامي لرأيهم أستغرب أن ينصرف البعض للتعاطف مع هذه التظلمات المحدودة ضدها ولم يلتفوا إلى ميزاتها الحمائية لحقوق العمال في بلد الغربة، ناسين حقيقة أن مبدأ (كفالة العمل) شرط لازب لدخول البلاد، قبل به ووافق عليه العامل قبل قراره دخول البلاد للعمل فيها.
ثانياً: أن لكل بلد كامل سيادته على أراضيه، وله حريته في سن الأنظمة التي تكفل له حماية مصالحه الوطنية وحقوق أناسه، ما دامت هذه الأنظمة قد قبلها وأقر بها من يتعامل معها ومنهم العمال المتواجدون على أراضيها، ما دامت هذه الأنظمة لا تجبر الآخرين على قبولها.
بالرغم من حقيقة أن أي نظام تسنه أي دولة في العالم له ماله وعليه ما عليه، تسعد به فئة، وتمتعض له أخرى.
صحيح أن كفالة العمل في بعض جوانبها تشكل عوائق أمام العامل الوافد تحد من تصرفاته في بعض شؤونه الحياتية، إلا أنه يمكن معالجتها متى ما حصرت وأزيلت، بيد أن من يشاهد هذا الجدل الدولي الذي بدا يظهر على السطح أخيرًا إنما يشعر بأن ثمة جوانب كثيرة من منافع هذه الكفالة جراء كفالة العمل تصب في مصلحة العامل المكفول، ربما غفل عنها أو لم تنتبه لها هذه الجهات الناقدة، تلكم المنافع التي تتطلع لشرعيتها منظمة العمل الدولية وتعتبرها غاية الحماية العمالية المطلوبة وهي الراعي الأول لحقوق العمال في المعمورة وربما تبارك وجودها في عقد العمل السعودي.
ثالثاً: أما حول تساءل المذيع عما إذا يمكن أن تحذو دول المجلس حذو البحرين الشقيق، فبالطبع أنا لست مؤهلا للحديث عن القرار السعودي الذي لا أعلم موقفه من هذا الشأن ويملك أصحابه وحدهم التعبير عنه.
أما مختصر إجابتي للمذيع أن مسألة تبني مملكة البحرين لهذا الشأن أمر سيادي نحترم قرارها فيه وفي سواه، ولكن صحيح أن مملكة البحرين كبيرة القدر ولكنها صغيرة المساحة قليلة السكان، مما يمكنها السيطرة على تطبيقات أي قرار تتخذه أو النكوص عنه في حالة عدم فاعليته.
أما في حالة المملكة العربية السعودية بمساحاتها الواسعة وحجم العمالة الوافدة التي قلنا عنها أنها باتت تتقارب إعدادها (8000000) شخص فالحالة في نظري تستوجب حسابات تتعلق بالمصلحة الوطنية من جوانبها الاقتصادية والديموغرافية والاجتماعية والأمنية لا يمكن إهمالها أو تجاهلها.
لهذا كنت انتهيت في مداخلتي إلى أملي قبل أن يتحول الأمر إلى مشكلة عمالية دولية، بدافع تعاطفي من تلك المنظمات مع تلكم الحالات المحدودة التي وصلت إليها دونما تكوين رؤية واضحة من جانبها لجوانب قضية الكفالة مستمدة من التطبيق الميداني، مستوفية لمواقف الطرفين، أملي في أن تقوم منظمة العمل الدولية ابتداء بسبر الحقائق على السطح بعد استشراف أنظمة الدول المعنية بأمور الكفالة، وان تعد دراسة مستوفية لكل جوانب القضية وأبعادها، تستجلي فيها رأي بعض العمال ممن هو منتفع أو متضرر، ومن موقف أصحاب العمل والحكومات، تضع فيها مصلحة العامل باعتباره الطرف الأضعف في أولوياتها.
ثم بعد ذلك تعقد ندوة موسعة في بلد خليجي تجمع فيه على طاولة مستديرة أطراف من خبرائها وممثلين عن منظمات عمالية وحقوقية منتخبة ومعهم ممثلون من بعض دول الاستقدام ذوي أنظمة الكفالة وبعض رجال أعمال فيها، لعلها تخرج بتوصيات عادلة تحقق مصالح الأطراف وليس التعاطف مع طرف دون مراعاة أطراف آخر.
وعلى هذا النسق، ولما أن مداخلتي أثناء اللقاء العاجل كانت قصيرة جدا وفي إطار نشرة إخبارية لم أتمكن معها من إيضاح وجهة نظري سواء تكون صائبة أو خائبة، رأيت أن أدلي بدلوي في هذه الورقة ليس لامتداح (كفالة العمل) ولا لرفضها، فهذه لها ما لها وعليها ما عليها، ولكني حرصت على أن أحيط القارئ الكريم بخلفية هذا الموضوع وإبعاده ومراميه.. متحدثا عن واقع الحال بالمملكة العربية السعودية الذي أحيط علما به، متمنيا أن يكون فيها شيء مفيد للقارئ الكريم، هذا بالرغم من أنني انقطعت عن الكتابة منذ مدة، إلا أني شعرت بأن الكلمة الناصحة أمانة وطنية يجب عدم الضن بها على الوطن، حتى لو كان الفرد خارج وظيفته الحكومية.
الكفالة وعلاقتها بعقد العمل:
شرط (كفالة العمل) ليس حديث عهد، بل مطبق منذ (60) عاما.
هذا وبالرغم من أن (كفالة العمل) كما أشرنا تقوم مقام عقد العمل لغرض ثبوتية علاقة العامل بصاحب العمل، إلا أن الحكومة مع هذا باتت تمنع أي صاحب عمل نشاطه داخل المملكة من استقدام عامل من الخارج دون تحرير عقد يوقع بين الطرفين، تكون مواده وشروطه متطابقة تماما مع ما تشترطه اتفاقيات منظمة العمل الدولية وتوصياتها، تلكم المصادق عليها من قبل حكومة المملكة العربية السعودية، إذ هي عضو فعال في هذه المنظمة منذ عام (1976م)، حتى أنه يكاد يكون نظام العمل الصادر في 691389هـ (أي عام 1969م) نسخة مصغرة لاتفاقات وتوصيات العمل والدولية، وتوج ذلك النظام الجديد الصادر عام 1426هـ.
هذا العقد تعتبره سلطات المملكة الحقوقية صك التزام وأداء من قبل صاحب العمل لصالح العامل، متى ما ثبتت حقوقه التي تضمنتها شروطه، بل وتقوى شرعيته هذا العقد عندما يكون العامل تحت كفالة صاحب العمل، ومن حيث العموم وليس التفصيل، لا بد أن يشمل هذا الالتزام تحديد أجور العامل، وتعويضاته، وإجازاته، وأوقات راحته، وحمايته من مخاطر العمل، وعلاجه من إصابات العمل وتعويضه من أضرارها، بل وإلزام لوائح العمل لصاحب العمل بترحيل جثمانه إلى بلادها في حالة وفاته، بل وتوج ذلك قبل أربع سنوات تطبيق الحكومة نظام العلاج الصحي، الذي ألزم أنظمة العمل صاحب العمل كائنا من كان بدفع تأمين شهري لشركة التأمين مقابل التزامها بعلاجه.
لماذا تشترط السلطات السعودية هذه الكفالة على الوافدين؟
كفالة العمل في أصلها أسلوب تنظيمي حمائي لسوق العمل، وللتواجد الأجنبي في البلاد، اشترطته الحكومة في نظام الإقامة السعودي الصادر بالتصديق الملكي العالي رقم 172251337 في 1191371هـ وبالذات في الفقرة (د) من المادة رقم (5)، أي قبل ستين عاماً تقريباً، حيث يتوجب (حسب منطوق المادة) على كل أجنبي يدخل المملكة بالطرق المشروعة أن يقدم لممثليات الحكومة في الخارج قبل سفره كفيل عمل.
وكان نظام العمل السابق الذي صدر برقم م 21 في 691389هـ قد اشترط في الفقرة (3) من المادة (49) أن يكون العامل الأجنبي تحت كفالة صاحب العمل، بيد أن نظام العمل الجديد (المعدل) الذي صدر أخيرا بموجب المرسوم الملكي رقم (51) وتاريخ 2381426هـ تحاشى الإشارة إلى (كفيل عمل) واستبدلها بمسمى (عقد العمل) و(خدمات العامل كما أشرنا سابقاً، وهذه، في رأيي، خطوة تصحيحية في مصلحة العامل الوافد تخفف من وقع تسمية (الكفالة) الذي يمتعض منه البعض ناهيك عن أنه يضفي شرعية أكثر على سلامة التعاقد.
وللتوسع في تفصيل ذلك بعض الشيء، في ظني أن الهدف الظاهر في مجمله من سن الحكومة شرط كفالة العمل على كل وافد كائن من كان، له بعد تنظيمي، أمني، وحقوقي، وحمائي، في آن واحد، يضمن بذلك تنظيم آليات تواجد إقامة جميع الوافدين للعمل من حيث شرعيتها في البلاد، ومن حيث ضمان حقوقها، كي يمكن السيطرة عليها، ولا تضيع حقوقهم في بلد شاسعة يتجاوز طولها من الشمال إلى الجنوب ألفي كيل، ومن الشرق للغرب ألف وخمسمائة كيل، أي أنه أسلوب تنظيمي في مجمله وأبعاده، يرمي في مصبه إلى تحقيق ثلاثة مطالب رئيسة ترسمها مصلحة الوطن.. الأول أمني، والثاني حمائي للعمالة الوطنية، والثالث حقوقي لضمان حقوق العمالة الوافدة:
فالمطلب الأمني وقد نصت عليه أنظمة الإقامة المشار إليها تلك، المناط مسؤوليته تنفيذه ومراقبته بأجهزة الجوازات بوزارة الداخلية، وهو ما نص عليه منطوق المادة السالفة الذكر من نظام الإقامة القائم، ولعل المقصود منه أن يكون ثمة شخصية سعودية اعتبارية وقانونية ترجع إليها السلطات الأمنية لو احتاجت أمنيا إلى العنصر الوافد.
أما المطلب الحمائي فقد اشترطت أن لا تتم موافقة الحكومة لصاحب العمل على استقدام وافد إلا بعد أن يثبت مستنديا وميدانيا حاجته الفعلية لهذا العمل، وأن هذه الوظيفة ليست من الوظائف التي يتوفر لها طالب عمل سعودي، أي ألا تدخل العمالة الوافدة في منافسة للعمالة السعودية المحلية في وظائف الوطن.
ناهيك عن أن المقنن السعودي من جانب آخر يدرك أولوية حق المواطن في الوظيفة كحق تفرضه شروط المواطنة له قبل سواه كما جاء في المادة (48) من نظام العمل السابق، وفي مواد الباب الثاني من نظام العمل الحالي، وهذا شرط لا تستأثر به المملكة العربية السعودية دون سواها فحسب بل تحافظ عليه معظم دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، وكندا، وأوربا، والصين، وسواها العشرات من دول العالم.
فنظام البلد لا يسمح أن تدخل العمالة الوافدة بأجورها المتدنية في منافسة مع أبناء الوطن والا لازدادت البطالة بين أهالي البلاد وشبابها، وحدثت فوضى في سوق العمل قد لا تقف عند حدود ومعينة.
أما المطلب الحقوقي فهو خاص بإثبات علاقة العمل بين الكفيل والمكفول، وبآليات استخدام الوافد على ذات الوظيفة أو المهنة عندما يكون قدوم هذا الوافد بغرض العمل، إذ يصب في ذات القصد كما رأينا سابقا، وهو أن يكون صاحب العمل ملزما أمام السلطة بموجب هذه الكفالة بتأدية أجور العامل الوافد وحقوقه من أول يوم يصل فيه البلاد ويستلم فيه وظيفته، مما لا يستطيع صاحب العمل معه رفضه أو التملص منه، وهو الهدف الكبير الذي ترمي الحكومة من وراءه الاطمئنان على سلامة سوق العمل وهدوئها، وذلك نصرة للعامل وهو الطرف الضعيف ومساعدته في الحصول على حقوقه في بلد الغربة لو ضنها عليه صاحب العمل أو تأخر فيها...
ماذا لو أخل الكفيل بشروط كفالة العمل؟
يظل من حق العامل الوافد وهو تحت مظلة هذه الكفالة عندما يتذمر من بيئة وظيفته، أو من معاملة صاحب العمل السيئة لها، أن يطلب من صاحب العمل إعادته إلى بلاده بعد تسديد أجوره ودفع تعويضاته كاملة غير منقوصة وعلى حساب الأخير، لأنه في هذه الحالة يكون فيها صاحب العمل قد أخل بشروط كفالة العمل وعقد العمل، هذا حق تضمنه له جميع أنظمة المملكة ويطبق من قبل سلطاتها بصرامة وبحزم ضد المخل بها وفي المقابل توازنيا من حق صاحب العمل إعادة العامل الذي لا تثبت كفاءته أو يخل بواجبات الوظيفة إلى بلاده ولكن وفق معطيات نظام العمل السعودي، هذه ترتيبات يفندها عادة عقد العمل السعودي الموقع من قبل الطرفين، ويطوقها نظام العمل السعودي.
وإذا لم يتجاوب صاحب العمل تلقائيا وأساء للعامل أو نكث وعوده فمن حق العامل فورا التقدم لأقرب مكتب عمل أو أي جهة قضائية، من تلكم المنتشرة في جميع مدن المملكة بشكوى لإنصافه بإعطائه كامل حقوقه وتعويضاته وإعادته لبلاده على حساب صاحب العمل، أي العودة إلى بلاده متحصلاً على جميع حقوقه، متحصنا بحماية كفالة العمل وعقد العمل وأنظمة العمل السعودية.
هذا أسلوب في ظني تفيأ تحت حمايته آلاف العمال ممن دخلوا المملكة، وجنوا فائدته الحمائية، وواجهوا إساءات من قبل أصحاب عمل أخلوا بشروط العقد، علما بأن الإحصائيات التي اطلعت عليها شخصيا أبانت بأن المملكة تواجه أقل قضايا العمل في العالم قياسيا بحجم توافد العمالة فيها وكثرة تحركاته قدوما وخروجا، هذا هو الأسلوب الدارج في علاقات العمل في سوق العمل السعودي.
هل يجوز نقل كفالة العامل الوافد لصاحب عمل آخر؟
كانت أهم ملاحظات منظمة العمل الدولية على كفالة العمل، ونقد منظمات حقوقية إقليمية ودولية لها انه لا يسمح لجميع أفراد العمالة الوافدة بالانتقال إلى صاحب عمال آخر كيفما شاءوا.. ربما نشأت هذه الملاحظات من شكاوى وردت إليها وتعاطفت معها من قبل عمال قيد هذا النظام وجودهم بالوظيفة التي استقدموا لشغلها، ولم تمكنهم قيودها من التنقل في سوق العمل لاقتناص مزيد من الأجور لدى أصحاب عمل آخرين بمزايا أفضل كيفما يشاؤون.
كما زعمت هذه المنظمات الحقوقية أن هذه الكفالة تكرس السخرة في استخدام العمال، واستغلال صاحب العمل للمكفول، وأن العامل لا يستطيع الحصول على حقوقه المدنية داخل المملكة مثل رخصة قيادة السيارة أو إدخال أبنائه في المدارس إلا بموافقة الكفيل.. الخ، وفسر أولئك هذا السلوك التنظيمي بأنه أسلوب يتنافى مع حرية الفرد وحقه في اختيار العمل والتنقل فيه.
كل حصيف لا ينكر أن ثمة جوانب أخل بها بعض الكفلاء تجاه مكفوليهم، وشذوا فيها عن شروط عقد العمل، ولكن قد يصعب عليه في ذات الوقت التعاطف مع شكاوى يهدف فيها العامل إلى منحه حرية الانتقال لصاحب عمل آخر قسرا بلا قيد وشرط، دونما مراعاة لمصلحة الطرف الثاني ليصطاد مغريات وظيفة جديدة مخلا بذلك بعقد العمل الذي وقعه مع من استقدمه للعمل لديه في البلاد، غير آبه بحقوقه وما صرفه عليه من مال وجهد لقاء استقدامه.
نقول: من حيث إمكانية انتقال العامل الوافد إلى صاحب عمل آخر، فليس صحيح ما تدعيه هذه المنظمات الحقوقية أن العامل لا يسمح له بالتنقل، فالجواز حاصل بشرط رضاء الطرفين، هدفت منه الحكومة التسهيل على طرفي العلاقة والتوفير عليهما، وتنظيم سوق العمل، ولكنه مقرون بموافقة جهتين، الكفيل، وموافقة الدولة (مكتب العمل).
هذا شرط ليس حديث عهد بل يتعارف عليه الجميع قبل عشرات السنين، يدركه كل عامل قبل قدومه.
كما أن هذا القيد لم يكن من صنع كفيل العمل نفسه أو متوقف على موافقته وحده، فالدولة (وهي في ذلك ممثلة في وزارة العمل) لا تعتد بموافقة الكفيل وحده، بل لا تجيز انتقال هذه الكفالة إلا عندما تثبت حاجة الكفيل الجديد، وعندما لا يشكل انتقاله منافسة لسواه من السعوديين، بهذا، في ظني، أن العامل يصبح قد أعطي حقا مكتسبا في الانتقال لا يتم إلا بعد توافر شروطه.
إذن.. ما هي إيجابيات وسلبيات كفالة العمل؟
رأينا أن على رأس أهداف سن الحكومة ل(كفالة العمل) إثبات علاقة العامل بصاحب العمل بما لا يدعو لإنكار أحد الطرفين، وبالتالي حماية حقوق العامل الوافد المترتبة على هذه العلاقة، وهذه في نظري قمة إيجابيات (كفالة العمل) على مصلحة العامل، ومن إيجابياتها على المستوى الوطني الضبط الأمني للوافدين، وكذا حماية الفرص الوظيفة للمواطن قبل سواهم.
أما تزعمه هذه الهيئات العمالية والحقوقية عند الحديث عن سلبيات الكفالة أن ثمة عوائق تحاصر العامل الوافد عند ممارسته لحقوقه المدنية في البلاد، وأورد بعضها أمثلة مثل، احتفاظ الوكيل بجواز سفر المكفول، أو عندما يرغب في استخراج رخصة قيادة سيارة تشترط الدائرة المختصة خطاب عدم ممانعة من الكفيل، أو عندما يرغب في إدخال ابنه مدرسة وغير ذلك.. نقول صحيح أن هذه الاشتراطات كانت مطبقة في السابق ولكني سمعت أنها أزيلت تماما بموجب تعميم صدر من مجلس الوزراء عام (1426هـ) على الدوائر الحكومية بعنوان (الضوابط الخاصة بعلاقات صاحب العمل بالعامل الوفد) ولكنني لم أستطع العثور عليه منشورا فلربما أنه تم تداوله بمحدودية أو بصفة سرية، وإن كنت أتمنى أنه تم نشره على العموم حتى تعتبرها المنظمات الحقوقية خطوة تصحيحية تشكر عليها حكومة المملكة، أقول لو اطلعت هذه المنظمات العمالية والحقوقية عليها لباركتها ولدافعت عنها لصالح المملكة.
بيد أنه ما زال يؤخذ على بعض العاملين في بعض الدوائر الحكومية عدم التمشي بهذه الترتيبات الجديدة، أما لجهل منهم بها أو إهمال، مما قد يكون أضر فعلا بمصلحة العمال الوافد، ولكن هذا لا يعفي العامل المتضرر من مراجعة رئيس الدائرة والاحتجاج على هذه المطالب الخاطئة فأنظمة البلاد تعطي الوافد ذات الحق الذي يتمتع به المواطن، بل ومن حق الوافد تقديم شكوى لدى الدوائر القضائية ضد أي غبن أو مظلمة، كل شأن يتعلق بالحقوق المدنية التي تكفلها أنظمة المملكة ولوائحها للعامل الوافد.
وماذا عن (نقل الكفالة).. هل حولها قول؟
بعد هذه الجولة في رحاب (كفالة العمل) واستعراض أوجه نقد البعض لها وتضرر البعض منها، نستطيع الاستنتاج بأن أكبر مسبب للمشكلة في رأينا هو جواز مبدأ نقل كفالة البعض من شخص لآخر وحجبه عن البعض الآخر، وإن كان المراد من ذلك تنظيم سوق العمل والتسهيل على طرفي العلاقة، وفي محاولة لتشخيص سلبيات هذا الوضع نلحظ التالي:
1 أنه خلق شعورا في أوساط العمالة الوافدة بعدم المساواة في المعاملة وهو ما يسميه الحقوقيون بالتفرقة، وتفسير ذلك أن العامل الوافد الملتزم بعقده مع كفيله يرى زميله في العمل، أو صديقه في مؤسسة أخرى قد تمتع بهذه الميزة، وسمح له بنقل كفالته لكفيل عمل آخر، وحصل على أجر أكبر فيما كفيله هو رفض نقل كفالته وخيره بين الاستمرار في العمل لديه أو إعادته إلى بلده، هذا الوضع أجج روح الامتعاض بين من لم يستفد وأن فرص التحول لوضع أفضل تضيع عليه بسبب تعنت كفيله، فأوصل شكواه إلى المنظمات الحقوقية أو العمالية.
هذا الوضع لا شك قائم في سوق عمل تعج بتنافس في الأجور وفي إغراءات الفرص الوظيفية للعمالة الوافدة، فلذلك شاهدنا الكثير من أصحاب المؤسسات والشركات يتضجرون من كثرة هروب عمالهم واختفائهم في أصقاع هذه المملكة الشاسعة المساحة دونما التزامهم بمدد العقود التي وقعها معهم هؤلاء العمال الهاربين.
2 السماح بنقل الكفالة شجع على قيام المئات مما يسمون ب(مؤسسات الشنطة) إن جاز التعبير من ضعاف النفوس لتقديم كل مستند إثباتي لجهة الاختصاص من أجل إقناعها منحهم تأشيرات عمل، مستخدمين كل وسيلة إقناعية لتحقيق ذلك.
وعندما يحضر هؤلاء العمال إما أنهم (أي الكفلاء) يبيعون هذه الكفالات بالتنازل لكفيل آخر لقاء مبلغ قد يزيد على (1000) ريال عن كل فرد، أو أن يطلقوهم في البلاد للعمل كيفما يشاؤون لقاء رسم شهري لهذا الكفيل قد يصل إلى (400) ريال عن كل فرد، ولهذا فكان من البديهي أن تشعر العمالة الوافدة الملتزمة لدى المؤسسات والشركات المعبرة بالغبن عندما يرون هذه الفئة من العمالة الوافدة تتمتع بهذه الحرية في التنقل فيما هم محرومون منها.
3 وعلى حس نقل الكفالة هذه، نشطت مكاتب الاستقدام الأهلية في تسويق العمالة المنزلية ولا سيما النسائية لمن يطلبها إما بتنازل الكفيل الأصلي لقاء مبلغ يصل (18000) ريال للعاملة وأقل بقليل للسائق، أو بالتأجير الشهري للعاملة المنزلية بما يصل أجر قدره (1500) ريال، بينما راتب العاملة المستقدمة لدى الأهالي في غالبة في حدود (700) ريال شهرياً، مخالفين بذلك أنظمة العمل التي تحضر ذلك.
وعلى هذا الحس أيضا وازدهار سوق العمالة المنزلية، دخل السوق مكاتب جديدة للمتاجرة في هذا النشاط، فمن يتابع الصحف اليومية يجد عشرات الإعلانات اليومية عن توافر عاملات وعاملين لدى هذه المكاتب، وهو الأمر الذي صعد ظاهرة هروب عاملات وعمال المنازل بالمئات يوميا، إذ لا يخلو منزل من هروب عاملة وسائق لديه، وأبلغني أحد معارفي الذي شخص بنفسه للبحث عن مخدومته الهاربة لدى مكتب خدمات الترحيل في الرياض فهاله رؤية المئات من المعاملات الهاربات من منازل الأهالي الذين استقدموهن، فبقين مستضافات في كنف هذا المكتب الحكومي بانتظار تسفيرهن إلى مواطنهن.
ونحن نستنكر جميع حالات الهروب ولكننا إنسانياً نتعاطف مع حالات الهروب عندما يكون هذا الهروب مسبباً، أي من تأخير أجور الشخص أو إمساكها، أو سوء معاملة أصحاب المنزل. سوى أن معظم الحالات، حسبما يجزم البعض، كانت دوافعها أن العمالة الهاربة منزلية كانت أو حرفية هربت للبحث عن أجر أفضل أو بيئة عمل أفضل لدى كفيل جديد واضعة في الاعتبار أن أنظمة البلاد من حيث المبدأ تسمح بذلك.
هل من علاج، أو حلول بديلة؟
أنا مع مسلسل التحسين أو التطوير أنى وجد، وأؤيد الحلول الناجعة، ولكني أتخوف جداً من مسألة إلغاء (كفالة العمل) التي يهمس بها البعض، ففي ظني لو حدث هذا الإلغاء فقد يسبب فوضى في سوق العمل في البلاد، قد تخلق على أثرها فوضى أمنية واقتصادية واجتماعية يصعب تفصيلها في هذه الورقة المحدودة الحيز، وتكون البلاد في غنى عنها.
كما أنني، حتى الآن، لست أرى على السطح حلولاً عملية تستخلف (كفالة العمل) توفر جوانب أمنية مطلوبة، وتكون قوتها بقوة كفالة العمل القائمة على حماية العامل الوافد وهو بلاد الغربة، اللهم أن ترى الحكومة استبدال هذا المسمى ب(عقد العمل) تصمم بنوده بحيث يفي بالمطلوب من الضمانات تفادياً للحرج.
ف(كفالة العمل) أو لنقل (عقد العمل) مثل صيغة عقد العمل الذي تجيزه وزارة العامل السعودية بمثابة صك إثبات لعلاقة العامل بالوظيفة لا يمكن لأي صاحب عمل إنكاره، وأن هذه الكفالة عندما تكون وفق أنظمة العمل السعودية متوجة بعقد عمل يحتوي على مواد ضامنة لحقوقه، تكون غاية مطلب العمالة الملتزمة بعهودها وعقودها.
كما ولا أرى موضوعية بائنة لما يتداوله البعض أن يناط بالحكومة عملية كفالة العمال الوافدين أو التعاقد معهم مباشرة. صحيح أن الحكومة قد تضفي كفالتها على العمالة الوافدة للعمل في قطاعاتها أو مؤسساتها الحكومية وهذا حاصل فعلاً، ولكني لا أعلم أن حكومة من حكومات نظام (الاقتصاد الحر) أو (الرأسمالي)، قامت بكفالة عاملين لحساب القطاع الأهلي، وتكون بذلك مسؤولة عن تأدية أجورهم ومواجهة مظالمهم، فتصبح بذلك الخصم والحكم.
كما ولا أرى ملائمة ما يقترحه البعض من أن توكل الحكومة لشركات أو مؤسسات باستقدام العمالة وجعل إقامتهم عليها، حيث على ما أتذكر أنه سبق للحكومة تجربة غير ناجحة في ذلك، سأورد خلاصة عنها لاحقاً. ناهيك عن هذه الخطوة في نظري لو تمت فلن تغير من الوضع القائم، فالكفالة ستظل هي كما كانت، وتنقل العمالة الوافدة سيظل مقيّدا، وسيبقى ذات الموفق السلبي النقدي لها من قبل البعض، بل قد يأتي من يفسر هذه الخطوة بأنها احتكار جديد في سوق العمل تجيزه الحكومة، تتحكم فيه هذه الشركات بحريات العمال الأجانب، أو قد يقولون بأنها سخرة جديدة تجيزها أنظمة البلاد، فتواجه الحكومة بذلك حرجاً من نوع آخر.
يضاف إلى ذلك تخوف أشد، إذ إنه لو أنيط الاستقدام بشركات أهلية، مهما كانت قوتها المالية، فإن ذلك بلا شك سيتسبب فوراً في رفع أجور العمالة المستقدمة في أرجاء البلاد، مما سنعكس سلباً على مستوى المعيشة للمواطن برفع الأسعار بما قد لا يحتمله المواطن البسيط. لأن هذه الشركات الاستقدامية الجديدة ستجني لا محالة فرق الأجر لقاء خدماتها ومصاريفها، أي المبالغ الفرق ما بين الأجر الذي كان يدفعه المواطن للعامل سابقاً والأجر الجديد الذي ستقرر مقداره هذه الشركة الأهلية.
كما أنه وهذا أهم لا يمكن التنبؤ في ظل هذا الوضع بما سيحدث لحقوق العمال الوافدين وقضاياهم الحقوقية لو انتقصت أو ضن بها أو حتى تأخرت عندما تكون شركات في الصورة تقف وسيطاً بين العمال والدوائر الحكومية ومنها مكاتب العمل. ذلكم مجرد (سيناريو) لما ستكون عليه هذه الفكرة لو وقعت، قد يكون صائباً أو خائباً.
لكن يجب في جميع الأحوال إدراك أن سوق العمل في أي بقعة من بقاع العالم توصف بالحساسية، أي أنها بالغة التأثر سلباً أو إيجاباً بما يحدث لها من مدخلات بما لا يمكن التنبؤ بعواقبه.
وسوق العمل السعودية، بالرغم من أنها أكبر أسواق العالم من حيث الحراك ومن حيث تشغيل العمالة الوافدة، توصف بأنها من أهدأ أسواق العمل على المعمورة، وذلك بفضل سعي حكومة المملكة في إدخال أفضل آليات التنظيم العمالي لبيئات العمل وأجوائها على أراضيها، من ضمانات للعمال، وحماية لحقوقهم، وسرعة الفصل في قضاياهم، وتحصيل حقوقهم من أصحاب عمل تعنتوا في ذلك. ولا يضير هذا التعميم نسبة محدودة من قضايا تعثر إنجازها لأسباب غير طبيعية.
نقول في هذه الجزئية يؤمل الحفاظ على وضع السوق الحالي المطمئن والحذر من تعكيره بمدخلات غير محسوبة النتائج.
وعودة إلى الحديث عن التجربة السابقة التي نوهت عنها أعلاه، أتذكر، وربما يتذكر معي بعض زملائي من المسؤولين السابقين حفظهم الله، ممن تعامل مع هذا الشأن، سواء من مسؤولي وزارة العمل أو وزارة الداخلية أو وزارة التجارة أنه سبق للحكومة قبل ربع قرن تقريباً كخطوة للحد من الاستقدام وكتنفيس للقطاعات المحتاجة، السماح لمكاتب استقدام أهلية باستقدام عمالة مهنية من بنائين وسباكين وكهربائيين وسواهم، تؤمن لهؤلاء العمال الإعاشة والمأوى، ويكونون على كفالاتها، وذلك لسد حاجات الأهالي من الأعمال والأشغال السريعة والطارئة، تؤجر أفرادها وفق القطعة أو باليوم أو بالأسبوع على الأهالي ممن لا تسمح لهم إمكانياتهم المالية التعاقد مع مقاول، ممن يحتاج مثلاً لإصلاح دورة مياه في منزله أو إزالة جدار، أو تبليط حوش.. إلخ، وتأخذ المؤسسة عمولتها أو نسبتها عند عقد الصفقة.
ولكن إن هي سوى أشهر وتتعثر هذه المؤسسات في مزاولة هذا النشاط بسبب عدم إقبال الأهالي عليه، أو أن ما يعرضه الأهالي أجور لا تغطي مصاريف إيواء وإعاشة هؤلاء العمال الذين يبقون أياماً عاطلين عن العمل في انتظار من يستدعيهم، ولا تستطيع المؤسسة الكافلة لهم تحقيق أجورهم من هذا النشاط المتعثر، فانسحبوا تدريجياً من السوق. ولم تنجح التجربة أو لنقل فشلت المحاولة.
أقول: ونحن في مسعانا نبحث عن حلول يجب ألا يركبنا البحث فيها النقد اللاذع من بعض الهيئات والمنظمات الحقوقية، ومن بعض العمال ممن واجهوا حالات استثنائية مسيئة من فئة قليلة من أصحاب عمل غير أسوياء في التعامل، فحدا بهم إلى استنكار أسلوب بلادنا في كفالة العمل. فالمملكة العربية السعودية بلاد ذات سيادة على أراضيها، تسن ما تراه يضمن مصالحها ويتلاءم مع ناسها، غير آبه بمن ينتقد بلا رؤية أو تقصي أو مراعاة لمصالحها الوطنية، وإن كانت تحفظ له احترامه.
فكل من دخل هذه البلاد تم له ذلك برغبته ومن تلقاء نفسه، بل وكان على دراية وعلم بأنظمتها وقوانينها قبل قراره الدخول إليها، وبالذات أولئك الذين قدموا للعمل، أي أن الجميع لم يؤخذ بغتة بموضوع كفالة العمل كي يجيش هؤلاء المنتقدين فيكيلوا الذم لها.
أقول هذا كيلا يصيب البعض منا هلع وخوف من حكاوي المنظمات الحقوقية وتقاريرها، فيسارع إلى تقديم حلول غير عملية قد تكون إفرازاتها ومحصلاتها مضرة بمصلحة الوطن ومخلة بأمنه.
أستعين بالله جل شأنه وأخلص من هذا الطرح كله مقترحاً الآتي:
أولاً: أقترح أن يبقى مسمى إقامة العمل مدموغاً في جواز العامل الوافد مدة بقائه في المملكة. ولكن تحاشياً لاستخدام مسمى (الكفالة)، إرضاء لمن يشعر بحساسية أو امتعاض من مسماها، أقترح كبديل استخدام مسمى (عقد العمل)، بحيث يستخدم هذا المسمى في جميع المداولات والأوراق ودمغات التأشيرة، وذلك بالطريقة المناسبة التي تراها الجهات المعنية، على أن يبقى الطرف الأول في عقد العمل، وهو في هذه الحالة صاحب العمل، الذي قام باستقدام العامل، متعاوناً مع السلطات الأمنية لو احتاجت للعامل.
أي أن يظل للعامل المستقدم الحق في الاستمرار في عمله لدى صاحب العمل الذي استقدمه من بلاده يجد عقده ما شاء الطرفان. أما من يرغب منهما إنهاء العلاقة، ففي هذه الحالة يعود العامل إلى بلاده على حساب صاحب العمل كما هو متبع، شريطة حصوله على كافة أجوره وتعويضاته التي يكفلها عقد العمل، ويسندها نظام العمل السعودي القائم ولوائح العمل بالشركة أو المؤسسة التي يعمل بها العامل، وألا تمنع الفرصة عنه ليعود مرة أخرى بتأشيرة عمل جديدة.
ومن شعر بأن صاحب العمل يظلمه في حقوقه، أو يسيء له ويستغله، وأنه غير متجاوب مع مظلمته فبإمكانه التقدم بشكواه إلى أقرب مكتب عمل من تلكم المنتشرة في مدن المملكة، أو أي جهة قضائية أخرى لإنصافه، حيث تكفل له أنظمة العمل في المملكة هذا الحق.
والجدير ذكره أن وزارة العمل نجحت في تعميم لوائح العمل ولوائح الجزاءات والمكافآت في كل مؤسسة داخل البلاد بها العدد المغطى من قوة العمل. والهدف منها أن يكون جميع العمال بالمؤسسة مطلعين عليها وعلى دراية بما لهم وما عليهم من حقوق وواجبات.
ثانياً: لقفل باب كل محاولات التحايل والابتزاز حول نقل خدمات العمال سواء من قبل أصحاب عمل أو من قبل عمال وافدين أقترح حظر نقل (نقل خدمات العمال) بتاتاً لكائن وافد من كان، فمن انتهت علاقته مع العامل الوافد يعاد إلى بلاده بعد تسليمه كامل حقوقه من أجور وتعويضات، مع فرصته العودة لصاحب عمل آخر بتأشيرة جديدة حسب حاجة البلاد.
إذ أرى في هذا الإجراء أنه سيتيح فرص عمل جديدة للمواطنين المنتظرين لدورهم في سوق العامل بمجرد شغورها جراء عودة العامل الوافد.
يجب أن نعترف بأن بعض شباب الوطن يعانون من البطالة ومن منافسة العمالة الوافدة لهم، تارة في الوظيفة وأخرى في الأجر.. حتى إنهم في الآونة الأخيرة باتوا يدخلون سوق العمل بالمئات شهرياً طامحين إحلالهم محل العمالة المغادرة، لأن تنقل الخدمات بين العمالة الوافدة، وما يجريه حولها طالب العامل الوافد من الداخل، من محاولات بذل كل وسيلة إقناعية لمكتب العمل يبرر بها حاجته للعامل قد تحرم الكثيرين من شباب الوطن من هذه الفرص.
ثالثاً: أقترح أن يبقى (عقد العمل) من حيث انسحابه على العامل في إطار دائرتها الحقوقية فقط، وليس أن يصبح (عقد العمل) مقيدا لشئونه وتحركاته في البلاد، تنسحب على كل أمر يخص حياة العامل الشخصية.
أي أن يبقى عقد العامل لإثبات علاقة العمل بالوظيفة وحقوقه فيها فقط، وهكذا ما عدا أن يكون لدواع أمنية أرى أن تمتنع جميع المصالح الحكومية ومؤسساتها من ربط مصالح العامل الوافد وما يتعلق بأموره الشخصية المدنية بموافقة صاحب العمل وأن يتم تفعيل قرار الحكومة الذي صدر بإزالة كل عائق، وأن تسمح له شخصياً بمراجعة الدوائر الرسمية في كل شأن خاص به أو بأفراد أسرته. أي بمعنى آخر إزالة كل عقبات تربط العامل بموافقة صاحب العمل في أي شأن من شؤونه المدنية ما عدا في حالات السفر.
في تقديري أن إزالة هذه العقبات ستساعد على تقليل الشكاوى وتوقف معظم جوانب النقد الدولي لها والتظلم منها.
رابعاً: أقترح مدة فترة إقامة العمل بناءً على عقد العمل، ما دام الطرفان يرغبان في ذلك، إذ إن في ذلك تخفيف أعباء عمل على الدوائر الحكومية المعنية مثل مكاتب الجوازات ومكاتب العمل وسواها. كما أن فيه راحة لكل من صاحب العمل والعامل، أي كلا الطرفين.
أقول هذا والله ولي التوفيق.
وكيل وزارة العمل سابقاً، وعضو مجلس الشورى سابقاً