الاستثمار الأبقى , بوركت يا الجوهرة د. خيرية بنت إبراهيم السقاف
هنا في المنامة، اليوم، تحديداً في جامعة الخليج العربي، الحفل الرسمي لافتتاح مركز الأميرة الجوهرة الإبراهيم للطب الجزيئي وأمراض المورثات،.. وجامعة الخليج بهذا الاحتفاء لا تقف عند حدود حضور مراسم رسمية لافتتاح مبنى أو الشهادة على تأسيس موقع وقيامه في وجه الشمس، بل هي بعد سنوات من بدء العمل وإجراء البحوث وإدراج العناصر البشرية في معمعة البحث والدرس، وتطبيق النتائج على المرضى وبذل التوعية واستقبال الحالات ومواجهة مشكلات المورثات، إنما هي لتقول لهذه السيدة بعيدة النظر، واسعة اليمين: لقد بصمت في سجل التأريخ أنّ الاستثمار الفعلي ليس في حفر الأرض أو تعلية البناء، وإنما في السباحة في العروق واستكناه ذرات الدماء، وفي تقليب مراجل المعامل، واستخراج مقدرات العقول البشرية، وفي بسط الجزئيات تحت مجاهر البحث وتقصي القطرة، في الغوص في سراديب السجلات التاريخية لمعامل الدماء في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات، في استدعاء سحيق المخبوء لسطح المكشوف نشداناً وراء تنقية هذه الدماء من شوائبها ووضع الدواء للداء فوق كفوف المنتجين من العلماء والمستفيدين من المرضى، لتغفو عيون أمهات رمدها السهد, وكذلك تركن للراحة ظهور آباء وتَّرها الركض وأعياها اللهاث،...
جامعة الخليج في هذه الاحتفالية تقول: إنّ الحضور شهداء على عطاء تم في هدوء وصمت، منذ أول دفقة من معين الجوهرة حتى استوفي المركز واحداً من مصادر مرجعية في الاكتشاف وبراءة المنجز في مجال اختصاصه، بل لم يقف العمل فيه على التعليم والبحث والتدريب والعلاج، بل على أخذ البشرية إلى المستكشف المستنتج، وإلى المنافذ التي تشرع عند الوصول إلى جديد يبهر المختصين، وما كان لهذا المركز أن يتمكن من تحقيق أهدافه وتطوير أداءاته، والعزم نحو مزيد مفيد لولا البذل المادي المخلص الذي ضخته صاحبة المبادرة من أجل الإنسان فالأوطان، هنا، في المنامة اليوم نحن شهود على أنّ جامعة الخليج تحتفي بالمنجز النسائي على محاور تنصب جميعها في هذا المنجز العلمي الفريد والركيزة الأساس، أولها بلوغ هذا المكان مجمل أهدافه من بنائه وإقامته، ووصول نتائجه إلى نهايات حتماً هي في مصب منجزات البشرية التي تبدأ من هنا وتنتهي لكل بقاع يعمرها الإنسان، وحين تكون المنجزات شاملة يكون التأريخ سجلاً لها، وديمومة لآثارها، وهنا الجامعة اليوم تتحجب للنساء فلا وجه غير وجوههن ولا صوت غير أصواتهن، ولله درّه هذا النجاح لا يقوم إلاّ على ثبات، ثبات قيمة وثبات مبدأ وثبات عزم..,
إنني شهدت قبلا احتفالية وضع حجر الأساس لهذا المركز الصرح العلمي الفاخر بأهدافه وتطبيقاته وبحوثه وقاعات درسه وهدير صوت العلم فيه، واليوم أشهد أنه في تمامه موقعاً ومكاناً إنما هو بصمة حق لعطاء وعي، وطموح خير، ويقين إيمان بأنّ هذا هو المصب الذي حين يكون مدار الثمر فإنه لن يبخل بالمثوبة، والمثوبة هنا: نتائج ذات فائدة للبشرية، ونتائج ذات إيثار بوارف نعيم لا ينفد عند الله، سبحانه من لا تضيع عنده ذرّة خير..
وإنني سأشهد بأنّ ثلاث عشرة عالمة عربية من بينهن خمس سعوديات، لهو من المنجزات لهذا المشروع الذي حفز فيهن قدرات البحث، ونبض العزم، وحين يكون ميدان التنافس مآل الإنجاز يتحقق للمشاريع الفريدة مبتكرات العقول..
سدّد الله خطاهن، وحقق للعلم غاياته في سعادة البشرية، وزاد سعادة العاملات بدأب، وهي فرصة لإزجاء التحية بدءاً برائدة المنجزات المثمرة سمو الأميرة الجوهرة الإبراهيم، وللأميرة حرم جلالة ملك البحرين اهتمامها بمنجزات العلم هنا، وللصديقة القديرة معالي الدكتورة رفيعة غباش مديرة الجامعة التي لم تكل سعياً وإشرافاً حتى تم للمركز وجهه الناصع، وللعاملات والعاملين فيه من العلماء الأطباء والباحثين، ولمعالي وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري حيث هو وراء المشاريع الكبيرة خير معين لتنفيذها، وصولاً لمن نتطلّع منهم المزيد للمركز النظير الذي تم افتتاحه في وحدة الأمراض الوراثية بكلية طب جامعة الملك عبد العزيز وقامت بدعمه مادياً ليقوم صرحاً نظيراً مماثلاً داخل الوطن الأميرة الجوهرة الإبراهيم.