لم يدرك عدد كبير من الطلاب كيف يمكن أن تفسر سلوكيات وأفعال الخارجين على الدولة وعلى المجتمع والشرع باسم الجهاد أو المقاومة أو مناهضة ولاة الأمر وعصيانهم، فما يحدث على سبيل المثال في دولة اليمن الشقيقة من أعمال عنف ودمار، ومن محاولات لتهديد الأمن والاستقرار، بل ودعم تنظيم القاعدة للانفصال في اليمن، وأيضاً أحداث الحرب شبه المدنية في الباكستان بين قوات الحكومة الباكستانية وحركة طالبان، كانت محوراً مهماً من محاور النقاش الموضوعي مع ثلة من الطلاب الذين كانت الحيرة تبدو واضحة على وجوههم بعد أن تلقوا زخماً هائلاً من المعلومات المتضاربة عن هذه الأحداث مصادرها وتطوراتها من وسائل الإعلام الأجنبية.
وكانت الأسئلة الحائرة التي تعلو وجوه الطلاب وتتوق إلى إجابات شافية هي: لماذا يخرج مثل تنظيم القاعدة وغيرهم من المتطرفين عن طاعة ولاة الأمر؟ لماذا يهددون دولهم ومجتمعاتهم بالعنف؟ لماذا باسم الدين وببعض من المبررات الواهية يفعلون ما يفعلون من أفعال مخجلة ومشينة، ومن عمليات دموية وسعي دائب لنشر الفتنة والخوف والإرهاب في ربوع أوطانهم؟ لماذا يقدمون على إهدار الأموال الطائلة على شراء الأسلحة والمتفجرات لاستخدامها ضد المسلمين في أوطانهم؟
إن تساؤلات الطلاب تأتي في وضع سياسي وأمني وعقدي خطير وفي واقع إنساني مؤلم يجتاح المنطقة منذ أن شنّ تنظيم القاعدة صرعة بل وبدعة فتنة القرن الواحد والعشرين على المجتمعات الإسلامية حتى اليوم، وكان من الواضع أنهم في حاجة ماسة إلى مَن يجيب عن هذه الأسئلة بموضوعية وشفافية وصراحة بالغة.
تكمن المشكلة التي يواجهها الشباب في تضارب المعلومات الخارجية والداخلية وتداخلها بشكل يسهم في تعظيم حالة الغموض والالتباس التي يواجهونها؛ فالشباب في هذا العصر لا يواجهون وحسب زخماً حائلاً من المعلومات التي تضخها وسائل الإعلام المرئية (القنوات الفضائية)، وإنما يواجهون ويحتكون ببعض ممن نذروا أنفسهم ومواردهم لتعزيز جذور الفتن والصراع والخلاف والاقتتال في العالم الإسلامي.
من هنا فإن تحقيق الأمن الفكري لشباب الوطن، بل ولكل شباب المسلمين، من خلال توصيل المعلومات التاريخية الصحيحة وسرد الحقائق الدينية الدامغة عن تاريخ حركات العنف والإرهاب سواء من الخوارج الذي دأبوا الخروج على ولادة الأمر، أو العملاء المأجورين الذين تمت عمليات تجنيدهم في الخارج ومن ثم زرعوا في مجتمعاتهم لأسباب مختلفة لا تقل عن وأد مسيرة التنمية والتطوير في البلاد الإسلامية، ولا يمكن أن تخرج عن ترويع المواطنين الآمنين وزعزعة أمنهم واستقرارهم، ليس وحسب لإضعاف المجتمعات الإسلامية وإبقائها في حالة الجمود والتخلف، وإنما - وهو الأهم - لإهدار ثرواتها المادية وهدر قدراتها الطبيعية والإنسانية، والقضاء على مصادر دخلها وأرزاق مواطنيها.
لذا لا يمكن لاستراتيجية الأمن الفكري الوطني أن تتحقق بفاعلية في عقول الشباب، وبذا لا يمكن توطينها في وعيهم الوطني بالوسائل الإعلامية المرئية أو المسموعة أو المكتوبة فقط، فقلما يطلعون عليها، ونادراً ما ينصتون لها أو يشاهدونها أو يقرؤونها. وإنما لا بد من تطوير وتفعيل استراتيجية وطنية عامة وشاملة في جميع المدارس والجامعات بفتح حوارات مباشرة لا صفية شفافة وصريحة بين الأساتذة والطلاب حول كافة القضايا الخطيرة التي تواجه الوطن والمواطنين خصوصاً ظاهرة العنف والإرهاب والتطرف، يكون ديدنها منطق الصراحة وواقع الوضوح، والحرص الشديد على تزويد الطلاب والطالبات بالمعلومات الصحيحة والحقائق الدامغة والأدلة البيّنة حول خلفية ومرجعية وتاريخ وأهداف وغايات جماعات الفتن والضلال التي بأفعالها المجرمة وسلوكياتها المشينة أرقت مضاجع المسلمين وأرهبتهم وأرعبتهم وأعاقت مسيرتهم التنموية.
الشباب في حاجة ماسة إلى آلية وطنية أمنية فكرية وثقافية لتوجههم وتثقفهم وتوعيتهم بكل ما يمثل أو يمكن أن يمثل خطورة عليهم وعلى أسرهم ومجتمعاتهم ودولهم التي قدمت كل شيء وضحت بكل شيء في سبيل تنمية وتطوير المجتمعات الإسلامية وخصوصاً رجال ونساء المستقبل.
drwahid@email.com