لم نزل نؤمن بالشرعية الدولية.. ولم نزل نظن أن الآخرين مثلنا يؤمنون بها أيضاً، أو أننا نجد في إيماننا المعلن هذا غطاء محتشماً لسر عجزنا وهواننا على الكبار من الناس.. بغض النظر عن حجمنا وحجمهم على مقاعد صياغة القرارات الدولية..
وبالتأكيد، دون اعتبار لمجريات الأمور على أرض واقعنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي. فقد مضت سنوات عجاف من الحرب على الإرهاب.. ومن المضحك المبكي أننا، حتى اليوم، لا نعرف ذاك الإرهاب الذي يحاربونه هم، ونحاربه نحن معهم.. غير أن المؤكد عندنا هو أننا خصومهم فهم يحاربوننا.. وأن من بيننا خصوم لنا فنحن نحارب نفراً منا.. وهكذا بدت ساحتنا كما أرادوها (فيها الخصام وهي الخصم والخطر) وبات من المؤكد أن الحروب وإن تعددت.. ف(نحن) أدواتها، وأرضها، وسماؤها.. ففي جُلِّ ما نقوله أو نفعله تهمة الإرهاب.. وفي كل ما يقولونه الحق المحض، وفي كل ما يفعلونه الخير للبشرية.. حتى لو أن ذلك الذي فعلوه هو إبادة أبنائنا وبناتنا في العراق وفي غزة، وفي غيرهما. فصيحات ثكالى عراق صدّام حسين.. مأساة بشرية.. أما نوح ثكالى الأباتشي وجيوش الليكود فهو (رقصٌ من فرحهنّ طربا).. وهكذا تجلّت صورة الأمن الوطني عندهم.. وفقدنا نحن بوصلة الاتجاه الصحيح.. وأسرف بعضنا في قذف ذاته في حياضهم.. حتى جُن منا العقلاء.. وهم يرون بوارج القوم وقواعدهم تحيط بنا.. والحجة الدامغة لا زالت كما كانت.. الأمن الوطني هناك.. قاتل الله ذلك الأمن الذي لن يكون إلا بإراعتنا.. ولن يتحقق إلا بوأد أبنائنا.. وقتل طموح شبابنا.. وإشغال شعوبنا بالعودة للتفكير في إعادة إعمار بنيتنا التحتية التي هدموها.. بحسابنا وعلى حسابنا.. فما الإرهاب الذي نحاربه؟ أهو فكرٌ دخيل على أمتنا؟ أم هو سلوك غريب على ثقافتنا وتعاليم ديننا؟ ثم.. من أين جاءنا؟ وكيف وطأ أرضنا؟ ومن يغذّيه ضدنا؟ ولمصلحة من تم اختراق بعضنا؟ سنوات عجاف مضت من حربنا على الإرهاب، وأظن أننا لا نزال لم نعرف بعد كيف تشكّل الإرهاب الذي نحاربه؟ وإلى متى سيبقى عندنا؟ والمعادلة الأدهى والأمر.. ما بال القوم لا يرون إلا إرهابنا؟ ما الإرهاب الذي يعنونه؟ فقد اختلطت المفاهيم عندنا؟ كيف يمكن، في ذات الوقت، أن يقوم أمنهم الوطني على قمع إرهاب بعضنا!! وحماية وتبجيل إرهاب بعضهم.. ما معيار الشرعية الدولية؟ وكيف تُتّخذ القرارات (الحيادية)؟ لقد بات جليا واضحا.. أن ما مضى من سنوات الحرب على الإرهاب لم تقطع دابره، ولن تفعل أبدا.. ما دام الأمن الوطني عندهم هو الأمن وكفى.
فالعقلية الدولية المعاصرة مطالبة اليوم بإعادة قراءة وتقويم الموقف.. ليس بالضرورة (لصالحنا)، فذلك أمر عسير عليهم.. وربما هو عسير أيضا على بعضنا.. ولكن لصالح المجتمع الإنساني كلّه.. وبالتأكيد لصالحهم هم في المقام الأول.. فهم ساسة (الشرعية الدولية!!) و(سادتها!!) ونحن نقبل أن يحسبوا مصالحهم.. ولكن بأدوات الحساب الصحيحة.. فكل أدوات السنوات الماضيات.. زادت من حدة العداء ضدهم.. وأفقدتهم كثيرا من مكاسب كانوا قد جنوها لأربعة قرون مضت.. والفصل بينهم وبين غيرهم سيكون حينها، فقط، العدل والإنصاف.
وهما قيمتان لطالما تغنّت بهما العقلية الغربية.. فمن ذا الذي أخذ الغرب على غرّة، وكذب عليه الكذبة الكبرى بأننا سنقبل الجور والكيل بمكيالين.. أيها الغرب المبجل.. أخشى أن يكون من بين أهلك وذويك من قبل الدسائس والمكائد لأهله، تماما كما استطعت أنت أن تثبت لنا أن من بيننا من فعل ذلك بنا. وهنا.. تساوينا.. فلعلك تدرك اليوم ما لم تدركه لسنوات عجاف مضت.. أنك ونحن شركاء.. وأنك ونحن قد نُستهدف من داخلنا.. والخروج من مأزق الاختراق هذا لن يكون إلا بوحدة المعايير.. وحيادية الآليات والأدوات.. وبالاحترام الحقيقي والكامل للشرعية الدولية.. ومن دون ذلك سيضيف العالم سنوات عجاف أخرى تتعطل فيها مصالحه.. وتُثخن فيه قوى الشر والظلم والطغيان.. وحينها لن نكون الخاسرين وحدنا.
alhumoodmail@yahoo.com