لكي لا يتحول حوار التسامح الإنساني إلى مجرد أحاديث مجانية، أو إلى ما يُعرف بحوار الطرشان، أو مشاهدات العميان، فقبل أن نعمد إلى أي حوار عميق مع من حولنا، يجدر بنا أن نحدد ماهية العلاقة، ولون المحبة التي نستظل أفياءها، وصلابة الأرض التي نقف عليها، بل من الضروري الإجابة عن أسئلة عقلية كثيرة، وغير قابلة للتأويل على نحو: من أين نبدأ التسامح؟! أمن آخر المشاكل؟ أم تراها اجتثاثاً للبدايات الأليمة، وهل التسامح الذي نتجاذبه الآن محكوم بشروط، أم له قواعد؟ وهل يشمل مناقشة الثوابت لدى الأطراف المختلفة؟
أسئلة من المهم أن نتأملها جيداً في ظل هذه المطالب العالمية بالتسامح؛ فالكل يتباكى على أمر التسامح، ويتباهى بأن لديه قدرة على التسامح من أجل الإنسانية التي باتت تمزقها إرهاصات المادة، وسطوة الشره، وثقافة الماديات.
وكأننا في حوار التسامح هذا في حادث سير، نتعامل معه على طريقتنا التقليدية؛ لنتجادل في أمر مَن المخطئ؟ وكم نسبة الخطأ؟ أو تعويذة: (تسامحوا الله يهديكم، وإلا المرور والحجز وغرفة التوقيف في انتظاركم) ولاسيما حينما لا يكون الطرفان متصدقين دائمين على شركات التأمين التي لا تظهر إلا عند أبواب الإدارات الحكومية ولاسيما المرور والجوازات أو (كل واحد يصلح سيارته، والعوض على الله يا الأخ).
الكثير من المنظرين يشيرون إلى أن تسامح العالم يجب ألا يكون على هذا النحو من التسطيح، والمجانية عند الغرب الذي يريد دائما للطرف الآخر أن يتنازل عن كل شيء.. حتى عن الثوابت، ففي هذا الجو من التعالي والفوقية حتماً ستلتغي فكرة الوصول إلى حل. فمن الذي سيتنازل عن زعم ما من مزاعمه فضلاً عن أن تكون ثوابت ووقائع يشعر بأنه من المستحيل المساس بها؟
بمعنى قريب أن كل هذه الحوارات والمنتديات والنداءات والخطابات التي تشير من بعيد أو قريب إلى أمر المهرجانات المقالية عن محاسن الحوار الإنساني الذي لم يتبلور حتى الآن هو من قبيل الحديث الاستهلاكي، والرؤى المجانية.
من يسامح من؟! أهو المعتدي على الشعوب باسم الحرية ومناصرة العدل والحضارة، وبث القيم التي يزعم أنها سامية وإنسانية خالصة حتى تكشفت فيما بعد أنها مجرد ادعاء، وأحاديث مجانية لا نفع منها أبداً؟
أدعياء التسامح لن تعوزهم الفرص للبحث عن أي مناسبة يرممون فيها العلاقة الواهية بمروجي مبدأ التسامح؛ فحوار التائهين الحالمين هو أقل ما يمكن أن نصف فيه مثل هذه المشاريع الفضفاضة والبراقة.. تلك التي لا تقبل المزيد من الحديث أو الثرثرة المجانية حول أمر لا يمكن أن يكون فيه الحوار مفيداً ما لم تحل القضايا المهمة والأساسية في كل مجتمع.. تلك التي تتمثل في تنامي الفقر، وتهالك التعليم، وضعف الصحة، فبعد أن يتحقق النجاح والتميز في هذه الأمور ثق أن التفكير في أمر الحوار والتسامح مشروع ولا بأس فيه.
Hrbda2000@hotmail.com