تقود عربتَك في لحظة من ليل أو نهار تمْخُر بها عبابَ الزحام الكثيف في أحد شوارع مدينة الرياض المصابةِ بلوثة الزحام، ومن خلال ذلك تتاحُ لك الفرصةُ لتكوين حُزمةٍ من التأملات، منها ما قد يُشْجيك فَرحاً، ومنها ما قد لا تستطيبُه نفسك ترحاً، ومنها ما قد يثيرُ فيها وساوسَ من العجب المعجُون بالغيْظ، حتى لتكاد من فرط ذلك أن تغادرَ عربتَك وتعودَ إلى منزلك راجلاً!
**
* ومن بين المنغّصات المرورية ما ترويه (اللوحات) التالية:
1) تِسعُ من كل عشر سيارات تقريباً عن يمينك وعن شمالك وأمامك وخلفك لا يوجد بها سوى راكب واحد، هو سائقُها.. وهذا رافد رئيسي من روافد الزحام، وفي دولة متطورة مثل أمريكا، (تُكافَأ) العرباتُ التي تحمل اثنين فأكثر بالسير في مسار خاص لا ينافسها فيه منافسُ من عربات (الراكب الواحد)!
2) يُقبلُ أحدُ (النشاما) متسللاً عن يمنيك أو شمالك أو من خلفك، وكأنه يوشك أن يلتهمك وعربتك معاً، وفجأةً وبلا سابق إنذار يقرر (التحليق) بسيارته مروراً بك إلى الاتجاه الآخر، يساراً أو يميناً، ليتجاوزك بما يشبه المعجزة، وأنت (تحوقل) وتدعو لنفسك وله بالسلامة، وحركةُ (بهلوانية) كهذه لابد أن يترتب عليها نتائج، أخطرُها أن (تُلامسَ) عربتك احتكاكاً بها لا تؤمن له عواقب، وأهونها أن يسبِّب لك حالاً من الهلع النفسي وأنت تدعو في سرّك (رب استر استر)، ناهيك عما قد يسبِّبه من أرقٍ يتمثل في عرقلة حراك السيارات الأخرى.
**
* ولو قدِّر لك أن تُنكِر على سائق هذه العربة ما فعله، إمَّا بكلمة (احتجاج) هو أقرب إلى العَتَب مما سواه، أو بإشارة من يد أو بتشغيل المنبه، فقد يكون (ردُّ) المخالف واحداً من عدة نماذج، أخفُّها أمرُّها، بدءاً باللعن، مروراً بالتلكؤ في السير أمامك ليتلف ما بقي لك من أعصاب، وانتهاءً بملاحقتك بعربته لحاجة في نفسه، ثم لا تجد بُداً من أن تكتفي من الغنيمة بالإياب فِراراً بنفسك ومن معك وإيثاراً لكرامة النفس!
**
* أما إنْ وقَع المحظُور، وتعرضت لحادث مروري بسبب هذا المخلوق، حتى وإنْ كان يسيراً وسط الزحام، فقلْ على صبرك وحلمك وأعصابك السلام، وأنت تنتظر وصول عربة المرور للتحقيق في الحادث وتحديد نسبة الخطأ في كل اتجاه!
**
* هنا أسوقُ اقتراحاً لإدارات المرور: وهو الاستعانة بدراجات المرور النارية المزودة بالتقنيات المعلوماتية اللازمة، التي بوسعها الوصول إلى مكان الحادث بسرعةٍ ويسر، مخترقة الصفوف الطويلة من السيارات، لتسهم في تخفيف المعاناة القاسية التي تعاني منها أطراف الحادث، إضافة إلى أصحاب السيارات التي تنتظر الفرج بقدوم مسئول المرور لفض الإشكال فنياً ونظامياً.
**
وبعد:
* هناك حاجة ملحة جداً لتأسيس ثقافة مرورية عادلة ومجدية تأخذ بعين الاعتبار عدداً من المسلمات، من بينها ما يلي: أن المواعظ المنبرية والإرشادية وحدها لا تكفي، وأن الردع المادي والحسي وحده لا يكفي، وأن الوعي، وإن وجد، وحده لا يكفي، ما دام أن هناك من لا يسمعُ ولا يصدع بأمرٍ أو نهيٍ أو نصيحةٍ، وما دام أن هناك مخالفاً يتشبثُ بالأمل في (وساطة) من ذي جاه أو (كرت) من ذي شفاعة تُخْرجه من براثنِ التحقيق والعقاب!
**
* الحل إذاً، يكْمُنُ في وجُود (وصْفَة) رادعة تحدُ من فوضى السلوك المروري، تجمع بين فضيلة الوعي وسطوة الردع، و (مناعة) العقاب من (دودة) الواسطة، إلى جانب تعاون الآباء والأمهات وكل ذي ولاية على كل ذي شطط!