في عام 1402هـ بدأت الرحلة مع هذا الكتاب، وشاء الله أن تتم قراءته مرات متعددة، لأنه أصبح مقرراً دراسياً لعدد من السنين.
ومؤلف الكتاب محمد بن عبدالقادر صالح الخطيب المشهور ب(محب الدين) ولد سنة 1303ه وبدأ تعليمه في دمشق ثم في الآستانة.. وقد بدأ مبكراً في العطاء العلمي والأدبي، فقد كان من رواد الصحافة في البلاد العربية. علاوة على عمله في الترجمة عن اللغة التركية، والتدريس في صنعاء وغيرها. وتنقل بين دمشق والقاهرة والبصرة والاستانة ومكة وكان من أبرز المجلات والصحف التي عمل بها:
1 - جريدة القبلة في مكة عام 1916م.
2 - جريدة العاصمة في دمشق عام 1918م.
3 - الأهرام في القاهرة بعد عام 1918م.
4 - أصدر مجلتيه (الزهراء) و (الفتح) في القاهرة.
5 - تولى تحرير مجلة الأزهر.
6 - أنشأ المطبعة السلفية ومكتبتها في القاهرة.
والخطيب بذلك يعد أستاذاً في الإعلام (المكتوب) ورائداً فيه، وقد ألف عدداً من الكتب وطبعت ونشرت في حياته؛ منها: (اتجاه الموجات البشرية في جزيرة العرب، وتاريخ مدينة الزهراء بالأندلس، وذكرى موقعة حطين، والأزهر ماضيه وحاضره والحاجة إلى إصلاحه..) وقد أنشأم مكتبة زاخرة تعد من أندر المكتبات في زمانه ضمت تلك المكتبة نحو عشرين ألف مجلد مطبوع تغلب فيها النوادر.. توفي رحمه الله في 1389هـ.
أما كتابه فهو مقالات أدبية رصينة نشر بعضها في الفتح أو غيرها وقد أبدع في اختيارها، فتلك المقالات ترسم صورة لفكر وأسلوب وعاطفة وثقافة الكاتب.. فهي حديث من القلب، وفيض من الفؤاد يقدمها بأسلوب سهل واضح، يندر فيها ورود الألفاظ التي يحتاج تفسيرها للمعجم أو يلفها الشك والخلاف، وموضوعها واحد، لأنها حديث عن الجيل الأول والرواد السابقين والأئمة الذين صنعوا التاريخ وسجلوا مفاخره.
يقول الخطيب في موضوع بعنوان (وقفة عن ذكرى بدر): (يا شباب الجيل لقد جاء الله بالإسلام ليجعل من أهله خلفاءه في الأرض ما عملوا به. وقد نسي المسلمون ربهم عصوراً فنسيهم الله. وإن الإنسانية أحوج ما تكون في هذه الأيام إلى الإسلام، وسبيلها إلى معرفته أن تراه مكتوباً في أخلاق أهله لا في مؤلفاتهم وفي تصرفاتهم لا في مقالاتهم، ولا يكون ذلك إلا إذا أدرك شباب الجيل من بني الإسلام أن الله أعدهم للخلافة على الأرض بالرجوع إليه.. وبامتلاكهم زمام القوة في جميع أسباب القوة من علم وصناعة وزراعة وتجارة مع التحلي بأخلاق الإسلام وفضائله حتى تمازج أرواحهم وحتى يتعاملوا بها مع كل من يتعامل معهم.
وفي مقال بعنوان: (جوار العروبة وذمة الإسلام) يقول الخطيب: (يقرأ الناس وقائع التاريخ العربي وسنن الرسالة الإسلامية قراءة سبقتها صورة تقليدية للعروبة والإسلام نقشت في أذهانهم فهي تمنعهم من الانتباه لجواهر ثمينة في السجايا العربية وكنوز عظيمة في التشريع الإسلامي وما لم نتحرر من تلك الصورة البالية التي شوهنا بها أعظم تاريخ وأثمن تشريع فلن نحدد بعثهما، ولننتفع من تراثهما).
وفي مقال بديع بعنوان (سجايا العرب في التراث الإسلامي) يقول الخطيب: (إنما كانت الفضائل فضائل بالعمل بها لا بالعلم بها، وماذا يفيد العلم بأن الصدق خير إذا لم يعمل به، وماذا يفيد التحدث عن فضيلة الايثار وامتداحها والحض عليها من أعلى المنابر وأفخمها إذا لم تكن هذه الفضيلة مما يتبارى فيه مادحها والممدوحة له؟! وأقدر أمم الأرض على العمل بالفضائل الأمة التي تعمل بها عن سجية متوارثة لا عن تكلف وتظاهر وتقليد، وقديماً كانت العرب تقول:
ومن يبتدع خلقاً سوى خلق نفسه
يدعه وترجعه إليه الرواجع
لقد أحسن الخطيب في انتقاء موضوعات كتابه وعرضها وهي في مجموعها تذكير بمجد واستنهاض لهمم ودعوة لقراءة التاريخ الإسلامي قراءة معتبر تشدُّه المكارم، وتأسره الفضائل وتشجيه الذكريات الجميلة الرائعة فيفخر بالمكارم ويعتز بالانتصارات.. وينفي عن تاريخه شبه الأعداء ومكائد المنافقين ومفتريات المفرِطين والمفرِّطين.
ولا يخلو هذا الكتاب كأي كتاب آخر من مآخذ قد لا نوافق الكاتب عليها، ومن أهمها الإشارة إلى الاحتفال بالمولد النبوي في أحد موضوعات الكتاب دون التعليق على ذلك!!.
ومن أجمل وأبدع موضوعات الكتاب:
1 - لص أديب بليغ.
2 - الأحنف بن قيس.
3 - كيف كانوا يقدمون الرجال.
4 - هات حبالك.
5 - سعيد بن المسيب.
طبع هذا الكتاب طبعات كثيرة، كان منها الطبعة التاسعة عام 1402هـ.
عبدالعزيز صالح العسكر
عضو الجمعية العلمية السعودية للغة العربية
ص.ب 190 الدلم 11992