تفنّن علماؤنا -رحمهم الله- في التصنيف وأبدعوا أيّما إبداع، وأتوا بالغريب والعجيب كل ذلك سليقة ومن غير تكلف، وكما أبدعوا في التصنيف فقد أغربوا في اختيار الأسماء لتلك المصنفات مسجوعة كانت أو غير مسجوعة.
ولست أعني بالغرابة هنا معناها البعيد، وإنما المقصود أنهم وضعوا أسماءً لتلك المصنفات فيها شيء من الطرافة. وممن ضرب بسهم وافر في ذلك ابن طولون الدمشقي (ت 953هـ) رحمه الله.
ونظرة سريعة منك أيّها القارئ العزيز في كتابه الموسوم ب (الفلك المشحون في أحوال محمد بن طولون) يتبين لك حقيقة ما أقول.
وأذكر -هنا- بعض هذه المصنفات كما جاءت في الكتاب المذكور لتكون دليلاً بين يدي مقالي عن واحد من مؤلفاته التي صدرت مؤخراً.
1- الأنموذج فيما ورد في الفالوذج.
2- ارتقاء الدرج بترك التحديث عمن دب ودرج.
3- الأخبار المطلوبة في كراهة إطالة وقوف الدابة مركوبة.
4- تنوير الغلس فيما ورد في العدس.
5- التزميك لأخبار الديك.
6- عرجون الهلال فيما ورد في السروال.
7- لقش الحنك فيما ورد في السمك.
8- النجوم الزاهرات في الرواية عن الوحوش والطيور والبهائم والحشرات.
9- هضم الطبيخ بما ورد في البطيخ.
10- مستند الانتهاء عن أن يأكل المرء كلما اشتهى.
وهكذا في سلسلة طويلة تحمل عناوين مسجوعة وطريفة.
ومن كتب ابن طولون التي صدرت مؤخراً كتاب (المسائل الملقيات في علم النحو) وهي مسائل مشهورة عند النحويين، حيث وضعوا لكل مسألة لقباً خاصاً بها، وهذه المسائل منثورة ومنشورة في المطولات من كتب النحو، فجاء ابن طولون ولمّ شتاتها في كتاب مفرد.
ومن باب الفائدة فإن هناك مسائل ملقبة في علم الفرائض ك(الأكدرية) و(اليمّية) وغيرهما، وفي الفقه كالسريجية وغيرها.
أما كتاب ابن طولون الدمشقي فإنه ذكر فيه تسع مسائل، وبيانها على النحو التالي:
1- المسألة الصَدْرية، وهي: أن الكتّاب يقولون في صدر كتبهم: بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على محمد وآله، أي بدون عطف الصلاة على البسملة.
2- المسألة المِسْكية، وهي (ليس الطيب إلا المسك) بالرفع. والقياس نصب (المسك) لأنه خبر ليس.
3- المسألة التَّيمِية، نسبة إلى من سئل عن تخريجها - نحوياً- وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والسؤال عن حرف (لو).
4- المسألة البُسْرية، وهي قولهم: هذا بسراً أطيب منه رطباً. وقد أفردها السيوطي برسالة.
5- المسألة الضّبّية، وهي قول الإمام النووي رحمه الله في (منهج الطالبين): (وما ضبب بذهبٍ أو فضةٍ ضبةً كبيرةً لزينةٍ حرم)، والإشكال في وجه نصب (ضبة).
6- مسألة الكُحْل، مأخوذة من قولهم: (مارأيت أحداً أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد)، وهذه المسألة من المسائل التي شجر الخلاف فيها بين النحاة، وصنف فيها عدد من العلماء كابن الحنبلي والنكساري والجاربردي وابن الصائغ.
7- المسألة الأَنْبارية، وهي ما ألقاها أبو بكر الأنباري فقال: تقول: ما أحسن عبدالله، رفعاً ونصباً وجراً.
8- المسألة البَهَائية، وهي ما سأل الإمام بهاء الدين أحمد بن تقي الدين السبكي والده، فأجابه، وسمى جوابه: (نيل العلا في العطف ب(لا)).
9- مسألة فصل الخطاب، وهي (أما بعد).
قلت: وفيها مصنفات مفردة تبلغ العشرة، وهي مقيدة عندي.
تلكم هي المسائل الملقبات في علم النحو التي تناولها ابن طولون بالتفصيل والبيان.
* ولم يذكر (المسألة الزنبورية) على شهرتها في كتب النحاة.
وهذه المسألة مأخذوة من كلمة الزنبور في قولهم (كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي، أو فإذا هو إياها).
وقد وقعت المناظرة في هذه المسألة بين سيبويه والكسائي وأصحابه في دار الرشيد، وقيل بحضرة يحيى البرمكي، وكانت سبباً في وفاة سيبوية على ما قيل!!.
وقد أفردت المسألة بالتصنيف نظماً ونثراً، وممن ذكرها نظماً: حازم القرطاجني في منظومته (وشرحها لبنوينس الزاكي)، وأبي حيان الأندلسي في قصيدته الدالية التي مدح فيها أبا عبدالله الأحمر صاحب غرناطة، ومدح فيها أئمة النحو، وأشياخه، وبين فيها فضل علم النحو، وفيها أشار إلى هذه المسألة (الإحاطة لابن الخطيب 3- 50).
كما ذكرها نظماً السلطات عبدالحفيظ (ت 1356هـ) سلطان المغرب في نظمه (السبك العجيب في نظم مغني اللبيب) (1-199- 210 مع حاشية الدسوقي) وأفردها بالتصنيف أبو الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى المعروف بالأعلم الشنتمري (ت 476هـ) بعنوان: رسالة القضاء بين سيبويه والكسائي أو الفراء في المسألة الزنبورية المقرونة بالشهادة الزورية، وهي مطبوعة.
وذكرها -أيضاً- الزجاجي في مجالسه (ص - 8-10)، وابن الأنباري في الإنصاف (2-702)، والشجري في أماليه (1- 348 -350) وانظر هوامش محققه، والسبكي في طبقات الشافعية الكبرى (9-296).
أما في العصر الحديث فقد وقفت على بحث، أحسبه من أجمع ما كتب في المسألة، والذي هو بعنوان:
تحقيق الغاية بدراسة المسألة الزنبورية رواية ودراية، للدكتور - يوسف بن خلف العيساوي.
وختاماً أرجو ألا أكون قد أثقلت على القارئ الكريم، وإنما المقصود الفائدة.. والله الموفق.
راشد بن عامر الغفيلي
أمين مكتبة المعهد اللعمي في محافظة الرس