يقولون إن مدرساً للإنشاء طلب من الطلاب أن يقدّموا تعبيرهم ارتجالاً عن أسرة فقيرة فقام طالب من أسرة غنية ليعبِّر عن معاناة هذه الأسرة، فقال هذا الطالب: هناك أسرة فقيرة، كلهم فقراء حتى إن سائقهم فقير، وبوابهم فقير، وكذا طباخهم مثلهم في الفقر، ومنسق الزهور الذي عندهم هو الآخر فقير، كذا تحدث هذا الطالب الغني عن أسرة فقيرة، وهو يظن أن كل أسرة في المجتمع لديها سائق وطباخ وبواب ومنسق للزهور في منزلهم!!
ألا ترون أن وضع هذا الطالب ينطبق على كثير ممن يتحدثون عن باحثينا ومثقفينا ويتهمونهم بالتقصير في التفاعل مع قضايا المجتمع بشكل مضاعف عن طاقتهم، أو يقولون إن نتاجهم العلمي والثقافي قليل مع أن كثيراً من الباحثين لهم ظروف خاصة أو أنهم يدخلون في ظروف عامة تمنعهم من مواصلة نشاطهم البحثي بشكل يرضي تطلعات المجتمع.
يقول لي أحد الزملاء الذي لديه أكثر من كتاب تدور حول التوثيق إنه ألَّف كتاباً يضم وثائق متنوِّعة لبلده والمجتمع الذي يعيش فيه، وطبع منه (خمسة آلاف) نسخة، ظناً منه أنه سيجد الدعم ممن حوله ليعمل على طباعة كتبه الأخرى، يقول هذا الزميل إن النسبة الكبرى من نسخ الكتاب ما زالت حبيسة المستودع أو ذهبت هدايا للأصدقاء أما الدعم من المقربين (والكتاب عنهم وعن أسرهم) فضلاً عن الأجهزة الحكومية ذات الاختصاص فقد ذهب أدراج الرياح، وبقي هذا المؤلف موزعاً لكتابه بين المكتبات مكتبة تأخذ خمس نسخ والأخرى عشر نسخ، والدفع عن طريق الآجل، والتصفية تكون بعد عدة أشهر، ولك أن تتخيل مؤلفاً يذهب إلى المكتبات ليسأل عن مستحقاته عن بيع خمس نسخ أو عشر من هذا الكتاب، ليتحول المؤلف من باحث ومهتم إلى محصّل لمبالغ زهيدة قد تأتي وقد لا تأتي.
معاناة المؤلفين كثيرة وكبيرة، تستحق أن تكون محل اهتمام وعناية الجهات ذات الاختصاص حتى تستمر عملية النشر والتأليف في وطننا بصورة مرضية.
Tyty88@gawab.com