في شهر مايو الجاري سوف أكون أول رئيس برازيلي يسجل زيارة رسمية للمملكة العربية السعودية، وتحضرني هنا زيارة ولي العهد السعودي للبرازيل في عام 2002م، وزيارات كبار المسؤولين في البلدين، التي توالت منذ ذلك التاريخ وأدت إلى توطيد العلاقات بين الطرفين.
وتفخر البرازيل بجذورها التاريخية العربية وإرثها الحضاري العربي، حيث توالت عليها موجات من الهجرات من منطقة الشرق الأوسط، من الذين قدموا إليها باحثين عن آفاق جديدة وحياة أفضل، وبمرور السنوات أسهم هؤلاء المهاجرون في صياغة الحاضر البرازيلي وتركيبتها البشرية المتنوعة، وأصبحت القيم والتقاليد العربية جزءاً لا يتجزأ من القيم البرازيلية.
وتهدف زيارتي إلى المملكة العربية السعودية إلى استكشاف وتقوية الروابط ذات التشعبات المتداخلة بين البلدين، وفرص التعاون التي تتيحها. وقد حققنا الكثير في السنوات القليلة الماضية، لكن تبقى الكثير أيضاً مما يجب إنجازه إذا كنا نطمح إلى الاستفادة من إمكانات البلدين ومن اقتصادهما الذي وضع بصماته على الصعيد العالمي.
وقد عبرت الروابط التجارية بين بلدينا عن الطبيعة الديناميكية لتطورها في السنوات القليلة الماضية، حيث أصبحت المملكة العربية السعودية أكبر شريك تجاري للبرازيل في منطقة الشرق الأوسط. ومنذ أن توليت السلطة في البرازيل في عام 2003م بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أربعة أضعاف ما كانت عليه في ذلك التاريخ، مرتفعاً من 1.2 بليون دولار إلى 5.5 بليون دولار. ورغم هذا فإن الجهد الحكومي وحده ليس كافياً لاستغلال الإمكانات الاقتصادية التي تتيحها العلاقة بين البلدين، وعلى القطاع الخاص في كل من البلدين أن يسعى لاستغلال هذه الإمكانات الهائلة التي تتراوح بين طيف واسع من المجالات مثل التعدين والطيران والمواد الغذائية والإنشاءات والمجال الهندسي.
وتغطي الاتفاقيات التي سوف يجيزها الطرفان أثناء زيارتي للمملكة هذا النطاق الواسع من العمل المشترك وآفاق التعاون التي أصبحت سمة للروابط المتطورة بين البلدين.
وترغب البرازيل في مشاركة المملكة العربية السعودية والاستفادة من موقعها الجغرافي الاستراتيجي ونفوذها بين دول مجلس التعاون الخليجي لتكون منطقة جذب إقليمي في مجال الخدمات المالية وخدمات المواصلات.
والبرازيل عازمة كذلك على دعم التنوع في المجال التجاري والاستثماري لتجنب الاعتماد على عدد قليل من الشركاء ونطاق ضيق من الصادرات، كما أن الدولتين متفقتان على أهمية التركيز على العلاقات الجنوبية الجنوبية، دعماً للاستمرار في الطريق المؤدي إلى التنمية المستدامة.
ولم تكن الآفاق الإستراتيجية التي تتيحها العلاقات بين بلدينا واضحة مثلما كانت أثناء اجتماعات قمة العشرين بلندن في أبريل الماضي، عندما اتفقت الدولتان على التعاون من أجل ضمان وصول المجتمع الدولي إلى حلول ناجعة للأزمة المالية العالمية. وتتمتع الدولتان بوضع يتيح لهما ممارسة دور فاعل في هذا المجال لوزنهما الكبير على المجال الدولي ومقاومتهما النسبية لتأثيرات هذه الأزمة.
وتأمل البرازيل في التعاون مع المملكة العربية السعودية من أجل إدخال الإصلاحات الضرورية على مؤسسات برايتون وودز والأمم المتحدة ومجلس الأمن.
ولكن إصلاح المؤسسات الدولية ليس كافياً إذا كنا نريد تشكيل نظام عالمي أكثر قدرة على مواجهة التحديات. فمن أجل التغلب على التحديات العالمية التي تواجهنا يجب علينا مواجهة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى الصراعات التي تدور حالياً، وبصفة خاصة تلك التي تمثل نوعاً من الصراع بين الحضارات المختلفة، وهذا ما يجعلنا نرحب بالدعوة إلى الحوار بين الأديان التي أطلقتها المملكة العربية السعودية. فهذه الدعوة تمثل إحدى الركائز الرئيسية التي يقوم عليها منتدى تحالف الحضارات التي تفخر البرازيل باستضافته في العام المقبل.
ويرتبط الملايين من البرازيليين الذين يعتنقون العقيدة الإسلامية بالمملكة العربية السعودية برباط روحي يعززه وجود الحرمين الشريفين بالمملكة. وبسبب إيمان هؤلاء بقدرة التسامح والحوار على تعزيز السلام والتفاهم بين الشعوب، وهو إيمان يشاركهم فيه كل البرازيليين، فإن العلاقة بين بلدينا علاقة طبيعية يعمقها سعي الدولتين إلى إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.
فليس في الإمكان اتخاذ جانب الصمت إزاء الظروف المعيشية القاسية التي ظل يتحملها الشعب الفلسطيني على مدى عقود وأجيال. ولن يؤدي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، الذي استمر لفترة طويلة، والحملات العسكرية التي شنتها الآلة الحربية الإسرائيلية على الفلسطينيين، والتوسع الإسرائيلي الاستيطاني، إلا إلى مزيد من التأجيل لإنشاء دولة فلسطينية متماسكة ومستقلة وذات قدرة اقتصادية قابلة للتطور، وهو الحل الحتمي لهذه القضية.
ولذلك فإن الشعب البرازيلي يكن كل التقدير للجهود الحثيثة التي ظل يبذلها خادم الحرمين الشريفين في سبيل إيجاد حل عادل لهذه المشكلة، ما يجعل من مبادرة السلام العربية التي اقترحها من واقع دوره الريادي على الصعيد العربي مخرجاً لهذه الأزمة. فالمبادرة تنص على أن أي حل لهذه القضية لا يمكن أن يكتب له النجاح ما لم يشتمل على مشاركة كافة الأطراف ذات الصلة.
وتريد البرازيل الانضمام إلى هذه الجهود من أجل تحقيق السلام والرفاهية لكل شعوب المنطقة وتعزيز التعاون الجنوبي الجنوبي. ولكل هذه الأسباب دعت البرازيل إلى قمة الدول العربية ودول أمريكا الجنوبية، وافتتحنا عدداً من السفارات في المنطقة، وأرسلنا مبعوثاً خاصاً إلى الشرق الأوسط، بالإضافة إلى اهتمام البرازيل المتنامي بالقضية الفلسطينية.
ونظراً للدور الكبير الذي يمكن أن تؤديه المملكة العربية السعودية في تحقيق هذه الأهداف فإني أترقب فرصة الالتقاء بخادم الحرمين الشريفين في الأيام القادمة واستقباله في البرازيل لمواصلة الجهود من أجل توثيق العلاقات بين بلدينا.