«الجزيرة»- واس:
أكد صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية أن رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- للمؤتمر الوطني الأول للأمن الفكري، الذي يفتتح اليوم الأحد تعدّ حافزاً للخروج بتوصيات علمية قابلة للتنفيذ في حماية الناشئة والشباب من التأثر بأي دعاوى زائفة أو أفكار منحرفة تستهدف أمن الوطن والمواطن.
وشدّد سموه على أن أساس الأمن الفكري وأقصر الطرق لتحقيقه هو سلامة العقيدة وصلابة الفكر الصحيح في مواجهة الأفكار المنحرفة ومن يروجون لها، مبيناً سموه أن مقومات تحقيق الأمن الفكري في بلادنا مهيأة تماماً ولله الحمد، حيث المجتمع السعودي متدين بطبعه ويستند إلى إرث عظيم من الالتزام بتعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة واجتهادات السلف الصالح.. ويزخر بعلماء أجلاء لتصحيح ما قد يلتبس فهمه وتفنيد ما قد يروج له الذين لا يريدون خيراً للإسلام وأهله.
وقال سموه: إن الدول العربية في حاجة إلى إستراتيجية واضحة للأمن الفكري، معرباً عن ترحيبه بأن تكون الإستراتيجية الوطنية التي يجري إعدادها حالياً أساساً لبناء الإستراتيجية العربية للأمن الفكري. جاء ذلك في حديث لصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز نشر أمس فيما يلي نصه:
* يرعى خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- أعمال المؤتمر الدولي للأمن الفكري الذي تنظمه جامعة الملك سعود ممثلة في كرسي سموكم لدراسات الأمن الفكري، نود بداية أن نتعرف على دلالات الرعاية السامية لهذا المؤتمر من وجهة نظركم؟
- في البداية نحمد الله سبحانه وتعالى على ما تنعم به بلادنا من استقرار وأمن هو ثمرة السياسات الرشيدة والمتزنة لحكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين -حفظهما الله- وهذه الحالة المتفردة من التلاحم بين القيادات السعودية وجميع أبناء المملكة التي تحققت بصورة متميزة في ظل استمرار سياسة الباب المفتوح التي أرسى قواعدها المغفور له -بإذن الله- الملك عبدالعزيز، وتواصلت في جميع أبنائه الملوك سعود، وفيصل، وخالد، وفهد، - رحمهم الله جميعاً-، وينفذها في هذا العهد الزاهر القائد والأب الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين بكل حرص على تأسيس احتياجات المواطنين والاستماع إلى آرائهم.. وهذه السياسة أوجدت حالة من الشعور العام لدى جميع أبناء المملكة بضرورة حماية إنجازات ومكتسبات بلادنا المباركة وما تنعم به من أمن واستقرار وتنمية على جميع المستويات. ومن هذا المنطلق تأتي الرعاية السامية من خادم الحرمين الشريفين للمؤتمر الوطني الأول للأمن الفكري امتداداً لمبادرته الكريمة في تطور وتحديث إمكانات وقدرات جميع قطاعات الدولة وأجهزتها، بما يتفق وطموحات وتحديات العصر ومتطلباته، ولا نرى انفصالاً بين هذه الرعاية الكريمة لمؤتمر الأمن الفكري ودعوة المملكة لمؤتمر دولي للتعاون في مواجهة خطر الإرهاب.
ويمكننا القول إن الرعاية الكريمة لهذا المؤتمر مؤشر واضح على اهتمام القيادة السعودية بأمن الوطن والمواطن، واستعدادها الدائم للتعاون مع جميع الدول في هذا الشأن، ويسعدنا في هذه المناسبة أن نتقدم بكل الشكر إلى مقام خادم الحرمين الشريفين على هذه الرعاية الكريمة، التي تعد حافزاً لجميع المشاركين في هذا المؤتمر للخروج بتوصيات ونتائج ترتقي إلى مستوى الطموحات، وتدعم جهود تحقيق الأمن بمعناه الواسع والشامل.
* سمو الأمير أشرتم في وقت سابق إلى أن مؤتمر الأمن الفكري هو إحدى مراحل الإعداد لإستراتيجية وطنية للأمن الفكري يتم تنفيذها من خلال كرسي سموكم لدراسات الأمن الفكري، فما ملامح هذه الإستراتيجية؟
- هذه الإستراتيجية تنطلق من قناعة كاملة بأن كل جريمة يتم ارتكابها تسبقها فكرة منحرفة تمكنت من العقل وسيطرت على الحواس، وربما استثمرت بعض الظروف والمتغيرات الاقتصادية أو السياسية لتبرير تحولها من مجرد فكرة إلى جريمة وتهديد للأمن، وعلى هذا الأساس فإن الحيلولة دون انحراف التفكير بهذا الاتجاه تمثل الخطوة الأولى لتحقيق الأمن الفكري، كما أن الاكتشاف المبكر لمثل هذا الانحراف الفكري، أيّاً كان اتجاهه ودوافعه وأسبابه، يضاعف القدرة على علاجه والشفاء منه، شأنه في ذلك شأن كثير من الأمراض الخطيرة التي يمكن علاجها إذا ما تم تشخيصها في الوقت المناسب قبل استفحالها. بل إن بعض هذه الانحرافات الفكرية يمكن تحصين الناشئة والشباب ضدها من خلال التربية السليمة والحوار والمناهج الدراسية والخطاب الإعلامي والثقافي والديني.
وعلى هذا الأساس يأتي مؤتمر الأمن الفكري لتأصيل مفهوم هذا الأمن، في ضوء المنهج العلمي ورصد وتحليل التحديات والصعوبات التي تواجه جهود تعزيز الأمن الفكري، وتقويم كافة الجهود التي تهدف إلى معالجة مشكلات الأمن الفكري، وتشجيع البحوث العلمية الجادة والرصينة التي تساهم في تعزيز هذا الأمن.
* يعقد المؤتمر بعد نجاح الأجهزة الأمنية في استئصال الخلايا الإرهابية وإفشال مخططاتها من خلال عمليات استباقية استهدفت ما يسمى بالخلايا النائمة.. بم تفسرون ذلك؟
- بفضل الله ثم الجهود المخلصة فكراً وعملاً نجحت الضربات الأمنية للتنظيمات والخلايا الإرهابية، وبدأ العمل في إعداد الإستراتيجية الوطنية للأمن الفكري من خلال دراسات وبرامج علمية واضحة إضافة إلى ما تقوم به الكراسي العلمية المتخصصة، لكن ثمة حقيقة يجب أن نتوقف عندها وهي أننا سبقنا كثيراً من دول العالم التي تعرضت لأعمال إرهابية استهدفت أمنها واستقرارها في الاهتمام بالأمن الفكري، وتحققت نتائج طيبة في هذا الشأن، من خلال لجان المناصحة وبرامج التوعية، وكشف أباطيل أصحاب الفكر الضال والمنحرف، واحتضان التائبين منهم، وإتاحة فرص الحوار مع العلماء المشهود لهم بالعلم والصلاح، وهو ما كان دافعاً لتنظيم هذه الجهود وتفعيلها والاستفادة من إمكانات مؤسسات علمية وتعليمية عريقة مثل جامعة الملك سعود والجامعات السعودية الأخرى والكراسي البحثية فيها، وفق منهج علمي رصين، في تعزيز الجوانب الوقائية من مثل هذه الانحرافات الفكرية عبر أنشطة تستهدف جميع فئات المجتمع بلا استثناء.
* البحث العلمي في خدمة المجتمع شعار يمكن تعميمه في قطاعات التنمية الاقتصادية كالصناعة والسياحة وغيرها، من خلال كرسي سموكم لدراسات الأمن الفكري ما فرص إسهام المؤسسات العلمية في دعم الجهود الأمنية بالمملكة؟
- التجارب الواقعية تؤكد ضخامة الدور الذي قامت به المؤسسات العلمية والتعليمية السعودية في تنشئة أجيال ساهمت بجهود كبيرة في مسيرة التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل إن إسهامات هذه المؤسسات في ترسيخ قيم الوسطية والاعتدال والحوار البناء الهادف تجسدت في كثير من العلماء والمفكرين والدعاة الذين ينتشرون في جميع أنحاء العالم وليس داخل المملكة فحسب، ويقدمون مثالاً رائعاً للمسلم الواعي بحقوق وطنه وأمته ودينه، وهذه التجارب تبعث على التفاؤل بنجاح المؤسسات العلمية والتعليمية في الإسهام في تحقيق الأمن الشامل، وتقديم حلول علمية للتعامل مع قضايا الأمن الفكري، وتجربة جامعة الملك سعود مثال جيد على قدرة المؤسسات العلمية السعودية على القيام بهذا الدور على الوجه الذي نطمح إليه جميعاً.
* كثير من البحوث العلمية القيمة تظل أطروحات نظرية لا تجد طريقها إلى أرض الواقع.. فهل ثمة آليات للاستفادة من البحوث الخاصة بالأمن الفكري؟
- البحث العلمي الرصين يمثل انطلاقة للعمل الصائب ويجب الاسترشاد والاستفادة مما يتم التوصل إليه من نتائج علمية، ونحن حريصون من خلال كرسي دراسات الأمن الفكري، وما يتم إنجازه من دراسات وأبحاث، على استثمار هذه الجهود لتعزيز الأمن والاستقرار، والتعاون مع جميع الجهات المعنية بقضايا الأمن الفكري، ومن دون هذا التعاون تظل جميع الجهود قاصرة وغير قادرة على تحقيق أهدافها، لكن يجب أن نعلم أن نشر ثقافة الأمن الفكري في حد ذاتها تدعم نجاح الجهود الأمنية في الاتجاهات الأخرى، وتزيد من إحساس كل فرد بمسؤوليته في حماية الأمن والاستقرار.
* أعلنتم خلال اجتماع وزراء الداخلية العرب في بيروت عن حاجة الدول العربية إلى إستراتيجية أمنية عربية للأمن الفكري، فهل تعدّ الدراسات التي يعدّها كرسي سموكم للأمن الفكري أساساً لهذه الإستراتيجية العربية؟
- نحن نقول دائماً بضرورة وجود إستراتيجية أمنية فكرية على المستوى العربي، وطرحنا ذلك فعلياً على طاولة اجتماعات وزراء الداخلية العرب، ولمسنا ترحيباً جماعياً من جميع الأشقاء في الدول الأعضاء بالجامعة العربية، ونرحب تماماً بأن تكون الإستراتيجية الوطنية التي يتم إعدادها حالياً بداية لبناء إستراتيجية عربية للأمن الفكري، ولا سيما أن التحديات التي تواجه الأمن العربي متشابهة إلى حد التطابق، فهناك من يستهدف العقيدة الإسلامية في بعض الدول، وهناك من يستهدف تعطيل مسيرة التنمية في دول أخرى.. أو من يسعى لإثارة الفتن بين أبناء الدولة الواحدة.. وهو أمر يستوجب التلاحم وتنسيق الجهود المباشرة فيما يتعلق بالأمن الفكري، وأثق في حرص وزراء الداخلية العرب على تحقيق هذا التعاون.
* هل تقتصر جهود تعزيز الأمن الفكري على التصدي لظاهرة التطرف والغلو في الدين أم تمتد لغيرها من الانحرافات؟
- كثيرون يظنون أن الأمن الفكري يعنى فقط بالتطرف والغلو، لكن هذه نظرة ضيقة ومحدودة، لأنه يعنى بالفكر كله وما قد يعتريه من انحراف أو قصور في الفهم أو ضعف في التمييز بين الخطأ والصواب، وينطبق هذا على الغلو والتشدد في الدين، كما يشمل الانحراف باتجاهات أخرى مثل تعاطي المخدرات أو جرائم الأموال، وحتى عقوق الوالدين والعلاقات الأسرية.. ويمتد لتنقية العقل من أي أفكار شاذة تخالف المنطق السليم والفطرة السوية.. أو تتنافى مع تقاليد المجتمع وأعرافه.
* عماد الأمن الفكري هو مواجهة الفكر المنحرف بالفكر السليم.. لكن هل يصلح ذلك مع من يقومون بتنفيذ مخططات جهات خارجية؟
- الأصل في الأمن الفكري هو حماية الشباب من السقوط فريسة لمن يريد استخدامهم للإضرار بوطنهم أو الإساءة إلى دينهم أو الإضرار بمصالح بلادهم.. وبيان أهداف من يسعون لاستخدامهم ضد مصلحة أوطانهم وبلدانهم، ومتى أمكننا حماية عقول الشباب من التأثر بأباطيل أصحاب الفكر الشاذ أصبح من الصعب أن يصبحوا أداة في يد من يريد النيل من بلادهم، وقد كشفت تجربة المراجعات والمناصحة صحة ذلك، بل إن بعض الأسر السعودية استطاعت أن تقنع أبناءها الهاربين المتورطين في بعض الأعمال بالعودة للبلاد وتسليم أنفسهم وإعلان توبتهم، وهذه البادرة الطيبة تعزز ما أشرنا إليه حول أهمية أن تشمل جهود تعزيز الأمن الفكري جميع فئات المجتمع.
* إلى أي مدى يمكن القول أن ثورة التقنيات والمعلومات فرضت ضرورة الاهتمام بالأمن الفكري نظراً لما أتاحته من فرص التأثير في أفكار الناشئة والشباب؟
- من المعروف أن ثورة التقنيات والمعلومات في جوانبها السلبية ساهمت في بروز ما يمكن أن يسمى مجرم المعلومة أو عولمة الجريمة والجريمة عن بعد، وخاصة الجرائم الناجمة عن انحراف الفكر أو الانسياق وراء أباطيل، لذا تتزايد أهمية تعزيز الأمن الفكري، ليستطيع من يتعامل مع هذه التقنيات أن يميز ذاتياً بين الحق والباطل، حتى وإن تلبس الباطل رداء الحق زوراً وخداعاً، وقد أثبتت التجارب العالمية أن هذا التقدم التقني صاحبته مستجدات إجرامية، ما يشكل تحدياً للمختصين في مكافحة الجريمة، وهو الأمر الذي أوجب تعاوناً وثيقاً بين المؤسسات الأمنية والتعليمية لتحليل وتفسير هذه المتغيرات الحديثة، والبحث عن أسبابها وطرق مواجهتها في بعديها الفكري والمادي على حد سواء، وهو ذات الأمر الذي جعل الأمن الفكري من أهم القضايا التي تشغل بال العلماء والمفكرين وحماة الأمن في العالم.
* إذا أردنا أن نلخص الأمن الفكري في المجتمع السعودي.. وأقصر الطرق لتحقيقه.. فماذا تقول سموكم؟
- نقول إن أساس الأمن الفكري وأقصر الطرق لتحقيقه هو سلامة العقيدة وصلابة الفكر الصحيح في مواجهة الأفكار المنحرفة ومن يروجون لها، ومواجهة الفكر الضال الشاذ بالفكر الصحيح المستند إلى عقيدة سليمة، والحمد لله فإن مقومات تحقيق الأمن الفكري في بلادنا مهيأة تماماً، فالمجتمع السعودي متدين بطبعه، ويستند إلى إرث عظيم من الالتزام بتعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة واجتهادات السلف الصالح.. ويزخر بعلماء أجلاء لتصحيح ما قد يلتبس فهمه وتفنيد ما قد يروج له الذين لا يريدون خيراً للإسلام وأهله.. فالأفكار والتوجهات الموجودة في عالمنا اليوم والأمس ستبقى، ومسؤوليتنا أن نرسخ الصحيح ونعرفه لشبابنا، وأن نقوّم الانحراف بالحجة والدليل الثابت من القرآن الكريم والسنة النبوية.
وإذا كانت الجامعات والمؤسسات العلمية معنية بالأمن الفكري، فإن كل رجال العلم والإعلام والتربية مدعوون للإسهام في تحقيق هذا الهدف، وحماية عقول شبابنا من التأثر بأفكار وافدة وغريبة لا تتفق بحال مع مصلحة الوطن والأمة.