أ.د. رفيعة عبيد غباش، رئيسة الجامعة
تكونت النواة الأولى لمشروع مركز الأميرة الجوهرة البراهيم من نقاش موسع شهدته كلية الطب والعلوم الطبية بجامعة الخليج العربي وعلى رأسها العميد السابق للكلية الدكتور حسام حمدي، وكذلك الدكتور معز بخيت المتخصص في الطب الجزيئي. لقد تعودنا في جامعة الخليج العربي إلغاء الحواجز بين الهيئة الإدارية والأكاديمية، بل إن حلقات العصف الذهني التي اعتدنا تنظيمها، تشمل عدداً من الفنيين والعمال الذين كثيراً ما نستفيد من آرائهم في مسائل متخصصة. كنا نتساءل ونبحث ونناقش سبل توظيف العلوم الطبية الجديدة في المنطقة وفق طبيعة احتياجاتها، ومن بين جملة من المشاريع فكرنا في تأسيس مركز للطب الجزيئي وعلوم المورثات لما لهذا المجال العلمي من حداثة وأهمية من شأنها تشكيل نقلة نوعية في العلوم الطبية، ستساهم مستقبلاً في علاج جذور العديد من الأمراض، كما ستضيء بارقة أمل لأسر لم يشأ القدر أن يمنحها نعمة الإنجاب، من خلال أقسام متخصصة في التخصيب الخارجي ومعالجة أمراض العُقم.
وهنا تعود بي الذاكرة إلى السنة الأولى من تعييني رئيسة لجامعة الخليج العربي في العام 2001م، حيث ألتقيت معالي الدكتور خالد العنقري وزير التعليم العالي بالمملكة العربية السعودية، أثناء زيارة معاليه للجامعة لتوقيع اتفاقية تقضي بتسجيل 25 طالباً في جامعة الخليج العربي سنوياً على نفقة الحكومة السعودية، كوجه من أوجه الدعم التي تقدمها لنا القيادة السعودية وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله-. خلال هذا اللقاء دار بيني وبين الدكتورالعنقري حديث عن سبل تطوير موارد وإمكانات الجامعة، وأتذكر أنني طرحت يومها أن أستغل صفتي كامرأة للالتقاء بالسيدات الاوائل في المملكة العربية السعودية، لهدف طرق أبواب الحصول على دعم للجامعة ومشاريعها العلمية الفريدة والمميزة. أتذكر أن تفاعل الدكتور العنقري كان سريعا، إذ سرعان ماعرض تنظيم لقاء بيني و بين سمو الأميرة الجوهرة البراهيم حرم المغفور له بإذن الله تعالى الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود - طيب الله ثراه -.
بعد مضي شهرين تقريباً رحبت الأميرة بالفكرة، وأثناء لقائي الأول بها قدمت لها تصورات ثلاثة برامج أكاديمية تهدف إلى تنمية موارد الجامعة وتوسعة نشاطها البحثي والاكاديمي، فكان ان رحبت بفكرة المشروع الثالث المخصص للأمراض الوراثية والطب الجزيئي، لما يتميز به هذا المشروع من ندرة في منطقة الخليج وأهمية يعول عليها في تطور المنهج الطبي في العالم أجمع.
كنا نطمح لانشاء مبنى ملحق بمقر الجامعة الرئيسي للأبحاث الوراثية والجزيئية، لكن الأميرة كرمتنا بأكثر مما تخيلنا حين منحتنا 6 ملايين دولار أمريكى لتأسيس المشروع.
وفور حصولنا على هذا الدعم لم ننتظر حتى يتم التخطيط والاعداد لانشاء مبنى للمركز لنباشر أبحاثنا ومؤتمراتنا، بل أننا قد بدأنا منذ اليوم الاول بإصدار الدراسات العلمية وتنظيم المؤتمرات، والبحث المستمر في مجال الأمراض الوراثية والطب الجزيئي، حتى بلغنا الإنجاز العلمي الذي تشرفنا به في مارس- آذار من عام 2008م.
أقف هنا عند مساهمة خليفة الوردي الذي صمم المدخل الرئيسي للمركز المؤقت في الطابق الثالث من مبنى الجامعة، والموظف يوسف خيري الذي صمم شعار المركز بالخط الكوفي في رمزية تؤكد الطابع العربي لهذا المشروع بأسلوب جمالي متميز.
في حالات مشابهة تسعى كثيرٌ من المؤسسات لتكليف إحدى الشركات المتخصصة بتصميم هذا النوع من الشعارات، لكنني سعيت لأن يكون مشروعنا منبثقاً من أسرة الجامعة تشجيعاً لكل العاملين، وقد لاحظت تميز خيري في العديد من التجارب السابقة التي برز فيها في فن الخط، وعلى هذا الأساس تم تكليفه بهذه المهمة.
لقد اتسع طموحنا بعد أن تلقينا الدعم من سمو الأميرة الجوهرة البراهيم، ففكرنا بأن نتوسع في مشروعنا وننقله من كونه مركزاً صغيراً للأبحاث ملحقاً بمبنى الجامعة، إلى درجة تؤهله لأن يكون مركزاً إقليمياً لعلوم المورثات والطب الجزيئي. وقد تلاقى هذا الدعم الكريم من سمو الأميرة الجوهرة بكرم سخي من قبل جلالة ملك مملكة البحرين صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، الذي أكرمنا بمساحةِ ارضٍ واسعة تتمتع بموقع مميز لاقامة مشروع المركز عليها. وهنا لا يفوتني أن أثمن مساعي الشيخ إبراهيم بن خليفة آل خليفة وزير الإسكان الحالي الذي كان وكيلاً لوزارة المالية، إذ بذل جهوداً استثنائية لتوفير الأرض المناسبة لإقامة المشروع، وإصدار وثيقة الهبة.
على إثر التقدم الذي تمتعت به موارد المشروع حيث خصصت له أرض تبلغ من المساحة أكثر من 4000 متر مربع في موقع متميز بالعاصمة البحرينية المنامة، توجهت إلى سمو الأميرة الجوهرة بتصميمين مختلفين للمركز: الأول يتكون من طابق واحد بحجم الهبة المقدمة من سموها والبالغة ستة ملايين دولار أمريكى، فيما يضم التصور الآخر ثلاثة طوابق في إطار رؤية الجامعة الساعية لأن يكون هذا المركز أكبر مركز متخصص في الطب الجزيئي وعلوم المورثات والأمراض الوراثية في منطقة الخليج العربي، وما كان من الأميرة الجوهرة الا أن باركت فكرة توسيع المشروع وكرمتنا بمبلغ ستة ملايين دولار جديدة تضاف إلى الهبة الاولى ليصبح اجمالي المكرمة اثني عشر مليون دولار أمريكى.
كنت أشرف على الجانب المالي والإداري وأتابع في الوقت ذاته بشكل دوري تطورات الأبحاث العلمية مع فريق البحث العلمي والذي كان يتم بشكل سري حتى نحافظ على أسبقية الاكتشاف.
والحمد لله أن تزامنت مرحلة التحضير للإعلان عن الاكتشاف العلمي المتعلق بمورثة (جينة) لم تكن معروفة من قبل مرتبطة بالجهازالعصبي ومسؤولة عن تنشيط المقاومة الطبيعية لجهاز المناعة في جسم الإنسان، تزامن مع وضع حجرالأساس لمركز سمو الأميرة الجوهرة البراهيم الذي تشرفنا خلاله برعاية الأميرة الجوهرة البراهيم وحضورها الشخصي. لقد كانت زيارة سمو الأميرة تكريماً وتقديرا للعاملين على المشروع من إداريين وأكاديميين ومهندسين، فهي الزيارة الأولى لسموها لجامعة خارج المملكة العربية السعودية، وقد تميز وفد الأميرة بشخصيات علمية وأكاديمية شهدت ذلك الحدث وانبهرت بالإنجاز.
أثناء مرحلة الإنشاء حرصت على تنظيم زيارات مستمرة لموقع المشروع خلال جميع المراحل بدءاً بوضع حجر الأساس ولغاية اللحظة، لشعور انتابني بضرورة إشراك أسرة الجامعة في هذا المشروع، وتعزيز شعورهم بالانتماء إليه كجزء مرتبط بتطور مؤسستهم وتوسعها، وقدرتها على بناء مشروعاتها بجهودها الذاتية، وليس فقط بدعم الحكومات المؤسسة للجامعة.
مازلت أذكر ملامح البهجة والسرورعلى محيا معالي الدكتور خالد العنقري وزير التعليم العالي حين زارمشروع مركزالأميرة الجوهرة البراهيم في مراحله النهائية، ليشهد ثمرة المشروع الذي تحقق من خلال مبادرت معاليه بتسهيل زيارتي لسمو الأميرة الجوهرة البراهيم.
وأتمنى في نهاية حديثي أن نكون في جامعة الخليج العربي على قدر الثقة والمسؤولية التي منحتنا إياها سمو الأميرة الجوهرة بنت إبراهيم البراهيم، ونجسد هذه الثقة من خلال نجاحات مركز سمو الأميرة الجوهرة البراهيم لعلوم المورثات والأمراض الوراثية.
أ.د. المعز عمر بخيت، مدير المركز
إنه لمفخرة حقيقية لوطننا العربي الكبير أن تتبنى جامعة خليجية رائدة أحدث فروع الطب المتقدم ليكون صرحاً علمياً بارزاً يؤطر لمعرفة حقيقية بالعلوم الحديثة، لا وبل يصبح قسماً أكاديمياً بكلية الطب في جامعة الخليج العربي، وذلك لأول مرة في العالم العربي حيث يدرس طلاب الطب وطلاب الدراسات العليا ويعلمهم مبادئ الطب الجزيئي وعلوم المورثات والأمراض الوراثية ويعمل على تقديم خدمات تشخيصية وبحثية بالإضافة إلى رسالته التعليمية.
يرتكز الطب الجزيئي Molecular Medi cine في فهم الجزيئات الرئيسة لوظائف الجسم والتي لها علاقة مباشرة بالآليات الأساسية للأمراض. كما يهتم بتغيير التكوين الجزيئي للمركبات الكيميائية و البروتينات لتطوير وسائل التشخيص والعلاج والوقاية من المرض مستخدماً وسائل الأحياء الجزيئية والخلوية والكيمياء الحيوية وعلوم المورثات و المناعة، وذلك لدراسة الأمراض الوراثية و الأمراض الباطنة المكتسبة وذات الصلة بالطفرات الجينية التي منها على سبيل المثال مرض السكري والحساسية وأمراض الدم والشيخوخة والأورام والتشوهات الخلقية..إلخ، مما يجعل هذا الفرع من العلوم الطبية يرتبط و يتكامل مع كل الفروع الأخرى بينما يتفرد ويتخصص في الآتي:
علوم المورثات Genetics،
الأمراض الوراثية Inherited Disorders
الأمراض الاستقلابية
Inborn Errors of Metabolism،
المناعة الجزيئية و الخلوية
Molecular and Cellular Immunology،
الأحياء الجزيئية والخلوية
Molecular and Cell Biology.
ولعل من دواعي سرورنا أن وراء تأسيس هذا الصَّرح الكبير تقف نساءٌ عَظيمات خَلفَه مادياً وإدارياً وإنسانياً، فالمرأة هي دائماً رمز حضاري للبشرية وعطاؤها لا تحده الحدود في كل المجالات ومتى ما أردنا أن ننظر لتقدم أمة ما وتميزها فما علينا إلا أن ننظر لموقع ودور المرأة فيها. لذلك يبقى مكان عزة لنا وفخار أن يكون التوجه السامي والسند المادي الكبير من قبل سمو الأميرة الجوهرة بنت إبراهيم البراهيم، -حفظها الله-، والسعي الحثيث من سعادة الأستاذة الدكتورة رفيعة عبيد غباش رئيسة جامعة الخليج العربي هو الدعم الحقيقي لقيام مركز للطب الجزيئي وعلوم المورثات والأمراض الوراثية في جامعة الخليج العربي.
تتلخص رؤية المركز في إيجاد نظام طبي وبحثي وتعليمي ذي جودة عالية قادر على تقديم خدمات تشخيصية وعلاجية وبحثية وتعليمية وتخريج كوادر بشرية مؤهلة ومتخصصة في مختلف فروع الطب الجزيئي وعلوم الجينات والأمراض الوراثية تلبي احتياجات المجتمع الخليجي والعربي الحالية والمستقبلية ليصبح المركز الرائد في مجال تخصصه في الوطن العربي. وقد وضعنا رسالة وأهداف واستراتيجيات واضحة ومحددة في سبيل تحقيق هذه الرؤية حتى يتحول حلمنا الكبير لواقع معاش تستفيد منه الأمة وترتفع به قامتها لتكون عالية خفاقة بين مصاف الدول المتقدمة.
شكراً عظيماً ومقدراً لصاحب الجلالة الملك حمد ملك مملكة البحرين والذي وهب المركز قطعة الأرض التي بنيت عليها، والشكر الفياض لصاحبة السمو الأميرة الجوهرة بنت إبراهيم البراهيم ولسعادة الأستاذة الدكتورة رفيعة عبيد غباش رئيسة جامعة الخليج العربي للدعم العظيم ولكل من وقف وعمل ليلاً ونهاراً من منسوبي الجامعة على المستويات كافة حتى تحقق هذا الإنجاز.
د. محمد ممدوح العوني
بعد مرور ست سنوات من العمل المتواصل، ها نحن نشهد أخيراً ثمرة جهودنا الحثيثة. في لحظة من لحظات الجهد المضني تساءلت عن الوقت الذي قد يرى فيه هذا المشروع النور لكي أتنفس مستريحاً، خصوصاً أننا مررنا بمراحل عديدة شهدت تصورات مختلفة لمكان المشروع وحجمه وتصميمه، وهو ما دفع البعض لأن يعتقد بأن المشروع لن يرى طريق النور وتسبب في إحباط مجموعة منا، لكن إصرار رئيسة الجامعة الأستاذة الدكتورة رفيعة عبيد غباش وعزمها والروح القتالية التي أودعتها في نفوس العاملين في المشروع جعلتنا نتماسك لكي نتم المهمة بنجاح.
كُلِفت باختيار مكتب الاستشارات الهندسية الذي سيقوم بتنفيذ هذا المشروع، وبعد عدة عطاءات ومباحثات استقر الاختيار على شركة خطيب وعلمي للاستشارات الهندسية، ولعل أهم الاسباب التي دعتنا إلى اختيارها، تصميمها لمقر جامعة الخليج العربي في منطقة السلمانية منذ ما يزيد على ربع القرن. كانت الخطوة التالية بطبيعة الحال اختيار شركة المقاولات وبنفس ما مرت به إجراءات اختيار شركة الاستشارات الهندسية كان الحال مع اختيار شركة المقاولات، فبعد دراسة العروض كافة والنظر إلى تاريخ كل شركة وسمعتها تم اختيار شركة زخريادس.
كانت اللجنة المكلفة من قبل الجامعة لمتابعة مشروع بناء مركز الأميرة الجوهرة تجتمع شهرياً وتصدر في نهاية إجتماعها تقريراً عن سير العمل بالمركز، وهو الذي نبني عليه لقياس سير العمل ونضمنه توصيات لتصحيح بعض الهفوات الطارئة بالمشروع.
كان هدفنا أن نعمل مركزاً مثالياً لا سابق له، ربما هذا ما تسبب في تأخير تجهيز المشروع عن الموعد المحدد له، خصوصاً في المرحلة الأخيرة منه وهي مرحلة التشطيبات التي تتطلب ذوقاً في اختيار ألوان الأصباغ، والاكسسوارات، والمستلزمات كافة. لكن في نهاية المطاف استطعنا تجهيز المبنى بشكل يُجَسد في المستقبل المنظور مَعلَماً في مملكة البحرين على مستوى التصميم الهندسي وخدماته المُرتقَبة.