أعترف أن قلمي تجرأ هذه المرة، فلطش هذا العنوان من زاوية زميلنا الأستاذ (تركي الدخيل)، صاحب (الإضاءات العربية) الشهيرة، والكاتب اليومي في صحيفة الوطن، ولكنه سوف (يلعب)، على هامش المضمار الذي لعب فيه قلم تركي الدخيل، وليس في متنه.
طالب الكاتب تركي الدخيل في (خلّوها تلعب)، يوم الجمعة قبل الفارطة، بترك الطفلة (العروسة) آمنة ذات الأعوام العشرة، التي سوف تزف إلى زوجها (الوالد) بعد شهرين، لكي (تلعب) وتستمتع بطفولتها فيما تبقى لها من سنوات قبل بلوغها سن الرشد..! فلعل والد آمنة (الأب)، أو والدها (الزوج)، أو من بيده حل وعقد زواجها، يمنحها هذه الفرصة الوحيدة المتاحة لكافة أطفال العالم في مثل سنّها، إلا هي ومن كن على شاكلتها من صغيرات في سن الطفولة، ممن يُدفعن إلى (قفص) الزوجية بإرادة أكبر منهن.
* أما زميلات آمنة، وكل طفلة وشابة وامرأة في بلادي، فمن حقها أن تلعب هي الأخرى بطريقة مختلفة.. خلوها تلعب.. خلوا الطفلة والشابة والمرأة في بلادنا تلعب، قبل أن تعنس أو تبدن وتبطن وتسمن، ثم تتكوّر فتمرض فتموت. خلوها تمارس المشي في الهواء الطلق.. خلوها تمارس الرياضة في مدرستها وفي جامعتها وناديها.. خلوها (تلعب) الكرة، رفساً ونطحاً ومراوغة، وتسجّل الأهداف الحلوة، في الشبكة أو حتى خارج الشبكة، ثم تعرف أن (العقل السليم في الجسم السليم)، وأن في كل حركة بركة.
* منذ أن نشأنا والرياضة في ثقافتنا مجرد لعب في لعب. جاءتنا كرة القدم على أقدام البحارة الهولنديين، الذين كانوا ينقلون على بواخرهم حجاج إندونيسيا وجزر جنوب شرقي آسيا إلى مرفأ جدة، ثم يمكثون أياماً طوالاً في انتظار فراغ الحجاج من مناسكهم ليعيدوهم إلى ديارهم، كيف يمضون وقتهم الطويل هذا على جُدد جدة؟ لقد تمخضت الذهنية الخواجية غير الخاملة ولا الهاملة، عن ممارسة رياضة مفيدة، فكانوا ينزلون إلى الميادين العامة ليلعبوا لعبة جديدة غير مألوفة عند أهل جدة، ولا عند غيرهم في تلك الفترة، وهي لعبة كرة القدم. رأينا الخواجات يلعبون فأعجبنا لعبهم فقلدناهم، وأخذنا عنهم كرة القدم، وصرنا نلعب بعدهم.. لم يزد الأمر في تفكيرنا عن حدود اللعب.. لعب في لعب.. حتى يومنا هذا. وحتى بعد أن لحقنا بالركب الحضاري انطلاقاً من دروس المساجد وحلقاتها، إلى مدارس تعلّم الحساب واللغات والعلوم الطبيعية والتطبيقية، جاءنا معلمون حاسرو الرءوس، لابسو البناطيل، وعلمونا ألعاباً أخرى غير كرة القدم، ألعاباً سويدية، وأخرى مائية، وكرات طائرة وزاحفة وخلافها، ثم لم يزدنا هذا كله، إلا انغماساً في (وحل) مصطلح اللعب، حتى حصة الرياضة، وما يلحق بها من حصص الاحتياط، لم نفهمها على أنها علم وفن وهندسة، وإنما لعب في لعب.. ضياع وقت يعني لا أكثر.. هيا نلعب.. أنشودة كانت تدعم (وحولة) المصطلح الذي بقينا نتماهى معه حتى جاء دور المرأة والفتاة، ففي اليوم الذي ارتفعت فيه رءوس النساء، مطالبة بحصتها وحقها في الرياضة، وهي تنظر بحسرة إلى جسمها الممتلئ لحماً وشحماً وتَخَماً، ضننا عليها حتى بالمشي على الأرصفة، ولجأنا إلى مصطلح اللعب، فرمينا المرأة بعين حمراء، واستكثرنا عليها أن تلعب، وأن تكون لها حصص رياضة بدنية في المدارس، وحصة من مناشط الرئاسة العامة لرعاية الشباب..! استهدفت الرعاية الشبابية الشخصية الذكورية في المجتمع، ولم تلتفت للأنثى. صعب علينا مجرد أن تلعب (الأنثى) كما كنا وما زلنا نلعب، ونظن أننا نحسن لعباً. المرأة تلعب هي الأخرى.. يا عيباه.. أما يكفي أن شبابنا يلعب، ويضيع وقته في اللعب والجري وراء الكرة، و... (الكلام الفاضي)..!
* ومع أن ما نفهمه على أنه لعب وتسلية وضياع وقت وكلام فارغ، ويردده كبارنا على مسامع صغارنا صباح مساء، هو عند غيرنا أكبر من مجرد لعب وتسلية، هو رياضة شاملة: (بدنية وعقلية ونفسية)، والعقل السليم لا يستقيم مع جسم سقيم، وفي كثير من الألعاب المسلية، رياضات ذهنية وفكرية، وعلاجات لأمراض وعقد كثيرة، فالعالم من حولنا يعطي المصطلح حقه من المفاهيم المتجددة، لأن اللغة كائن غير جامد إلا عندنا. نحن فقط من يجمد المصطلحات، أو يحلها ويخلّلْها إن شاء، ويصبغها بما يروق له من ألوان زاهية أو قاتمة. اللعب في حد ذاته لم يكن هدفاً وإنما وسيلة لغاية، والذين نراهم يتصارعون ويتقارعون ويتلاكمون، ليسوا مجانين ولا هم يلعبون، والذين يتداولون بأقدامهم وبأيديهم وبرءوسهم كرات منفوخة، لا يلعبون ولا يضحكون ولا يتسلون، ولكنهم يفكرون ويخططون، فيتسابقون ويتبارزون ويتبارون، ويحققون ذواتهم، ويمتعون الآخرين بما يقدمون لهم من إبداعات. فهذا عالم يعج بما هو جديد ومفيد، من رياضات فروسية وجسمية وعقلية ونفسية، ونحن ننغمس أكثر في (وحل) الفهم الخاطئ لمصطلح (نلعب)، فنلعب ونلعب، وبعد أن نلعب ونلعب، نتنفس الهواء، ثم نحتقر اللعب ومن يلعب وما يلعبون، ونلعن أبو (سنسفيل الكورة)، التي لم نحصد منها سوى اللعب.. اللعب وبس..!
* ماذا يترتب من أضرار صحية على (عدم) ممارسة الرياضة..؟
* يقول تقرير طبي في هذا الشأن - وهو لا يلعب - جواباً عن هذا السؤال: (زيادة في الوزن - أمراض في القلب والشرايين - ضعف وآلام في العضلات - يبوسة في المفاصل - هشاشة في العظام - آلام في العمود الفقري - فقدان سنوي في جزء من العضل يقدّر ب (227) غراماً - إمكانية زيادة الإصابة بسرطان في القولون والشرج والثدي والجهاز التناسلي عند المرأة - الإصابة بمرض السكري والضغط، وهذا شائع جداً في المملكة في ودول الخليج.
* إذا عرفنا أن ما نسبته (50%) من عدد سكان المملكة، ممن هم فوق العشرين من أعمارهم، مصابون بداء السمنة، والنساء هم الأكثر عدداً في هذه النسبة الكبيرة بدون أدنى شك، فهل من فرصة باقية، للمزيد من المكابرة والمزايدة والمغالطة..؟
assahm@maktoob.com