نحن أمام بركان من التقنية المذهلة، في عالمنا عالم المدنية، وتقدم الصناعة، فالحال تحول في المؤسسات والشركات، والدوائر الحكومية، والمحاضن التربوية، حيث دخلت الأجهزة الحديثة، والآلات الغريبة، وبدأ الناس يتعاملون مع التقنية الحديثة بشكل مذهل وسريع، وتركوا ما كانوا عليه من الأدوات القديمة: الأوراق والأقلام.. وهكذا التعليم يصرف ويرصد أموالاً طائلة للأجهزة الحديثة بكميات كثيرة وبأنواع مختلفة، أجهزة محمولة، سبورة ذكية، عرض سينمائي، وآخر مرئي، أشرطة جاهزة بألوانها المختلفة وحروفها المتناثرة، الوزارة تتقدم بتقدم العالم، والأجهزة تعطي التلاميذ عملاً صالحاً وآخر سيئاً، وما مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم، إلا أكبر شاهد على دخول التعليم عالم التقنية من جميع جوانبه، ولي وقفة مع المشروع مستقبلاً إن شاء الله.
والسؤال المهم: هل المخرجات بحجم تلك الأجهزة المتنوعة؟ وهل وسعت الأجهزة الحديثة مدارك الأجيال الصاعدة من أبنائنا؟ الجواب أعتقد أن أغلب الطلاب يجيدون التعامل مع الأجهزة الحديثة والآلات الغريبة بدرجة امتياز، ولكنهم لا يجيدون القراءة والكتابة، لأنهم اشتغلوا بصور وألعاب الجوال، والبلوتوث، والبلاي ستيشن، والمحادثة عبر الماسنجر، على إثر هذا أصبح الكتاب شبحاً لا يحبه الطالب، وأما القلم فلا يكتب إلا قليلاً, حتى في الامتحانات يقوم بتأشير والتظليل على الإجابة، وبالتالي المعلومات عند الطلاب ضحلة، والثقافة محدودة، والدليل درجات اختبار القياس التي تجريها الوزارة لطلاب الثالث الثانوي، إذاً لماذا هذا الضعف؟ ولماذا هذا التأخر؟ ونحن في عالم تفجير المعلومات، وكثرة المطبوعات، وانتشار المكتبات، وإقامة المعارض الدولية، الجواب: لأن القراءة انتهى وقتها وذهبت أدراج الرياح مع مدارس الأمس، اقرأ كانت أول كلمة تلقاها معلم البشرية {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، ولاحظ معي أخي الكريم أن الله أمر محمداً -صلى الله عليه وسلم- أن يقرأ مع أنه أمي، ولم يأمره بالمشاهدة أو السماع، مع أنهما أسهل عليه، لعظم القراءة ونفعها، بالقراءة تخرج العلماء والوزراء والأدباء, بالقراءة تقدم الغرب, بالقراءة ظهر النفط, وبها كان الدواء، وكان الاكتشاف والابتكار، وصنع السلاح، بالقراءة تسود الأمم، وتصفو النفوس، وتزهو الأخلاق، ويرفع الجهل، وتتربى الأجيال على حب العلم والعمل والدعوة، بالقراءة يفجر الإنسان أنواعاً من التقدم والرقي.
أتمنى من وزارة التربية والتعليم أن تضع دراسة متأنية, وخططاً منظمة, لتوعية الطلاب والطالبات بضرورة القراءة والاطلاع, بتفعيل المكتبات في المدارس، والتعامل مع الكتاب بالمسابقات الثقافية داخل كل مدرسة وربطها في المكتبة، إذ المؤسف والمحزن أن بعض مكتبات مدارسنا في زوايا مظلمة, ملأها الغبار، ومكان يحشر فيه الطلاب عند غياب معلمهم ليقضوا وقتاً في التسلية واللعب, لا بالقراءة والاطلاع, لأنهم لا يحبون القراءة ولا يعرفون كيف يقرؤون، يا حسرة على طلابنا وشبابنا ورجالنا وأمتنا أمة القراءة.
وصية: يقول الجاحظ وهو يوصي بالقراءة والمطالعة: الكتاب هو الجليس الذي لا يطريك، والصديق الذي لا يغريك، والرفيق الذي لا يملك، والكتاب هو الذي إذا نظرت فيه أطال إمتاعك، وشحذ طباعك، وبسط لسانك، وجود لسانك، وجود بنانك، وفخم ألفاظك، وسر صدرك.
* خطيب جامع ابن عثيمين بالخبر
abohafz1@hotmail.com