من المؤكد أن كثيراً من القراء والقارئات لا يخفى عليهم معنى كلمة (الفبركة)، وهي كلمة عامية مولدة من اللغة الانجليزية، حيث إن أصلها فيها هو كلمة Fabric أو Fabrication وتعني في العربية الفصحى: التصنيع، أو نسج ما ليس له أصل، وقد كثر ورود هذه الكلمة في النقد الساخر المعاصر في جميع المجالات ضد من ينسجون الباطل ويجعلونه بديلاً عن الحق.
وللأسف غزت الفبركة بهذا المفهوم السلبي وسائل الإعلام الحديثة بشتى وسائلها، رغم الانفتاح العالمي الكبير الذي يفضح أية وسيلة إعلامية تستخدم هذا الأسلوب أمام الرأي الداخلي والخارجي، لأنه لم يعد يخفى على أحد شيئاً، وسيكتشف الحقيقة إن عاجلاً أو آجلاً ليس ببعيد في زمن السرعة والشفافية العجيبين، فتنفى ساعتها تلك الوسيلة الإعلامية البعيدة عن المصداقية إلى زوايا الخزي والهجران.
وللأسف الشديد بدأت عدوى الفبركة تغزو بعض صحفنا المحلية في مناسبات عدة، بشكل لا يخفى على القارئ الحصيف، وعلى سبيل المثال لا الحصر، خبر عزم وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد تخفيض مكبرات صوت المساجد (بعض الشيء)، والسبب استجابة لطلب السكان الملاصقين للمساجد، وكذلك منعاً لتداخل أصوات المآذن والمكبرات المتعددة مع بعضها البعض.
فظهرت علينا بعض الصحف بعدها بصياغات مختلفة مفبركة لهذا الخبر هدفها الإثارة، حتى لو اخطأت في حق من قال التصريح، أو آلمت نفوس أبناء هذا المجتمع المسلم الذي يحيا ويعمل لله وبالله.
ويحب في الله ويبغض في الله، حيث ظهرت عناوين غريبة عديدة هي في واقع الأمر قذى للعين، مثل عنوان: (حملة شاملة تقوم بها الوزارة ضد مكبرات أصوات مساجد الباحة)، بأسلوب يوحي لقارئه وكأنها حملة ضد المخدرات مثلاً!
ورغم أن اي متعقل يثق في مسؤولينا بعامة، إلا أن بعض الصحفيين أحياناً يستخدمون مبدأ (أنا ومن بعدي الطوفان)، مع أنه من المفترض فيهم أن يكونوا خير همزة وصل بين المسؤول والمجتمع، وأن يكونوا مبشرين لا منفرين.
والأمثلة غير ذلك ليست عنا ببعيدة، فما حدث في التصاريح الأخيرة (لوزارة الصحة) حول مشاريع الوزارة السابقة، وما أحدثته بعض الصحف من صخب ولغط ممقوتين، يكاد يجعل منا أمة نمامة مهذارة، وما هكذا تقاس الأمم السوية، وإعلامها الناجح الذي لا يثير الملابسات، وبالتالي الحساسيات والنعرات، وإيغار الصدور بين أبناء المجتمع الواحد، فإذا كان الإعلام ذو صوت واحد فسيخرج حتماً الصوت الآخر المكتوم من خلف الجدر ومن وسط المغارات المعتمة.
ليس ذلك فحسب، فقد بقي في جعبتي نموذج واقعي آخر مثالاً لا حصراً، حيث قرأت عن أحد كتابنا ومفكرينا السعوديين خبراً (حول تجربته في القراءة)، ولاحظت أن كاتب الخبر قد ركز على جوانب سلبية من كلام الأديب بأسلوب مفبرك، جعلتني أشعر بالنقمة على هذا المفكر، وعلى المكان الذي استضافه، ولكن بما أني لم أحضر اللقاء، رغبت في التأكد من الحقيقة من خلال مؤلفاته، ومن خلال ما كتبه عنه النقاد الإيجابيون، فوجدت في سيرته ما يخالف الخبر المكتوب عنه تماماً!
إن غاية ما نتمناه هو أن لا تنجرف بعض وسائل إعلامنا إلى السبيل الضال البائد الذي انجرفت إليه بعض وسائل الإعلام الخارجية التي هجرها الواعون، وعششت عليها عناكب النسيان.
g.al.alshaikh12@gmail.com