أوضح الأستاذ الدكتور مسفر بن غرم الله الدميني رئيس وحدة البحوث في كلية أصول الدين التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض ورئيس قسم السنة وعلومها سابقاً أن الله تعالى أمر ورسوله صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالتثبت فيما يسمعونه وينقلونه من أخبار، مخافة أن يكون كذباً واختلاقاً، والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة.
وعلّل ذلك لكون الناس يتفاوتون في الصدق والأمانة فيما يتناقلونه من أخبار وروايات وقال: (وما آفة الأخبار إلا رواتها) وعبَّر عن استغرابه بقوله: فتراهم يسألون عن مصدر الخبر.. وعن حال الناقل وصدقه وديانته؟ وهذا إذا كان الخبر مما رآه الراوي وشاهده بعينه؟ فكيف إذا كان مما لا يدري هو عن حال مصدره وحقيقته؟
وأردف وإذا كانت الأخبار متعلقة بسمعة الناس وأعراضهم زاد الأمر أهمية وخطورة، وقد أسس المحدثون قوانين الرواية لحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب والخلل، وبيَّنوا سبل نقده، وتمييز صحيحه من سقيمه مما لم تعرفه الأمم السابقة، فلنا فيهم أسوة وقدوة حتى لا نظلم أحداً من الناس أو نصفه بما ليس فيه من صفات السوء.. وعلى الناس عموماً أن يتأكدوا مما يسمعونه من أخبار، فلا ينقلون من أخبار أو يتحدثون بقصص إلا بما وثقوا بصدقه وتأكدوا منه، فإذا كان من نُقِلَتْ عنه أخبار السوء ممن عُرِف بدينه واستقامته، ولم يثبت عنه قبل ذلك ما يشينه أو يؤثر في سمعته وسيرته، مثل ولاة الأمر، وأهل الخير من الدعاة والمحتسبين، ورجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لم يقبل القدح فيهم إلا ببينة ثابتة، فإن الطعن بهؤلاء، أو فيمن ولاه الله أمراً من أمور المسلمين؛ أميراً كان أو مسئولاً أو داعية أو محتسباً، والقدح في أعراضهم بما ليس فيهم، وغيبتهم كل ذلك مما لا يليق بمسلم يخاف الله تعالى ويرجو اليوم الآخر، ويُعدّ ذلك من الكذب والتخرص وقول الزور الذي نهى الله تعالى عنه، كما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا استبيحت أعراض أهل الفضل والتقى، وأصبحوا موضع سخرية، ومحلّ تَنَقُّصٍ، ورُموا بما ليس فيهم فكيف بحال بقية الناس وعامتهم!
وأردف : فإن دين الإسلام علّمنا أن نتثبت مما يصلنا من أخبار، وأن نبحث عن رواتها، ونفحص أحوالهم، وننقد أقوالهم قبل أخذها وتناقلها أو العمل بها، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا).. وفي قراءة صحيحة (فتثبتوا).. وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا).
وقال: فليضع كلٌ منا نفسه في موقع واحد من رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذين يتكلم في أعراضهم من لا خلاق له، فلو اتصل أحدٌ من الناس على زوجتك متهماً لك بالزواج من امرأة أخرى - وليس متهماً لك بالزنا - فما موقفك من امرأتك حينئذٍ؟ ألا تطلب منها التثبت والتأكد قبل ترك بيت الزوجية؟ ألا تقول لها: هل تعرفين هذا الذي اتهمني؟ وهل تثقين به أو بخبره؟ وهلا سألتيه كيف عرف ذلك إن كان صادقاً؟ وما دليله عليه؟ ألا تقول لأهلك: كيف تصدقين رجلاً لا تعرفينه، ولم يقدم دليلاً ولا إثباتاً على صحة خبره؟ وهل يقبل عاقلٌ خبرَ إنسان مجهولٍ؟ لا يُدرى عن حاله ولا اسمه، ولا يُعرف صدقه من كذبه!!
وقال وكذلك هنا، فكيف نقبل الطعن في عِرْضِ رجالٍ شرفاء - نعرف صدقهم وديانتهم واستقامتهم - بكلامٍ لا يُدرى قائله، ولا تُعرف ديانته، ولا صدقه أو شخصيته!! وإن كثيراً من الناس اليوم يصدقون كل ما يسمعون من أخبار - لا لصدق المخبر والناقل لها - بل لأنها توافق هوى في أنفسهم، فيتولون نشرها بكل سذاجة وكأنه لا يصيبهم شيءٌ من الإثم فيما اقترفوه! إن تقوى الله تعالى تلزمك أن لا تتكلم إلا بما تراه حقاً وعدلاً، وإلا كنت مشاركاً في الإثم، وقادحاً في عرض ذلك الذي نقلت الأخبار الكاذبة عنه، وأشعت عنه قصصاً باطلة أنت تعرف كذبها وزيفها..
وهذا الأمر ليس خاصاً بعرض أناس دون آخرين، بل يشمل الناس كل الناس، فليس لك أن تنقل أو تنشر من الأخبار إلا ما ظهر لك صحته، وثبتت عدالة ناقله وصدقه، فأعراض الناس حرام كحرمة أموالهم ودمائهم ولا فرق، فكما أنه لا يجوز لك أن تسرق مال آخر أو تهرق دمه فكذلك عرضه وسمعته وشرفه حرامٌ عليك هو الآخر أن تطعن فيه ولا تقل: سمعت هذا من الناس ولا أدري عن صحته فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع).
واختتم حديثه بالدعوة إلى ضرورة حفظ اللسان والقلم عن الكلام في أعراض الناس وقال: فلنعلم أن من تكلم في أعراض الناس بحق تكلم الناس في عرضه بالباطل كما قال أحد السلف رحمه الله تعالى.