نحن أمة لا تحتفل بماضيها أو تراثها أو مقتنياتها، كما يحتفل أو يهتم الأجانب، الاستهلاك لدينا سمة عامة، أما التراث أو القديم، فهو من شواذ القاعدة. البيت إذا مضى عليه ربع قرن، و طلبت ترميمه، ستسمع من يقول لك، الترميم أصعب من العمار، لأننا في الواقع لا نرمم بعلم أو تخطيط، إننا ندخل إلى ما نريد ترميمه، وكأننا داخلون على مغارة، كثيرة المنحنيات والمنعطفات، أما الأجانب فحتى الترميم لديهم يضعون له مخططا يلتزمون بتنفيذه. وهذا الحال ينطبق على أثاث المنزل، في الدول أو المجتمعات الأجنبية، ستجد مكاتب وطاولات وغرف نوم وسجاد، تحظى بعناية خاصة، تنظم وترمم وتلمع، وتأخذ أحسن الأماكن في المنزل، وعندهم لكل قطعة أثاث ذكرى، فهذا الكرسي جلس عليه الجد، وتلك الغرفة كانت من مقتنيات الكاتب أو الزعيم الفلاني أو نام فيها أحد جدود العائلة، أما السجادة فقد جلبت قبل مئة عام من جبال الأفغان أو من كاشان، ولديه خبرة في عدد العقد التي تتكون منها السجادة ونوعية الصوف ومكان الحياكة، معلومات وافية عن كل شيء في المنزل، أما نحن فإن أثاث المنزل كله قد يتم تغييره حسب الموضة أو حسب الألوان السائدة، فإذا دهنت الحيطان تعين تغيير لون الأثاث بما يتناسب معها وإذا رمم البيت أو تم الانتقال إلى بيت جديد تعين التخلص من محتويات البيت القديم، حتى يدخل الأهل إلى منزل كله جديد في جديد، مع أن الجديد يبدو أحياناً لامعاً وبراقاً لكنه مثل الزهور البلاستيكية لا روح فيه!!
وسوف تجد الولع بالتغيير في المنازل والمكاتب والعمائر، هناك منازل الآن تدخلها فلا تشعر أنك في البلد، الديكور لا يدل على ذلك، المناور، الشبابيك، الدهانات، الأعمدة، كلها مستوردة، ستجد في هذه المنازل البيئة الأوروبية والإفريقية والإغريقية والغوطية وحتى الفرعونية لكنك لن تجد بيئة الصحراء أو بيئة الجبال أو بيئة البحر العربي أو البحر الأحمر، وما تجده في المنازل ستجده في العمائر، حيث الحديد والألمونيوم والزجاج العاكس، وندرة المناور والشبابيك، عمارة منقولة من بلاد ليست بلادنا وبيئات ليست بيئتنا لأن من يخطط وينفذ غالباً من هناك عبر مسابقات عالمية لا دخل لهم بالأرض التي يبنون عليها ولا بالناس الذين يبنون لهم!
وإمعاناً في ولعنا بالتغيير، تجدنا نعمد بدماء باردة، على التضحية بالعديد من المعالم التي تعبر عنّا، لنغرس مكانها معلماً أو عمارة، بلا طعم ولا هوية ولا ملاءمة لا للأرض ولا للبيئة ولا لهوية البلد خذ الرياض الآن شرقاً وغرباً وخذ جدة أو الدمام وتفرج وتحسر على ما ترى شاهقات المباني التي ستتحول إلى قطعة من الجحيم عند انقطاع الكهرباء عنها لساعة واحدة وليس لساعات أو أيام، ادخل إلى منازلنا وسترى ما نراه في العمائر الفارهة من ضيق النوافذ أو مساقط الضوء أو كتل الأسمنت والحديد والألمونيوم كل هذا يحدث ونحن نملك تقاليد معمارية موغلة في القدم، موجودة في كافة مناطق المملكة، لكنها تحتاج إلى ابتكار معماري من أهلها لتجعلها قادرة على مواكبة العصر!
شاهدت في بلد أوروبي مطعماً من الخشب عمره ثلاثمئة عام، مغروس في أرقى الميادين وحوله من جميع الجهات عمائر على كافة الأشكال والألوان، سألت الجالس بجانبي مستغرباً: لماذا لا يكون هذا المكان مثل الأماكن المجاورة فنقل ما قلت للنادل الذي تغيرت سحنته وهو يقول: لا يجوز العبث بالآثار!
فاكس: 012054137