قائمة الإنشائيات التي تكتنز بها الكتب والمناهج المدرسية حول قيمة المعلم ودوره وآثره على الأجيال، كانت تتلاشى وتتفتت عندما تصل إلى الواقع فتبقى فوق صفحات الكتب المدرسية ولا تدخل أروقة وزارة التربية والتعليم سابقاً، فلا يباشرنا الواقع آنذاك إلا بمشهد يغيب دور المعلم كحقوق مع غموض في الواجبات.
بل كانت الصورة تتخبط بين طموحات خيالية داخل مشاريع تطويرية تبرز دور المعلم كضلع ثالث في العملية التعليمية، وبين إجراءات إدارية معقدة ومتلبكة صعدت من قضية المعلمين في السنوات الأخيرة لتتجاوز نطاق وزارة التربية والتعليم فتصبح قضية اجتماعية تصعدت لترتبط بالمشهد السياسي المحلي.
لا سيما أنها في لبها كانت تعكس أخطاء إدارية متراكمة في التخطيط والحس الابتكاري في المعالجة، داخل الوزارة انتقالاً إلى وزارة المالية والخدمة المدنية، فقد كانت الإجراءات التي تقارب بها هذه القضية تعكس سياسة اليد المقبوضة التي لا تقدم إلا الفتات، مع استثمار حاجة الخريجين من أبناء الوطن الماسة إلى وظيفة ومن ثم تعيينهم على مستويات أدنى مما سنته اللوائح والأنظمة، ويطوق جميع هذا تخبطات عاجزة عن الشعور بحاجات المواطن وحقوقه ومتطلباته، وعدم وضوح الرؤية لدى أصحابها على استقراء خطورة قضية المعلمين على عدة نواح ابتداء من الضغط الاجتماعي وانعكاسه على السياسي.
لا سيما أن قضية المعلمين صاحبها تصعيد إعلامي كبير، وجيشان شعبي كنا نسمع ونرى أصديته في المجالس، على مساحات واسعة من الشبكة الإلكترونية حيث ترتفع أسقف المناقشات بشكل كبير، مع عمليات مقارنة محبطة بين راتب خريج البكالوريوس السعودي، مقارنة بالمواطن في دول الخليج، ونية الكثير من المعلمين الهجرة إلى دول خليجية مجاورة بحثاً عن فرص وظيفية أفضل.
تلك الاختناقات كانت بحاجة إلى قرار سياسي وطني وكبير بقامة قرار خادم الحرمين عن استحداث ما يفوق 200 ألف وظيفة معلم ومعلمة وتحسين مستويات المعلمين والمعلمات، ولأن تنفيذ هذا القرار السامي كان بحاجة إلى طاقم تنفيذي قادر على أن يستوعب الرؤية التي يحملها أبو متعب بنفس العمق الوطني والرؤية الأبوية، فقد طوت الأسبوع الماضي وزارة التربية والتعليم جزءاً كبيراً من ملف ساخن لطالما كان له انعكاساته السلبية على أكثر من صعيد، وتم تحسين مستويات 189 ألف معلم ومعلمة لمستوياتهم التي يستحقونها. والبقية ستأخذ طريقها ومجراها.
الموضوع برمته لم يكن صناعة مركبة أسطورية لرحلة للمريخ، ولم يكن أخو للغول أو العنقاء كما حاولت أن تصوره إدارة الشؤون المالية والإدارية في وزارة التربية والتعليم التي تتكئ على أساليب ترجع للقرون الوسطي في تسيير شؤون البلاد والعباد. ......... القضية كانت إلى حس وطني وإخلاص ورغبة في تحقيق واجبات ومتطلبات المقاعد الوظيفية الفخمة التي يقبعون فوقها منذ الأزل.
وزارة التربية والتعليم تعلن ملامح حقبتها الجديدة... بمعلم ومعلمة نقف لهم احتراماً ونقدم لهم وافر التبجيل.