جدة - ماجد الحارثي:
تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، وعلى مدى ثلاثة أيام، انعقد في جدة المؤتمر الطبي الأول الذي نظمه قسم النساء والولادة بكلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز تحت عنوان (صحة المرأة على مر السنين).
وافتتح المؤتمر نيابة عن سموه مدير جامعة الملك عبدالعزيز الأستاذ الدكتور أسامة بن صادق طيب، ويهدف المؤتمر إلى مناقشة المشكلات الصحية المتعلقة بالمرأة مع تقدم العمر. وقد عقد المؤتمر بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية التي شاركت بأربعة متحدثين وباحثين في مجال صحة المرأة وتقدم العمر، ويحظى موضوع المؤتمر باهتمام جميع الدول والحكومات وذلك للزيادة المطردة للمريضات ضمن شريحة من هم فوق الستين، كنتيجة طبيعية للتقدم الطبي من ناحية وتناقص معدل المواليد من ناحية أخرى، وبالنسبة للمرأة وبالذات في البلاد الشرقية فهناك نظرة خاطئة تعتبر أن عطاء المرأة ينتهي بانتهاء عمرها الإنجابي، أي تقريباً بنهاية العقد الرابع من العمر، وحيث إن متوسط الأعمار الآن حوالي السبعين عاماً ويصل في البلاد المتقدمة إلى خمس وثمانين عاماً، وهو أيضاً المتوقع في بلادنا خلال السنوات القادمة، فإن السيدات قد يقضين ثلث أو ما يقرب من نصف عمرهن في إحباط نفسي واجتماعي. هذا بجانب ما قد يترتب على ذلك من نقص أو تناقص الهرمون الأنثوي (الايستروجين) من مضاعفات حيوية مثل هشاشة العظام وزيادة نسبة أمراض القلب وتصلب الشرايين، وغيرها من الأمراض التي تزداد فرصة ظهورها مع تقدم العمر.
من هنا جاءت أهمية هذا المؤتمر الأول من نوعه لبحث المشكلات الصحية والنفسية والاجتماعية للمرأة بعد انقطاع الدورة، وكيفية الوقاية من هذه المصاعب، بهدف إضافة حياة لسنين العمر، بإذن الله. من هنا كان هدف المؤتمر تعميق مفهوم الصحو ليشمل الصحو الجسدية والنفسية والعقلية.
وقد تتضمن المؤتمر عدد تسع جلسات، في كل منها حوالي أربع أو خمس محاضرات علمية، وتضمنت الجلسة الختامية وضع الخطوط العريضة للتوصيات، التي تشمل في الواقع، أكثر من خطة عمل تحتاج لتحقيقها مشاركة من قطاعات الدولة الصحية والاجتماعية، بجانب الجامعات ومراكز البحوث. وقد عرضت منظمة الصحة العالمية المساعدة بخبراتها وخبرائها للتعاون في تحقيق وتنفيذ هذه التوصيات.
والجدير بالذكر أن منظمة الصحة العالمية ممثلة في المكتب الإقليمي قد وضعت إستراتيجيه متكاملة للصحة مع تقدم العمر خاصة بالمنطقة العربية تمتد حتى عام 2115 ميلادي، كما بدأت فعلاً في تطبيق هذه الإستراتيجية في بلاد مجاورة مثل مصر ولبنان.
ويمكن إجمال توصيات المؤتمر في النقاط الآتية:
إنشاء قاعدة معلومات للمسنين: وتعتبر هذه الخطوة على درجة كبيرة من الأهمية حيث إنه من دون قاعدة معلومات متكاملة لا يمكن وضع خطة أو إستراتيجيه فعالة، ويجب أن تشمل هذه القاعدة معلومات إحصائية عن نسبة السيدات اللائي فوق الستين عاماً في الوقت الحالي والنسبة المتوقعة خلال العشرين سنة القادمة، ونسبة الأمراض وأسباب الوفيات بين السيدات، كما يجب أن تشمل عدد المؤسسات الصحية والاجتماعية المتوفرة لرعاية المسنين، والإمكانيات المتوفرة لدى كل منها سواء المادية أو البشرية المتخصصة، ومدى توافر برامج التعليم والتدريب الموجهة لرعاية المسنين في كليات الطب والمعاهد الصحية..
ويجب أن تكون هذه القاعدة البيانية على الشبكة العنكبوتية بحيث يمكن للمراكز المختلفة ذات الصلة بهذا الأمر الدخول إليها لتحديث البيانات أو الاستفادة منها.
التوعية الطبية والاجتماعية: هناك حاجة ماسة لتوعية الأطباء وبالذات أطباء النساء والولادة لأهمية دورهم في تثقيف المجتمع والسيدات، حيث إن معظمهن يراجعن أطباء وطبيبات النساء في مرحلة ما قبل انقطاع الدورة وقبل ظهور أي من المضاعفات المترتبة على ذلك. وتعتبر هذه فرصة جيدة للتوعية، فقد أثبتت الأبحاث أنه في هذه المرحلة العمرية يمكن تجنب كثير من الأمراض، وبالذات أمراض القلب وضغط الدم وهشاشة العظام والتي تشكل السبب الرئيس والأول للمضاعفات الصحية والوفيات، مع العلم أنه يمكن تجنبها بنسبة أكثر من تسعين بالمائة، وللأسف فإن كثيراً من أطباء النساء لا يعير هذا الجانب الدور المطلوب.
التوعية الاجتماعية للسيدات: تعميق مفهوم الصحة الوقائية بين أفراد المجتمع بصفة عامة والسيدات بصفة خاصة، والتأكيد على أن الحالة الصحية في مع تقدم السن هي النتاج الطبيعي للرعاية الصحية والوقائية في مراحل العمر المبكرة، وأن تعبير (إمراض الشيخوخة) قد يفهم منه خطأ أن الشيخوخة مرتبطة بالمرض، وهذا غير صحيح حيث أكدت الأبحاث أن الشيخوخة هي مرحلة من العمر تتميز بتراكم الخبرة والقدرة على العطاء المميز المتزن، وأن ما قد يظهر مع تقدم السن من إمراض تكون بدايتها في مراحل العمر المبكرة، ومع إهمال الوقاية والعلاج فإنها تتفاقم في سن لاحق.
إعلان مدينة جدة (مدينة صديقة للمسنين):
قرر المؤتمر العمل على إعلان مدينة جدة مدينة (صديقة للمسنين). ويتطلب هذا وضع خطة إستراتيجية تشمل توفير مراكز رعاية اجتماعية ووقاية صحية كافية، واستكمال قاعدة البيانات الخاصة بالمسنين، برامج توعية باستخدام جميع وسائل التواصل الاجتماعي المرئية والمسموعة والمقروءة مثل إصدار مجلة خاصة للسيدات المسنات، وتوفير وسائل ترفيهية ومناطق للسير وممارسة الرياضة المناسبة للعمر وغيرها من وسائل الرعاية. فقد أظهرت الأبحاث أن لتبني نمط حياة صحي ممثل في مكافحة العادات السيئة مثل التدخين، الغذاء الصحي، ممارسة الرياضة وغيرها دور هام في صحة الفرد والمجتمع ككل.
أبحاث موجهة: أظهرت الدراسات في مختلف أنحاء العالم أن أهم الأمراض الفتاكة للصحة مع تقدم العمر بنسبة تزيد عن 40% هي زيادة الوزن والسكر وارتفاع ضغط الدم، ويعرف هذا الثلاثي المرضى باضطراب الاستقلاب (Metabolic Syndrome) يلي ذلك هشاشة العظام (20%) ثم الأورام السرطانية وتشمل سرطان الثدي (4%). والجدير بالذكر أن وسائل الوقاية من كل هذه الأمراض أثبتت فعالية شديدة، كما بينت الأبحاث والدراسات، وبالتالي فهناك ضرورة أن تتبنى الجامعات ومراكز البحث العلمي وضع خطط بحثية أولاً لوضع خريطة وقاعدة بيانات لمدى انتشار هذه الأمراض في المجتمع السعودي بين السيدات في مرحلة ما بعد انقطاع الدورة، والعوامل المساعدة على انتشارها، وثانياً وضع الخطط اللازمة للوقاية والكشف المبكر، وسيتم ذلك بالتعاون مع خبراء من منظمة الصحة العالمية.
هذه كانت أهم التوصيات التي خلص إليها هذا المؤتمر الهام، والتي لا شك تشكل في نفسها مرحلة انتقالية لتعريف الشيخوخة ومفهوم الصحة بجوانبها الثلاثة الجسدية والنفسية والعقلية، وتدعو إلى تضافر الجهود القائمة في كل من مراكز البحث، والجامعات، ومؤسسات الرعاية الصحية، والتعاون مع منظمة الصحة العالمية ممثلة في المكتب الإقليمي، لوضع إستراتيجية مستقبلية مبنية على دراسة علمية للتعامل مع تزايد معدلات العمر كي يتمكن الفرد والمجتمع من الاستفادة الإيجابية من طول العمر بدلاً من تتحول إلى السنين إلى عبء مادي وصحي على الفرد والمجتمع.