نشرت جريدة الشرق الأوسط في عددها الصادر رقم (11099) يوم السبت 22 من ربيع الثاني 1430هـ، الموافق 18 من أبريل 2009م، مقالاً لمعالي الشيخ جميل الحجيلان سفير المملكة الأسبق في الكويت والأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية السابق بعنوان كانت (درة الخليج)، مشيراً إلى أنه (استقى هذا الوصف لعنوان مقاله مما كان مواطنو الخليج العربي يتحدثون به عن الكويت قبل خمسين عاماً).. وببراعة قلمه وحنكته السياسية استعرض معاليه أحوال دولة الكويت بعد إعلان استقلالها كأول إمارة عربية خليجية تعلن استقلالها في 19 يونيو 1961م، منهية بذلك معاهدة الحماية التي كانت تربطها ببريطانيا العظمى منذ عام 1899م.
وقد أتاح له تعيينه في 18 سبتمبر 1961م كأول سفير عربي للمملكة العربية السعودية تستقبله الكويت في عهد استقلالها الجديد، الفرصة التي مكنته من دراسة ومعرفة وضع الكويت من منظور سياسي ودبلوماسي خلال فترة عمله التي استمرت حتى مطلع عام 1963م لتعيينه أول وزير للإعلام في المملكة.
ونظراً لأن معاليه قد أعطى الموضوع حقه من منظور سياسي رأيت أنه قد يكون من الملائم التعقيب على مقاله والنظر إلى الشق الثاني من الموضوع وأعني به الجانب العسكري، حيث خدمت هناك ولمدة عامين في نفس الفترة التي قضاها معاليه في الكويت وتحديداً من عام 1961 إلى عام 1963م كأحد ضباط قوات أمن الجامعة العربية الرمزية التي تشكلت للذود عن الكويت وحمايته من تهديد النظام العراقي خلال فترة حكم الزعيم العراقي عبدالكريم قاسم.
في عام 1961م كنت أعمل قائداً لجناح الدورات ومدرساً لمادتي الإلكترونيات والنظريات اللا سلكية في مدرسة سلاح الإشارة بالطائف، حيث صدرت الأوامر العسكرية بنقلي للعمل في كلية الملك عبد العزيز الحربية قائداً لجناح الإشارة. وقد تم تعميدي بنفس اليوم بالسفر من الطائف إلى الرياض على متن طائرة النقل العسكري C130 التي غادرت مطار الطائف مساء ذلك اليوم الذي صدر فيه الأمر العسكري بنقلي إلى الكلية الحربية.
وقد باشرت عملي في الصباح الباكر من اليوم التالي لوصولي إلى الرياض وقضيت حوالي ساعتين في جناح الإشارة بكلية الملك عبدالعزيز الحربية وبينما كنت أسير مسرعاً بخطواتي العسكرية في أرض الطابور إذا بي أشاهد أحد جنود الشرطة العسكرية مهرولاً ومتجهاً نحوي يسألني فيما إذا كنت الملازم أول أحمد المالك فأجبته بنعم فسلّمني صورة من برقية قرأتها وعلمت من محتواها أن علي مراجعة قيادة سلاح الإشارة في وزارة الدفاع والطيران لوضع الترتيبات العاجلة لمغادرتي في نفس ذلك اليوم إلى الكويت.
اتجهت مباشرة إلى قائد كلية الملك عبدالعزيز الحربية لإطلاعه على صورة البرقية فضحك وقال لي أصل البرقية عندي وما عليك إلا أن تذهب مباشرة إلى قيادة سلاحك. خرجت من عنده واتجهت إلى قيادة سلاح الإشارة، حيث أخبرني قائد السلاح بأن علي أن أذهب إلى المطار لاستقبال وحدة الإشارة القادمة من الطائف التي ستكون تحت قيادتي وأن هناك في المطار توجد سيارات نقل كبيرة ستنقلني ووحدتي إلى قاعدة الإمدادات والتموين بالخرج لاستلام أسلحتنا وذخيرتنا وتجهيزاتنا العسكرية.
انصرفت مسرعاً إلى مطار الرياض وحال وصول طائرة النقل C130 من الطائف ونزول أفراد وحدة الإشارة استقللنا سياراتنا واتجهنا إلى قاعدة الإمدادات والتموين بالخرج، حيث تم استلام معداتنا ومن ثم عدنا إلى الرياض عند حوالي الساعة السابعة مساء، حيث كانت هناك فرصة لي للذهاب إلى منزل أخي معالي الدكتور صالح بن عبدالله المالك - رحمه الله - حيث كانت والدتي تسكن معه - رحمها الله - وكنت وزوجتي وابني وبنتي ضيوفاً عليهم بعد وصولنا ليلة البارحة إلى الرياض قادمين من مقر إقامتنا في الطائف. نقلت لهم خبر نقلي إلى الكويت وأني قد أتيت إلى المنزل في هذا الوقت الحرج لوداعهم، إذ إن الطائرة ستغادر إلى الكويت في تمام الساعة العاشرة من مساء ذلك اليوم.
اتجهت إلى المطار مودعاً والدتي وشقيقي وزوجتي وأولادي، حيث أقلعت الطائرة بنا في موعدها ووصلنا الكويت قبل منتصف الليل وكان بانتظارنا بالمطار ضباط سعوديون من الشؤون العامة وسلاح الإمدادات والتموين كانوا موجودين لاستقبال الوحدات السعودية القادمة للعمل ضمن قوات أمن الجامعة العربية لنتجه من المطار فوراً إلى مقر وحدتنا في القيادة الخلفية.
هذه المقدمة تعطي القارئ فكرة عن الطريقة التي تتم بها التنقلات العسكرية وسرعتها، حيث تم نقلي من الطائف إلى الرياض ومن ثم إلى الكويت في أقل من أربع وعشرين ساعة، وكنت أتلقى الأوامر العسكرية ككل العسكريين في الستينيات من القرن الماضي طاعة وتلبية وتنفيذاً للأوامر بحذافيرها.
كان يرأس قيادة قوات أمن الجامعة العربية آنذاك قائد من القوات السعودية نظراً لأن القوات السعودية تشكّل معظم قوات أمن الجامعة، وكان أول قائد لها هو اللواء عبدالله العيسى - رحمه الله - وجاء تشكيل قوات أمن الجامعة العربية كالتالي:
- مجموعة مقاتلة من القوات السعودية بوحداتها المساندة من المدرعات، المدفعية، المهندسين، الصيانة، الإشارة، الإمدادات والتموين، الشرطة العسكرية. وكان قد أُسْتُحدِثَ تشكيل المجموعة المقاتلة حديثاً في القوات الأمريكية وقامت القوات السعودية بتطبيقه في تشكيلاتها العسكرية، والمجموعة المقاتلة بوحداتها المساندة تزيد كثيراً في العدة والعدد على التشكيلات السائدة آنذاك المعروفة بالفوج أو الكتيبة. وكان قائد المجموعة المقاتلة المقدم حازم صبغة الله وهو من زملاء معالي الفريق علي الشاعر وزير الإعلام الأسبق وكلاهما من الرعيل الأول المتخرجين من الكلية الحربية المصرية.
- كتيبة مشاة من الأردن.
- سرية مهندسين وضباط للقيادة من السودان.
- سرية مهندسين ووحدة إشارة من الجمهورية العربية المتحدة (مصر - سوريا) انفصلت الوحدة فيما بين الدولتين أثناء وجودنا في الكويت.
باشرت عملي في اليوم التالي لوصولي إلى الكويت وكانت مهمتي التي كلفت بها تنحصر في التالي:
- توفير الاتصال السلكي واللا سلكي بين القيادة الخلفية وجبهة القتال وإنشاء محطات لاسلكية وسلكية في مواقع متعددة في جبهة القتال.
- توفير الاتصال اللا سلكي بين القوات السعودية وقيادة سلاح الإشارة في الرياض.
- التعاون مع الإخوة المصريين المسؤولين عن وحدة الإشارة المصرية للاتصال بين قوات أمن الجامعة العربية في الكويت والجامعة العربية في مصر.
كان مقر قيادة وحدة الإشارة في مدينة الكويت في منطقة تسمى (الجيوان) وكلمة الجيوان كلمة معربة تشير إلى الرمز (G1) ويرمز إلى (1) General Staff أي المسؤول عن الشؤون الإدارية.
وفي جميع القوات العسكرية في العالم نجد التقسيمات التالية:
J1, J2, J3, J4: G1, G2, G3, G4: S1, S2, S3, S4
وتعني S1 إلى S4:
STAFF1 إلى STAFF4 الرتب الصغيرة من الأركانات.
وتعني G1 إلى G4:
GENERAL1 إلى GENERAL4 الرتب الأعلى من ذلك من الأركانات.
وتعني J1 إلى J4:
JOINT STAFF1 إلى JOINT STAFF4 أعلى الرتب من الأركانات (المشتركة).
كما أن J1, G1, S1 تعني المسؤولين عن الإدارة.
J2, G2, S2 تعني المسؤولين عن الاستخبارات.
J3, G3, S3 تعني المسؤولين عن العمليات.
J4, G4, S4 تعني المسؤولين عن الإمدادات والتموين.
وهكذا أصبح مقر قيادة قوات أمن الجامعة العربية الخلفية في منطقة (الجيوانG1) أي في المنطقة التي كانت مقراً لهيئة إدارة القوات البريطانية أثناء الاحتلال البريطاني.
كانت المهمتان؛ مهمة الاتصال بسلاح الإشارة في الرياض ومهمة مساعدة وحدة الاتصال المصرية للاتصال بالجامعة العربية مهمتين سهلتين نسبياً؛ لأنهما كانتا عبارة عن أجهزة إرسال كبيرة وثابتة وعددها محدود جداً.
أما مهمة الاتصال بين القيادة الخلفية (منطقة الجيوان) والجبهة فكانت مهمة شاقة؛ إذ كان لزاماً علينا أن نغطي منطقة كبيرة بالأجهزة السلكية واللاسلكية، فقد كانت المسافة بين منطقة الجيوان (في الوسط) ومنطقة صفوان على الحدود الشمالية للكويت تبلغ (110) كيلومترات، أما المسافة بين شرق الكويت وغربها في أقصى الشمال فتبلغ (80) كيلومتراً، ومعنى هذا أن المسافة التي يجب أن تغطيها شبكة الاتصال السلكية واللاسلكية تصل إلى (110) كيلومترات بمواجهة (80) كيلومتراً، ومن حسن الطالع أن طبوغرافية الأرض سهلة؛ إذ كانت منبسطة فساعدت طبيعة الأرض وحدة الإشارة على القيام بمهمتها بتمديد الشبكة السلكية سواء سيراً على الأقدام أو باستخدام العربات، كما أن اختيار المواقع لأجهزة الإرسال والاستقبال لم تكن مهمة شاقة، وعلى الرغم من ملاءمة طبيعة الأرض إلا أنني لا أزال أذكر المعاناة التي عانيتها ومن معي من أفراد وحدة الإشارة من ضباط صف وجنود في إنهاء تلك المهمة الشاقة.
كانت المجموعة المقاتلة بصفة رئيسية عبارة عن وحدة مشاة ومن ضمن وحداتها المساندة فصيل اتصالات بقيادة الملازم ثاني محمد السميح. وعلى الرغم من أنه كان ضابط مشاة إلا أنه كان من الضباط الذين تشرفت بتدريسهم في مدرسة سلاح الإشارة مع مجموعة من الضباط من مختلف أسلحة القوات البرية، وكان من زملائه معالي الفريق أول الركن صالح بن علي المحيا رئيس هيئة الأركان العامة في الوقت الحاضر، كما كان هناك دفعات أخرى التحقت بمدرسة سلاح الإشارة للحصول على نفس دورة ضباط اتصالات وأذكر منهم أيضاً معالي الفريق أول الدكتور علي بن محمد الخليفة مدير عام مكتب سمو وزير الدفاع والطيران والمفتش العام في الوقت الحاضر.
لقد كان ضابط الاتصال في المجموعة المقاتلة الملازم ثاني محمد السميح وزملاؤه من ضباط الصف والجنود خير عون وسند لي في تأدية مهمتي في الخطوط الأمامية؛ إذ إن عملنا كان واحداً ومكملاً للبعض. وأستطيع القول بكل تأكيد إنه لولا توفيق الله ثم مساعدة الملازم السميح وزملائه لأصبحت مهمتنا في وحدة الإشارة مهمة شاقة.
أما الضابطان المصريان في وحدة الإشارة وكان أحدهما من دفعتي في الكلية الحربية المصرية وزميلي في الدورة التأسيسية والدورة المتقدمة في مدرسة سلاح الإشارة المصرية فكان عملهما مقتصراً فقط على الاتصال بالقوات المسلحة المصرية في مصر وفي جامعة الدول العربية، ولا أذكر أنهما قاما بزيارة للخطوط الأمامية إلا مرة واحدة عندما دعوتهما لزيارة قيادة وحدة الإشارة السعودية وتناول طعام العشاء معنا. ومن باب المداعبة أذكر أنهما عندما وصلا إلى خيمة قيادة وحدة الإشارة وبعد تناولهما القهوة والشاي، طلبت ضمن تنسيق وتفاهم مسبق مع من كان يحمل أقدم رتبة عسكرية من ضباط الصف السعوديين أن يحضر دون علمهما أربعة (ضبان) حيَّة ماسكاً في كل يد اثنين من رقبتيهما وأن يطرح السؤال التالي: يا ملازم أحمد هل ترغب بعد ذبحها أكلها مطبوخة أم دون طبخ؟
وعندما تقدم لي ضابط الصف وهو يحمل الضبان ووجه السؤال أجاب زميلاي المصريان بأنهما قد تناولا طعام العشاء قبل مغادرة الجيوان وأنهما يرغبان العودة حالاً إلى مقر القيادة الخلفية (الجيوان).
وعلى الرغم من الجهود المبذولة من وحدة الإشارة السعودية ووحدة الاتصالات في المجموعة المقاتلة لا أزال أذكر أن قائد المجموعة المقاتلة المقدم حازم صبغة الله (الحازم على اسمه) تقدم بشكوى إلى قيادة قوات أمن الجامعة العربية يشكو فيها من أن مستوى الإمدادات والتموين ومستوى الإشارة في الخطوط الأمامية على مدى شهر كامل (صفر). وقد شكل اللواء عبدالله العيسى قائد قوات أمن الجامعة العربية لجنة برئاسة رئيس هيئة العمليات التي كان يرأسها ضابط برتبة عقيد من القوات السودانية وعضوية الرائد عبدالله بن الشيخ (معالي الفريق أول عبدالله بن الشيخ مدير عام الأمن العام الأسبق - رحمه الله -) وعضوية ضابطين آخرين للتأكد من المعلومات التي تقدم بها المقدم صبغة الله عن سوء مستوى الإمدادات والتموين والإشارة. وفعلاً تم التحقيق مع المسؤول عن الإمدادات والتموين الرائد سليمان الماضي المتميز بالدقة والحرص والذكاء (اللواء متقاعد حالياً). وأذكر أنه عندما وجه رئيس اللجنة السوداني السؤال له من أن قائد المجموعة المقاتلة يَدّعي بأن الإمدادات والتموين منذ فترة شهر يساوي صفراً رد عليه المسؤول عن الإمدادات والتموين الرائد سليمان الماضي قائلاً: (البعارين) لا تستطيع أن تعيش شهراً بدون ماء أو طعام فلم يفهم العقيد السوداني ماذا يقصد بكلمة (البعارين) وبعد أن عرف المقصود انفجر ضاحكاً وقال أنت على حق.
أما أنا فكنت المسؤول عن الإشارة وعندما سألني طلبت من أعضاء اللجنة أن يقوموا بزيارة تفتيشية لمواقعنا في القاعدة الخلفية وللمواقع المتعددة في الجبهة وفعلاً تم تشكيل لجنة فرعية برئاسة المرحوم الرائد عبدالله بن الشيخ الذي كان يتميز بالموضوعية والحيادية حيث قام مع اللجنة الفرعية بزيارة ميدانية لمواقع وحدة الإشارة وبعد انتهاء مهمتهم أكدت اللجنة الفرعية بأن الأمور تسير على ما يرام.
كان عملي يتطلب التنسيق وخلق علاقات متميزة مع سلاح الإشارة الكويتي وكان قائد سلاح الإشارة آنذاك ضابط برتبة ملازم أول يدعى فهد الحقان، وقد نشأت بيني وبينه صداقة وطيدة وكان دائماً متعاوناً في كل ما أحتاجه من معدات وأجهزة سلكية ولا سلكية. قبل مغادرتي الكويت زرته في مكتبه مودعاً وشاكراً له جميع الجهود التي بذلها لمساعدتي وزملائي في أداء مهمتنا وتمنيت أن أراه وأرى الكويت في المستقبل القريب في وضع أفضل وأكثر استقراراً وأمناً، كما قمت بتقديم زميلي الضابط الذي استلم العمل مني وهو الملازم أول عبدالرزاق الرميح - شفاه الله - الذي قام بدوره بعد انتهاء مهمته بتسليم العمل لشقيقي الأصغر المرحوم علي بن عبدالله المالك.
ولم أصدق عيني عندما أتيت إلى استراحة المالك ذات مساء في أواخر عام 1990م ووجدت الأخ فهد الحقان متوسطاً مجموعة من أفراد أسرة المالك، حيث سألته كيف قدمت إلى استراحتنا فأخبرني بأنه تعرّف على ابن عمي علي بن حمد المالك الذي دعاه للتعرّف على أفراد الأسرة وتناول طعام العشاء معنا. وقد أخبرني أنه عندما غزا صدام حسين الكويت قدم إلى الرياض مع أسرته وأنه قرر البقاء في المملكة حتى تستقر الأمور ويستتب الأمن. وقضينا تلك الليلة معه نستعيد ذكرياتنا في الفترة 1961م إلى 1963م. ومن ضمن ما تحدثنا عنه كان عن محاولة الرئيس العراقي الراحل عبدالكريم قاسم احتلال الكويت عام 1961م وتكرار المحاولة من قِبل صدام حسين عام 1990م واعتبارها محافظة من محافظات العراق.
سألته: ماذا يعمل فأخبرني أنه يعمل في القطاع الخاص في الوقت الحاضر بعد أن ترك الخدمة العسكرية، كما سألني ماذا أعمل وأخبرته بأني أعمل نائباً لمحافظ مؤسسة النقد بعد أن تم نقلي بأمر ملكي من وزارة الدفاع والطيران إلى مؤسسة النقد وبالتالي تقاعدي من الخدمة العسكرية، فقال لي: إذاً ليس لك علاقة بما يدور في الكويت في الوقت الحالي وبما تقوم به القوات السعودية، فقلت له: بل لي علاقة مهمة ولكن هذه المرة ليست العلاقة في الجانب العسكري فأنا تركت القوات المسلحة عام 1980م وإنما علاقتي الآن تكمن بصفتي نائباً لمحافظ مؤسسة النقد وعضواً في لجنة تشكّلت من معالي أمين عام مجلس التعاون الخليجي السيد عبدالله بشارة والسفير الياباني السيد أوندا ومني للإشراف على صرف مساهمة دولة اليابان في حرب الخليج، إذ ساهمت اليابان تحت ضغط من الولايات المتحدة الأمريكية بمبلغ (12) مليار دولار تصرف على القوات المشتركة، وكان للولايات المتحدة الأمريكية من هذه المبالغ نصيب الأسد، وبما أن مؤسسة النقد تعتبر البنك المركزي فقد كانت كل العمليات المحاسبية والقيدية تتم فيها، ولهذا الغرض المحاسبي اخترت مساعداً لي من إدارة المراجعة والتدقيق في مؤسسة النقد هو المحاسب عبدالمحسن الفارس الذي قام بدوره خير قيام. وبعد انتهاء هذه المهمة قمت بمكافأته لجدارته بابتعاثه للولايات المتحدة الأمريكية للدراسات العليا والتخصصية على حساب مؤسسة النقد، حيث عاد وتقلد عدة مناصب حيث يعمل الآن مديراً عاماً لمصرف الإنماء.
لقد كانت مهمتي في الكويت أول تجربة ميدانية لي منذ تخرّجي من الكلية الحربية المصرية في أكتوبر 1958م، وعلى الرغم من أنه لم تحدث أي معركة مع الجانب العراقي أو حتى مناوشات إلا أنها لم تخل من الحرب النفسية؛ إذ كنا بتصنتنا على أجهزة الإرسال للقوات العراقية نسمع التهديد والوعيد من القوات العراقية بأن هناك هجوماً ما في وقت ما سيتم، وبالطبع لو تم الهجوم فمن الصعوبة بمكان أن تقوم قوات أمن الجامعة العربية الرمزية التي لا يتجاوز عددها تقريباً (4000) مقاتل بالتصدي أو مقاومة القوات العراقية التي كانت آنذاك من أقوى الجيوش العربية، ولا أذكر أن حياتي تعرضت للخطر أثناء خدمتي ضمن قوات أمن الجامعة العربية إلا أنه في إحدى الليالي كنت أقوم بمرور على مختلف مواقع وحدة الإشارة وفجأة لاحظت سيارة عسكرية تقترب من سيارتي وطلبت من راكبيها إعطائي (كلمة السر) في الوقت الذي هم أيضاً طلبوا مني (كلمة السر)، وقد أصر كل منا، حسب ما تعلمناه عسكرياً، بأن لا يقول للآخر (كلمة السر) أولاً، ولحسن الحظ أن ما كنت أعتقد أنه من القوات العراقية عرف صوتي وسألني: هل أنت الملازم أول أحمد المالك؟ فقلت له: نعم، فقال: أنا الملازم ثاني فهد الشبل، فشكرته إذ لو لم يميّز صوتي لانتهينا بتبادل إطلاق النار.
وعلى الرغم من أني حديث السن وصغير الرتبة آنذاك، إلا أني كنت دائماً أتفهم الموقف السياسي السريع الذي اتخذته جامعة الدول العربية دون الرجوع إلى الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو القوى الكبرى بإرسال قوات رمزية بسرعة فائقة إلى الكويت لمنع أو الحد من الاحتلال العراقي. ولقد كانت الفلسفة من وراء تلك السياسة التي اتخذتها جامعة الدول العربية أنه إذا كان هناك اعتداء على القوة الرمزية فهذا يعني أن هناك اعتداء على كل عضو من أعضاء الجامعة العربية.
لقد كان عدد قوات أمن الجامعة العربية، كما أسلفت في حدود (4000) فرد بقيادة حوالي (100) ضابط من مختلف الرتب العسكرية تشكل القوات السعودية حوالي (2700) منها، وكنت أحد هؤلاء الضباط الذين شاركوا كل في موقعه ومجال تخصصه وكنا نعمل كمنظومة واحدة وتنسيق وانسجام تحت قيادات متدرجة مدعومين من قيادة قوات أمن الجامعة العربية. والمجال في هذا التعقيب لا يسمح ولا يتسع لأن أتناول بالتفصيل ما قامت به كل وحدة عسكرية وقياداتها من عمل وإنجازات، وكنا كقوات سعودية نجد العون والدعم من وزارة الدفاع والطيران، حيث كانت طائرات النقل العسكرية من المملكة للكويت لا تتوقف حاملة كل ما تحتاجه القوات السعودية من مهمات ومعدات عسكرية، إلى جانب الزيارات المتكررة من كبار الضباط السعوديين في وزارة الدفاع والطيران لرفع الروح المعنوية للقوات السعودية في الكويت.
لا يفوتني وأنا أختم هذا التعقيب على مقال معالي الأستاذ جميل الحجيلان أن أؤكد بأني لا أؤرِّخ لأحداث جرت في فترة خدمتي لمدة عامين في الفترة 1961 - 1963م ضمن قوات أمن الجامعة العربية في الكويت، كما أني لا أدعي أن في مقالي هذا توثيقاً للأحداث فأنا لم أتحدث إلا عن دور وحدة الإشارة ضمن تلك القوة. وإن كان ضئيلاً فيما لو قيس بما قامت به المجموعة المقاتلة بوحداتها المساندة المتعددة من دور أكبر.
وبالطبع ففي نظري أن الشخص المؤهل والقادر على توثيق ما قامت به قوات أمن الجامعة العربية من دور هو قائد قوات أمن الجامعة العربية. وكما ذكرت أعلاه فالقائد آنذاك كان اللواء عبد الله العيسى - رحمه الله - الذي سلَّم القيادة من بعده لزميله اللواء عبد الله المطلق الذي تمت ترقيته بعد انتهاء مهمته وعودته إلى المملكة إلى رتبة فريق وتم تعيينه رئيساً لهيئة الأركان. إن معالي الفريق عبد الله المطلق - أطال الله في عمره - بصفته كان قائداً لقوات أمن الجامعة العربية يستطيع أن يوثِّق ويشرح بالتفصيل الدور الذي قامت به قوات أمن الجامعة العربية بمختلف وحداتها وتوزيعها في مختلف قطاعات الجبهة التي انتشرت فيها.