حتى الدول الكبرى يختل مؤشر التوجيه لدى إداراتها الحاكمة، ولأن هذه الدول مؤثرة وصاحبة قرار يؤثر سلباً أو ايجاباً على شركائها على كوكب الأرض فإن اختلال مؤشر التوجيه أو ميزان الحكم على الأمور لابد أن يؤثر على هؤلاء الشركاء.
هكذا أدى اختلال مؤشر الإدارة الأمريكية في فترتي حكم الرئيس جورج بوش الابن؛ إذ انحرف مؤشر التوجيه خاضعاً لتوجهات فكر المحافظين المسيحيين الجدد الذين يؤمنون بآراء وأفكار هي أقرب ما تكون إلى أفكار المتطرفين والمتشددين في الديانات الأخرى.
وهناك روابط فكرية وحتى دينية بين المتشددين اليهود وغلاة المحافظين المسيحيين الجدد وخاصة رجال الدين منهم.
المهم، انحراف ميزان التوجه والمؤشر الاستراتيجي للسياسة الأمريكية في عهد بوش أحدث متغيرات كبيرة ليس على الواقع الأمريكي فحسب، بل تعداه إلى العالم أجمع، وشمل كل الأصعدة والنشاطات الانسانية السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية.
اقتصادياً انهار الاقتصاد الأمريكي لتنتقل الانهيارات إلى اقتصاديات العالم أجمع وخاصة أقرب حلفاء أمريكا، الإخوة الأوروبيون، أما سياسياً فيكفي الكره الشديد الذي يشعر به أغلب البشر تجاه أمريكا، حيث تدنت صورة أمريكا سياسياً ووصلت إلى الحضيض، حتى الأشقاء الأوروبيون الذين يحفظون لأمريكا دَيناً أخلاقياً وأدبياً، فالأوروبيون لا ينسون فضل أمريكا عندما هبت لمساعدتهم في الحربين العالميتين، ثم ساعدت أوروبا على بناء اقتصادها، وأخيراً حمتها من (إمبراطورية الشر) في الحرب الباردة.
ومع هذا كره بعض الأوروبيين أمريكا وحاكم أمريكا آنذاك جورج بوش.
أما نحن العرب والمسلمون فحدِّث ولا حرج، ففي عهد بوش غزت القوات الأمريكية أراضي عربية وإسلامية واحتلها ولا تزال (جُزَم الجنود الأمريكيين) تدنس أراضي دولة عربية وأخرى إسلامية، والمحافظون الأمريكيون حاولوا أكثر من مرة التحريض والتهجم على دول عربية وإسلامية كبرى، إلا أن المصالح الأمريكية الكبيرة أوقفت مغامراتهم.
الآن يحكم أمريكا إدارة جديدة.. وفكر جديد.. والحاكم الجديد وإدارته ومن خلال الفكر الذي يسير يحاول إصلاح مؤشر التوجيه السياسي والاستراتيجي وتعديل ميزان التوجه.. الرجل وإدارته جادون في تحقيق الإصلاح داخلياً وخارجياً، وقد بدأت نتائج الإصلاح تظهر خصوصاً في المجالين الاقتصادي والسياسي، ومع أن الهم الثاني ونقصد به السياسي وبالذات الدولي المتعلق بنا نحن العرب والمسلمون لا يزال يراوح في خانة (العلاقات العامة) حيث لم تصدر عن الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة باراك أوباما إلا إشارات لفظية وتطمينية، إلا أنها مؤشر طيب وإيجابي، كعزمه مخاطبة الوطن العربي عبر نافذة مصر عندما يزورها الشهر القادم.
وهذه الإطلالة وفتح الحوار الإيجابي مع العرب نأمل أن تكون مجدية خصوصاً إذا ما رافقتها مبادرة جادة وحقيقية لإعادة الحقوق المسلوبة والشرعية للشعب الفلسطيني.