في الثلاثين من أكتوبر عام 1938م بثّت إذاعة أمريكية قصة تمثيلية لمدة ساعة عن كائنات فضائية من المريخ تغزو الأرض. وكان ثلثا القصة عبارة عن نشرات إخبارية تنقل أحداث الغزو الفضائي! هذه الحلقة التمثيلية أثارت الهلع في نفوس المستمعين الأمريكيين، لدرجة أن عدداً كبيراً منهم هرعوا إلى الشوارع في حالة هستيرية بحثاً عن مفر!. هذه الحادثة التاريخية الشهيرة كانت وراء نشوء نظرية إعلامية تسمى الرصاصة الإعلامية، وتؤكد أن تأثير الإعلام في المتلقين مباشر وفوري وقوي!. وبطبيعة الحال تبعت هذه النظريات نظريات تفندها وأخرى تدعمها إلى حد ما وجميعها تدخل في إطار نظريات التأثير الإعلامي.
ونحن في المملكة نتذكر إبان الغزو العراقي للكويت في مطلع تسعينيات القرن الماضي كيف أن الإعلام خلق حالة من الهلع بسبب ما سمي بالأسلحة الكيماوية، فما إن انطلقت صافرات الإنذار الأولى حتى فر عدد كبير من الناس إلى منازلهم وأقفلوا الأبواب والنوافذ باللاصقات خوفاً من الكيماوي!. ولكن الله سلم.
ونحن اليوم نمر بحالات شبيهة وإن كانت بدرجة أقل؛ فالأخبار المتواترة عن إنفلونزا الخنازير أشاعت القلق في العالم، ليس بسبب الإنفلونزا نفسها، ولكن بسبب الأخبار المنشورة عنها وخاصة التلفزيونية منها. وفي الشأن المحلي ترد أخبار حول زلزال محتمل في منطقة المدينة المنورة، ولا شك أن ذلك يثير القلق، وقد يكون القلق أكبر بكثير مما يتطلبه الأمر.
فالإعلام قد يخلق حالة من الهلع في جمهور المتلقين، خاصة إذا كانت الظروف الاقتصادية أو البيئية أو الأمنية سيئة؛ لأن مثل هذه الظروف تشيع جواً من التشاؤم، وهذا النوع من الأجواء بيئة خصبة للقلق من أي شيء!. ففي حادثة القصة الإذاعية التي بثت في أمريكا نجد أنها بثت في ظل كساد اقتصادي كبير استمر سنوات!.
وإزاء هذه الحقائق الإعلامية يفترض في المتلقي ألا يبالغ في القلق، ولكن في الوقت ذاته يلزم الحذر؛ فالحذر أمر مطلوب في جميع الأحوال، ودافع نحو السلامة بإذن الله، في حين أن القلق حالة نفسية سيئة تثير الاضطراب والتشويش وتشل الحركة، وتدفع نحو التخبط ومن ثم الوقوع في الخطر؛ فنعم للحذر ولا للقلق!.