لما هو آتٍ في فمها ماء, فدلقته..! د. خيرية إبراهيم السقاف
في المجلس الذي جمعنا.., بدأت كالمملوء فمها بالماء..، لاحظت ذلك وتوقعت منها الإفضاء، إما بموضوع عام ستطرحه بين الجالسات للنقاش، أو ستسر به لمن تشاء، فإن فعلت الأول فلعله همّ عام، وإن نحت للثاني فلا بد أن الأمر يثقل على صبرها، وحدث الذي توقعت، إذ انبرت قائلة بعد أن مهدت للموضوع.. مشيرة إلى أنها تنتهز وجودي بينهن لتقول ما تريد رغبة منها في أن أتناوله في مقال، فالأمر يخرج عن نطاقها الشخصي ليصبح ظاهرة، تقول: (ارتفعت أثمان كل شيء ولعل أهم ما يحتاج إليه الإنسان هو السكن الذي يؤويه، وباختلاف أنظمة وعادات الناس لم يعد الأبناء حين يتزوجون وتصبح لهم أسرهم وأبناؤهم يعيشون في بيوت آبائهم، بل حتى إن شاءوا لحاجة عسر فإن بيوت آبائهم لم تعد تلك التي تستوعب أعداداً من الخلف لعديد من الأبناء، ثم إن اتساع المدن وتباعد مرافق الصحة والتعليم والأعمال تحتاج إلى مواصلات وليس الجميع قادراً على اقتناء عربات وإن اشتريت مستعملة فتكاليف صيانتها الدائمة مكلفة للطبقة الوسطى فما بال الفقيرة، لكن أمر اقتناء السكن وهو الأهم يشمل جميع الشباب باستثناء أبناء الأغنياء والتجار، فالأراضي غلا ثمنها والبيوت أصبحت بالملايين وشروط القروض ليست متاحة لكل المحتاجين، بل دخولهم قد لا تفي لمواجهة السداد، والآباء يفكرون في مصائر سكن أبنائهم، والأبناء يتعثرون بين رغبة في الحياة المستقلة وفتح بيوت خاصة ولو على زهادة، وبين العجز أمام سلم الأثمان، وأشارت السيدة لنقطة مفصلية حين قالت: لا يُوجد بيت الآن ليس فيه كل إن لم يكن جل الأفراد مقترضين من البنوك، فمن يحصي هذا الأمر سيتأكد مما أقول.. الآن أبناؤنا يعملون ويسكن بعضهم معنا، لكنهم لا يزالون يعجزون عن توفير متطلباتهم بالصورة المُرضية، لأن دخولهم لا تفي، لكنهم لا يحلمون ببيوت خاصة يملكونها، حتى الإيجارات مرتفعة..)..
تبارت الجالسات في التأييد، ومن ثم في طرح مقترحاتهن، قالت إحداهن: ماذا لو وضعت وزارة المالية ميزانية لتمليك كل فرد بيتاً بمواصفات مقننة يكون من أولوياتها أن تناسب عدداً من السكان لا يقل عن ثمانية، وتُقسط دفعها على مدى بعيد تتيح فيه للجميع وتحديداً الشباب الحصول على منزل، وقالت الأخرى: أو تشكّل لجنة لدراسة آلية مفيدة تيسر للجميع امتلاك سكن مناسب، بينما أخرى أشادت بالفكرة، وتداخلن في طرح مواقف الحياة وصعوبتها للشباب حين ينخرطون في الحياة بكل متطلباتها، فيواجهون الحاجة: للعمل مصدر الرزق، وللمنزل مأوى السكن، وتأتي بعدهما بقية الاحتياجات...