|
الصناديق الأسرية التعاونية، التي انتشرت بين أبناء الأسر السعودية، حظيت باهتمام كبير من أبناء المجتمع لما فيها من تعاون وتعاضد وتكاتف وصلة بالأرحام، وأن يفيض الغني بما حباه الله من أموال على أبناء أسرته الفقراء، وهو الذي يقوي روح الأخوة، وينعكس إيجابياً على المجتمع.(الجزيرة) استضافت عددا من المشايخ والمختصين ليتحدثوا عن دور الصناديق الأسرية اجتماعياً، وكيفية تفعيلها؟ فماذا قالوا؟!
|
|
الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس إمام وخطيب المسجد الحرام وعضو هيئة التدريس بقسم الدراسات العليا بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، أكد على أهمية صلة الأرحام، وأنها من ركائز الفضائل، ومن أبواب الخير، مطالباً بغرس قيم التضامن والتعاون والتكافل بين أفراد الأسرة الواحدة وإنشاء صندوق الأسرة حتى تتمكن الأسرة من تقديم الدعم للفرد المحتاج من الأسرة وتقديم الكثير من التسهيلات لأبناء الأسرة الواحدة.
|
وقال: إن صلة الرحم حق طوقه الله الأعناق وواجب أثقل الكواهل وأشغل الذمم، يقول الله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا}، وجعل صلة الرحم بعد التقوى من الله تعالى فقال عز وجل: {وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، ولعظم صلة الرحم ولكونها من أسس الأخلاق وركائز الفضائل وأبواب الخيرات فرضها الله في كل دين أنزله، قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}، وفي حديث عبدالله بن سلام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أول مقام بالمدينة: (أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أمره فليصل رحمه)، وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سره أن يمد له في عمره ويوسع له في رزقه ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه). وأكد د. السديس أهمية إنشاء الصناديق الأسرية في المجتمع، ومن أهم أهداف إنشاء الصندوق الأسري:
|
1- تحقيق التكافل بين أبناء الأسرة والسعي في كل ما من شأنه التواصل والتراحم.
|
2- مساعدة المحتاجين من أفراد الأسرة والذين يواجهون طوارئ كالديون والحوادث والكوارث والحريق.
|
3- تقديم المساعدات للمحتاجين من أفراد الأسرة كالأيتام والأرامل والفقراء والمعاقين ورعايتهم.
|
مساعدة غير القادرين من شباب الأسرة على الزواج بإعطائهم منحاً وقروضاً مناسبة.
|
5- إقامة حلقات التواصل والتعاون ومد جسور التكافل بين الأغنياء والفقراء.
|
6- إذكاء روح التعارف والتآلف بين الجميع في بعد عن مسالك القطيعة والجفاء وتقوية أواصر المحبة بين أفراد الأسرة الواحدة.
|
7- تقوية الإحساس وتنمية الشعور لدى أفراد الأسرة بأن لهم مرجعاً بعد الله عند احتياجهم.
|
8- العمل على كل ما من شأنه رفع مستوى أفراد الأسرة من كافة الوجوه والنواحي قدر الطاقة.
|
|
أما د. عبدالرزاق بن حمود الزهراني أستاذ الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ورئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية فقال: صلة الأرحام من أبرز سمات النظام الاجتماعي في الإسلام، وقد جاءت التأكيدات عليها في القرآن الكريم والسنة المطهرة، قال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}، وجاء في حديث قدسي (من وصل رحمه فقد وصلني)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من أراد أن يبارك الله له في رزقه، وينسأ له في أجله فليصل رحمه)، ولكن مما يؤسف له أن عصر الاتصالات والمواصلات وعصر الوفرة أدى إلى قطيعة صلة الأرحام إلا من رحم الله، يحدثني أحدهم قائلاً: لي أخت كبيرة في الرياض وكنت آتي من الجنوب لزيارتها مرة كل شهر، ثم انتقل عملي إلى الرياض فوجدت أنه يمر أشهر قبل أن أراها، وفي تصوري أن الفرد يرتبط بالآخرين بقدر حاجته لهم، فقديماً كان الناس مترابطون لحاجتهم إلى بعضهم مادياً ومعنوياً، ولذلك تجد البيوت متلاصقة، وتجد الناس يفزعون لبعضهم في الأعمال المختلفة، ويقضون مع بعضهم كثيراً من أوقات الفراغ في تبادل الأحاديث والمسامرة، أما اليوم فكل فرد لديه مرتبه، أو دخله الشهري قل أو كثر، ولديه وسائل الترفيه المختلفة، وأدوات التنقل السريع، ومن أجل ذلك ضعف التواصل بين الأرحام والأقارب، ولهذا لا بد من التفكير في آليات للتواصل بين الناس، وخاصة بين ذوي الأرحام، والذين قدموا للمدن من قرى معينة، ومن ذلك الاجتماعات الشهرية في الاستراحات، والانضمام إلى دوريات يتم الاجتماع فيها بصورة أسبوعية أو بعد عدد من الأسابيع، أو كل شهر، وتعتبر الصناديق التعاونية من أبرز الآليات لتقوية صلة الأرحام، فنحن نعلم أن قدرات الناس المالية ليست واحدة، وكم من إنسان يود الزواج ولكن لا يملك تكاليفه، وكم من إنسان لديه مريض ولا يملك المال الكافي لمعالجته، ولهذا تعتبر تلك الصناديق من الجسور التي تقوي العلاقة بين أفراد الأسرة، وتساعد على القضاء على المشكلات الاجتماعية الناجمة عن العجز المالي، وهذا يتفق مع ما جاءت به الشريعة الإسلامية من حث على صلة الأرحام من جهة، وتحميل العاقلة مسؤوليات معينة في مواقف كثيرة على قاعدة الغرم بالغنم، وقد يكون التأمين بصورته المختلفة بديلاً لتلك الصناديق في كثير من الحالات، وخاصة ما يتعلق منها بحوادث السيارات، ومن هنا يمكن أن تسهم الصناديق الأسرية في دفع تكاليف التأمين لمن لا يقدر على دفعه، وفي الصناديق الأسرية بالإضافة إلى ما تقدم تنشئة للجيل الجديد على البذل والعطاء، ومعرفة الأرحام في سن مبكرة، ومعرفة أن لهم حقوقاً وعليهم واجبات تجاه بعضهم بعضاً، فكثير من الصغار قد يبلغون الحلم وهم لا يعرفون أن لهم أقارب هنا أو هناك، وقد يكونون مقيمين في منطقة واحدة، وأحياناً في مدينة واحدة.
|
رابطة اجتماعية بنظرة شرعية
|
وتوضح الأستاذة سماهر بنت عبدالله الشاهين - رئيسة شؤون الموظفات والمتابعة بكلية المجتمع بالأحساء، أن الصناديق الأسرية انتشرت خاصة في الآونة الأخيرة بشكل مطرد وذلك لما التمس لها من أثر واضح على الأسر المنشئة لها خاصة وعلى المجتمع عامة بما يعكس صورة المجتمع المسلم المترابط، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى}، وقوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد)، فنرى أنها ساعدت في تقوية وشائج القربى وصلة الأرحام مما جعل بعضهم يتفقد حال بعض وبذلك تكون النظرة والرؤية قريبة وواضحة وجلية لمعرفة حالهم وتميز غنيهم من فقيرهم وتلمس حاجته فيحس القريب من قريبة الإحسان والمواساة والإعانة كما أتاحت الاتصال والتعاون بين أفراد الأسرة الواحدة الممتدة والمتباعدة فأصبحت جنباً إلى جنب قلباً وقالباً. كما أنها مهدت طريقاً للتكافل بين إفراد وجماعات تلك الأسر ومد يد العون والتخفيف من الأعباء المالية وتحقيق التوازن المعيشي وإعانتها على القيام بدورها الأسري وتقوية روابطها، وتماسكها باعتبار أن الفقر والحاجة الشديدة من مسببات التفكك الأسري، ولا شك أنها أدت دوراً بارزاً في تأكيد للواجب وإحياء للسنة وغرس لفعل الخير ومحبته لدى الأبناء كما قال الشاعر المعري:
|
وينشأ ناشئ الفتيان منا |
على ما كان عوده أبوه |
ومَا دانَ الفَتى بحِجىً وَلَكِن |
يُعَلّمُهُ التَدَيُّنَ أَقرَبوهُ |
وبإنشائها ودعمها وتفعيلها تطبيق لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (صدقتك على ذي القرابة صدقة وصلة)، مما يكون لها أثر بالغ في تعميق شعور الانتماء مما يزيد التواصل والمحبة ومعايشة الآخرين والإحساس بهم ومد يد العون مما يجعل له الأثر في تحسن معيشتهم ونظرتهم للحياة وبما يبرز سماحة الدين الإسلامي وقوة روابطه، كما أنها ساعدت في تقديم الدعم المالي والتسهيلات وسدت من العجز وساندت المجتمع في تلمس حاجة أبنائه ووقفت جنباً إلى جنب مع الجمعيات الخيرية في سبيل تحقيق الاكتفاء الذاتي للأسر ومواجهة الاحتياجات الطارئة وإصلاح ذات البين وإعانتهم على القيام بدورهم وليسد بها صاحب الحاجة حاجته ويستزيد المساهم والمعطي لها من الأجر والمثوبة، فالمساهمة فيها ودعمها يحقق التكافل بشتى صورة خاصة إذا قدمت من تربطه بهم رابطة الدم وهذا يصدق عليها قول المثل (حلات الثوب رقعته منه وفيه)، وإذا نظرنا إليها من إطار أوسع قد نجد لها أكثر من باب من أبواب الخير وأثار تمتد إلى الأجيال اللاحقة.
|
|
وتناول الأستاذ يوسف بن سليمان العمري تجربة أسرته في إنشاء الصندوق الأسري قائلاً: لا شك أن التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة سبب في تقوية الأواصر وزرع المحبة والترابط وصلة الرحم كما ورد في الحديث الشريف: (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأجل مرضاة للرب).
|
ومن هذا المنطلق الإسلامي دأب الكثير من الأسر في بلادنا الغالية على حث أفرادها على التلاحم والتواصل في ظل دولتنا الرشيدة التي ينعم الجميع فيها بالأمن والاستقرار وكان لأسرتنا على سبيل المثال جهود كبيرة في هذا السبيل، فقد عرفت أسرتنا ولله الحمد بخصال حميدة منها صلة الأرحام والتعاون على البر والتقوى فيواسي غنيهم محتاجهم ووقوف بعضهم مع بعض في السراء والضراء وربوا أبناءهم على ذلك.
|
ولما للصناديق الخيرية من أثر في زيادة الترابط والتلاحم وصلة الرحم رأى عدد من أبناء الأسرة تأسيس صندوق خيري باسم الأسرة عام 1408هـ، وقد قوبل تأسيسه بترحاب كبير وقام المؤسسون باختيار هيئة دائمة للصندوق، فتمت الكتابة للموسرين من أبناء الأسرة العمرية بطلب دعمهم وتحديد اشتراك سنوي على كل قادر ذكراً كان أو أنثى، وتسابق الجميع في تسديد اشتراكاتهم، ودفع الموسرون مبالغ طيبة فكانت بداية مشجعة لنشاط الصندوق، وزادت الاشتراكات، وزاد الدعم، وكثرت مسؤولياته، وعم خيره الأيتام والأرامل ومساعدة المتزوجين والمحتاجين م ن أبناء الأسرة، فالأقربون أولى بالمعروف فالصدقة على ذوي القرى صلة وصدقة، وهذا من أهداف الصندوق الذي تأسس من أجلها، وكانت نتائج قيام الصندوق باهرة، فقد أذكى روح المحبة والاتصال بين أفراد الأسرة، وشجع على صلة الأرحام فزاد التواصل بين الموسر والمحتاج، وتوثقت الصلة بين أبناء الأسرة، فتعرف الجميع على عناوين الآخرين ومقار عملهم وأنشطتهم التي يزاولونها وكثرت اللقاءات بينهم وزاد حضورهم لمناسبات إخوانهم وشاركوهم في أفراحهم وأتراحهم وقدموا يد المساعدة للمحتاجين من الأيتام والأرامل ومحدودي الدخل، وساعدوا راغبي الزواج من الشباب سواء عن طريق الصندوق الخيري أو تقديم المساعدات مباشرة لكن الصندوق كان له الدور الكبير في التعرف على المحتاجين وتقديم المعلومات الكاملة عنهم مثل حالتهم المادية والاجتماعية، ومكان إقامتهم، ودرجة حاجتهم للمساعدة.
|
من كل ما تقدم نجد أن الصندوق كان له الأثر الكبير والظاهر للعيان في توثيق عرى التواصل بين أبناء الأسرة وكان من نتائج ذلك أن قررت الأسرة أن يكون هناك لقاء سنوي يلتقي فيه جميع أفراد الأسرة المنتشرين في أنحاء المملكة حيث عقدت عدة لقاءات في كل من الرياض وبريدة ابتداء من عام 1427هـ، وأصدرت الأسرة مجلة سنوية باسم العائلة أشرف على تحريرها نخبة من أبناء الأسرة القادرين على القيام بمثل ذلك العمل، وقد ظهر العددان الأول والثاني وكانا مثار إعجاب من اطلع عليهما وقد ألقت المجلة الضوء على إسهامات أبناء الأسرة في خدمة الدولة والوطن حيث تبوأ عدد من أبناء الأسرة مناصب عليا في القضاء والسلك الدبلوماسي وفي ميدان الإعلام والتعليم والطب وفي الميدان العسكري و مختلف قطاعات الدولة بإخلاص وتفان. ومن ثمرة صندوق الأسرة أن برزت الحاجة إلى معرفة عناوين أفراد الأسرة وأماكن وجودهم فانبرى الأستاذ عبدالمجيد بن محمد العمري فأعد دليلاً للهاتف يضم هواتف وعناوين الجميع مما سهل على تنمية التواصل مع تخصيص هاتف جوال يتم عن طريقة تزويد أبناء الأسرة بكل جديد من الأخبار في الأفراح والأتراح، وهي ثمرة تضاف إلى ثمرة الاجتماعات السنوية، وتمشياً مع الحديث الشريف (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم).
|
ومن فضائل الصندوق الذي ترتب عليه ما سبق رأي الإخوان تشجيع المتفوقين من أبناء الأسرة سنوياً حيث تبنى أبناء الشيخ صالح العمري إيجاد جائزة باسم والدهم تقدم لكل طالب أو طالبة من أبناء الأسرة حصل على تقدير 95% فأكثر من الدرجات في مختلف المراحل الدراسية، وكذلك في مختلف المجالات خاصة خدمة الوطن والأسرة.
|
إن تلك الأنشطة والفعاليات واللقاءات والتواصل، وزيادة التراحم والتعارف، كل ذلك كان بتوفيق الله، ثم البذرة الطيبة لصندوق الأسرة الذي كان له بالغ الأثر في توثيق الصلة بين أفراد الأسرة وزيادة التعارف بينهم وتفقد أحوال بعضهم فالصناديق الأسرية لها الدور الكبير في سبيل التكافل والتعاون وهذا ما لمسته من أثر كبير عاد على أسرتنا بالخير ولم الشمل وفي روح التراحم والترابط والمحبة وزرع تلك الصفات الحميدة بين شباب الأسرة، وكان لوجود الصناديق تلك الآثار المباركة في خدمة الأسر وقد وقفت على تلك الآثار للصناديق عن كثب بصفتي واحداً ممن أسهم في تأسيس أحدها ولمس تلك النتائج الطيبة لها، فجزى الله خيراً كل من ساهم في تأسيس صندوق أو دعمه.
|
إنني حينما أتطرق لهذا الموضوع، لا أتطرق إليه من باب الخيلاء والفخر بما قدمته وتقدمه الأسرة لأفرادها ومجتمعها، ولكنها أعمال ايجابية، وتجارب مفيدة، رغبت في أن تعم فائدتها حينما تسعى جميع الأسر إلى التواصل واللحمة وجمع الكلمة، ليكونوا أعضاء صالحين في مجتمعهم ووطنهم، يخدمون دينهم ووطنهم في ظل هذا الوطن المعطاء، كما أنها فرصة لأن أوجه سؤالي الخاص لوزارة الشؤون الاجتماعية بتفعيل موضوع الصناديق العائلية، وتنظيمها وفقاً لما رآه مجلس الشورى الموقر.
|
|