الدمام - فهد الشويعر
بعد أن انهت قافلة الإعلام السياحي الخامسة جولتها في منطقة الأحساء التي زارت فيها معظم المعالم السياحية التي يندهش من جمالها الرباني كل زائر، توجهت بعد ذلك القافلة براً عبر باص (سابتكو) إلى مدينة الدمام لتكمل زيارتها للمنطقة الشرقية محمَّلة بأكثر من ثلاثين إعلامياً من مختلف وسائل الإعلام المقروء والمرئي والمسموع، وحطت القافلة رحالها في فندق الشيرتون الدمام لتبدأ الرحلة من جديد لاستكشاف المعالم السياحية الظاهرة والبعيدة عن أنظار سياح المنطقة الشرقية فكان من بين تلك المواقع التي زارتها قافلة الإعلام السياحي:
جزيرة (جنة)
توجهت لها القافلة عن طريق مدينة الجبيل الصناعية وهي تقع على الشاطئ الشرقي من الخليج العربي على بعد 35 كلم شمال مدينة الجبيل ويفصلها عن الساحل 1.5 كلم حيث تجمع الإعلاميون في زورقين صغيرين متلهفين لمشاهدة جمال الجزيرة الرباني المتنوع في مساحة تقدر بأكثر من 7 ملايين متر مربع، يقطن في الجزيرة عائلة المجدل من بني خالد منذ أكثر من ثلاثمائة عام ويبلغ عدد سكان الجزيرة قرابة 1000 نسمة وعدد المنازل أكثر من 75 منزلاً ويوجد بها ثلاثة مساجد وجامع ومصلى للعيد وأربع مقابر.. تمتاز (جنة) بإستراتيجية موقعها ومناخها المعتدل فهي تجمع بين المسطحات الخضراء في فصل الربيع والبريق البحر ودفئه في فصل الصيف، وتعتبر معبراً للطيور المهاجرة التي تأتي من جهة الشرق، يرتاد السياح الجزيرة في فصل الصيف لغرض الصيد والسباحة والغوص وفي الربيع يكثر فيها المقناص وصيد الأرانب البرية واستخراج الكمأة (الفقع) وما يميز الجزيرة أيضاً وفرة المياه العذبة التي يمكن الوصول إليها من خلال حفر الآبار غير عميقة.. تحوي جزيرة جنة على الكثير من الفخاريات والخزف التي تعود إلى فترات إسلامية متأخرة.. وذلك حسب ما قالته الباحثة الأمريكية (جريس بروكهولدر) حين زارت الجزيرة 1984م.
وخلال زيارتك للجزيرة ستلاحظ التنوع الكبير في تضاريسها حيث توجد مرتفعات وهضاب صخرية تصل إلى ارتفاع 15م عن سطح البحر من جهة الشرق وفي الجهة المقابلة أرض منبسطة وشواطئ رملية عذراء جميلة من جهة الغرب.
وخلال زيارتنا للجزيرة شاهدنا جسراً برياً يتم تشييده من قبل البلدية لربط الساحل بالجزيرة ليتمكن الزوار من الوصول إلى الجزيرة عن طريق مركباتهم الخاصة بدلاً من أن تقتصر الزيارة عن طريق زوارق بحرية تنقل السياح من الساحل إلى الجزيرة.
قرية ثاج
ومن ضمن المواقع السياحية والأثرية التي سارت لها قافلة الإعلام السياحي تحت أشعة الشمس الحارقة هي محافظة النعيرية وتحديداً قرية (ثاج) التي تقدر مساحتها بعشرين كيلو متراً مربعاً تقريباً إلا أن المنطقة التي تحتوي على مواقع أثرية تقدر بحوالي 4 كيلومترات مربعة تقريباً والمعروفة بسبخة ثاج التي أشارت البحوث الأثرية والتنقيبات التي أجرتها البعثة الدانمركية عام 1388 هـ إضافة إلى بحوث أجرتها وكالة الآثار والمتاحف في الموقع خلال عامي 1403 - 1404 هـ إلى وجود مدينة متكاملة يحيط بها سور خارجي ضخم مبني من الحجارة لا تزال آثاره واضحة يصل طول أحد أضلاعه 900 متر ويشاهد في الموقع التلال الأثرية والأسس الجدارية للمنازل السكنية.
ومن المكتشفات الأثرية قطع فخارية وزجاجية وحلي وأدوات زينة وغيرها من الآثار ويمكن إرجاع عصر بناء المدينة إلى الفترة الإغريقية المعروفة بالعصر السلوقي حاضرتها ويعود تاريخ هذا العصر إلى أوائل القرن الثالث قبل الميلاد مع فتوحات الإسكندر المقدوني سنة 330 قبل الميلاد.
ولقد اكتسب المكان أهمية بارزة في توفير الخدمات اللازمة لالتقاء القوافل التجارية فقد كان الاستيطان فيها يعتمد على النشاط الزراعي والرعوي وما يرد إليها من سلع عن طريق تجارة القوافل.
وشهدت المدينة 5 مراحل للاستيطان الحضري, ومن أهم ما عُثر عليه بداخلها 9 نقوش كتبت بالخط المسند القديم يعود تاريخها إلى أواسط الألف الأولى قبل الميلاد.. كذلك الأدوات والأواني المصنوعة من الخزف والفخار والمرمر والعاج وقطع من النحاس والبرونز والحديد وبعض العملات.
وعند مشاهدة مستوطنة ثاج الأثرية من أعلى تظهر للعيان مدينة متكاملة تقريباً محاطة بسور طويل ضخم يبلغ طوله 2535م وسمكه 4.5 مدعما بالأبراج وبداخلة وحدات معمارية يرى أساسها ظاهراً بالإضافة إلى عدد آخر خارج أسوارها.
وفي ثاج عدد من موارد المياه القديمة، فقد تم حصر 15 بئراً داخل السور الأثرى و7 آبار تقع في محيط ثاج الأثرية وهي محاطة بالأحجار.
وقد عُثر على نصين من شواهد القبور في ثاج مدون عليهما بالكتابة العربية الجنوبية.. وكان هذان الحجران أول ما عُثر عليه في شمال شرق بلاد العرب من هذا النوع الذي يدل على العلاقة بين الجنوب العربي وشمال شرقي الجزيرة العربية، وعثر في هذا الموقع أيضاً على كثير من التماثيل وآلاف الكسرات الفخارية وقطع من تماثيل طينية صغيرة لحيوانات كالأرجل والأيدي وسنام جمل مع كسرات تماثيل بشرية، وعُثر كذلك على كسر من كاسة خفيفة الجدران ذات صبغ أحمر ولماعة من الداخل وهو نفس الفخار الذي وجد في جزيرة فيلكة الهلنستي والمدينة الخامسة للقلعة البرتغالية في البحرين كما عثر أيضا على كسرات عدة لمنجرة ذات 4 أرجل تميز العصر.. كما عُثر على طاسات ذات قواعد تشبه الأزرار وهى الأوعية الأتيكية المستوردة من اليونان منها ما هو مزين بنماذج شبه الدوائر المعمولة على العجلة المسننة التي هي ميزة يونانية صرفة.
وتواصل الإدارة العامة للآثار والمتاحف جهودها لكشف أسرار ثاج التي أشارت البحوث التي قامت بها البعثة الدنماركية عام 1388هـ إلى أن حضارة إنسانية عريقة لا تزال رابضة تحت خرائب سبخة ثاج تنتظر مكانها في الدراسات والبحوث، واستناداً إلى حجم المدينة المحصنة ومدافنها وفخارياتها ونقوشها الحسائية وعملاتها البرونزية تعتبر من أهم المدن البرية في محيط المناطق المجاورة وأحد المرشحين الرئيسين لموقع الجرهاء المدينة الأسطورية التي لم يستطع أحد التعرف على موقعها.
ويوجد في قرية ثاج ثلاثة تلال يبلغ ارتفاع الواحد منها حوالي 5.70 م وبقطر حوالي 55 م تحوي جميعها على كنوز أثرية وقد تم عمل مجسات على التل الأول بعد أن طالبت مواطنة من مدينة ثاج وتُعتبر هي مالكة لجزء من ذلك التل حيث قالت إنها بصدد بناء منزل لها في نفس المكان إلا أن المختصين بالآثار أوقفوا مخطط بنائها بعد أن اكتشفوا في موقع التل الأول مخلفات فرن الحرق الفخار.. وبعد ذلك قامت الإدارة العامة للآثار والمتاحف بتسوير التلال الثلاثة لمنع أيادي المخربين من الوصول إليها وبدء عملية التنقيب حيث تم تقسيم التل الأول إلى مربعات متساوية (5م ? 5م) حسب شبكية وضعت عليه وعلى هذا تمَّ التنقيب في أعلى نقطة على هذا التل، وعلى عمق حوالي 130 سم وعند المقطع الجنوبي تكونت فجوة في المقطع وبداخلها وجد بعض الحجارة التي قد تدل إلى بناء مما حفز المنقبون على مواصلة عملهم الشاق حتى تم تعميق الحفرة إلى عمق حوالي 160 سم ليتضح للمنقبين أن هذا التل هو مدفن وأن هذا المدفن مسلوب لعدم وجود غطيان المدفن وتم الاكتفاء بهذا العمق ليتم البدء بالتنقيب في مربع جديد وتم بالفعل حتى تم العثور على غرفة الدفن وهي بطول 2م وعرض 1.20 متر وقد بنيت جدرانها من الحجر الجيري المقطوع المهذب وعند رفع الأحجار المتساقطة من غطيان المدفن التي وجدت على عمق حوالي 70 سم إلى 90 سم ظهرت ثلاث قطع ذهبية من الخرز في وسط المدفن وكذلك ثلاث قطع صغيرة من الأزره الذهبية أثناء عملية الغربلة، وظهور قطع دائرية من المعدن في الزاوية الشمالية الشرقية والزاوية الشمالية الغربية للمدفن وهي تمثل أركان تابوت، وبعد ذلك استعان فريق التنقيب بآخرين من إدارة الآثار والمتاحف بالرياض.. وبعد اكتمال الفريق استمرت عملية الحفر خارج المدفن بداخل المربعين 3 و4 والوصول إلى عمق 210 سم وبعدها بدأ ظهور المقتنيات والمرفقات الجنائزية من قناع ذهبي وحلي والأقراط الذهبية والأساور والخواتم والكف وشرائط ذهبية ورقائق دائرية ذهبية، بعدها تم رفع هيكل السرير الجنائزي المتآكل وقوائم السرير المتمثلة بأربعة تماثيل لكي يتم رفع الهيكل العظمي وذلك بقص الأرضية الجصية لكن هذه العملية لم تنجح فتم تجميع العظام ووجد تحت الهيكل العظمي ثلاثة أوان معدنية متآكلة.
ومن بين المرفقات التي وجدت أربعة قوائم من الرصاص الذي قد يكون صُبغ بماء الذهب وهي تماثيل لشابة ترتدي ملابس إغريقية وطُعمت العين بالعاج وهيكل السرير الجنائزي عليه زخرفة ونقش بارز لدلفينين مرتبطين بالذيل وسهم يخرقهما من الفم، وأربعة أوان من خليط الرصاص مع الفضة بحالة سيئة وجدت تحت الهيكل.
قصر الملك عبدالعزيز
تجوَّل الطاقم الإعلامي للقافلة السياحية في قصر الملك عبدالعزيز الطيني الذي يقع في الشمال الغربي من مركز نطاع بمدينة النعيرية، وهو القصر الذي أمر الملك عبدالعزيز -رحمه الله - ببنائه في عام 1347هـ واستغرق بناؤه ما يقارب ثمانية شهور حتى تم افتتاحه في عام 1349هـ وأصبح من المعالم التاريخية التي تتميز بها نطاع ومكاناً يرتاده المهتمون بالآثار.
قلعة تاروت
في جزيرة تاروت وعلى بعد 6 كيلو مترات شرق مدينة القطيف توجهت قافلة الإعلام السياحي لقلعة قديمة على قمة تل أثري تُسمى (قلعة تاروت).
وتاروت من المواقع القديمة التي يعتقد أنها موطن للفينيقيين الأوائل قبل نزوحهم إلى شواطئ البحر المتوسط.
عثر في أسفل القلعة على آثار هامة يصل تاريخها إلى 5000 سنة لتصبح بذلك أقدم مركز حضاري عرف في المملكة، حيث قامت بعثة دانمركية بالتنقيب عن آثار في هذا التل وكشفت عن أبنية ذات أربع طبقات سكنية شيدت بالحجارة المربعة الشكل وعثرت على بئر عميقة بجانبها حوض من الحجارة كما تم التقاط كسر فخارية على سطح التل وبعد الدراسة تبين أنها تعود إلى 3000 سنة قبل الميلاد تقريباً وعثرت كذلك على رؤوس وكسر فخارية قامت البعثة بدراستها وتصنيفها إلى عصر حضارة العبيد حوالي 4500 سنة قبل الميلاد ومع مرور العصور واختلافها أصبحت المنشآت التي كانت قائمة على التل تتهاوى طبقة طبقة، مكونة بذلك فترات تاريخية متسلسلة وآخر تلك المنشآت القلعة التي وجدت من يساعدها على الصمود كالترميمات المختلفة وقد رممت قلعة تاروت من قبل البرتغاليين أثناء احتلالهم للمنطقة خلال بضع سنوات، وذلك لما تكتسبه القلعة من موقع حربي إستراتيجي هام تشرف على منطقة تاروت وما حولها بمسافات بعيدة والقلعة كانت تحتوي على أربعة أبراج منها اثنان في الجهة الشرقية وقد سقطا منذ زمن بعيد.. أما البرجان الغربيان فهما ما زالا محتفظين بشكلهما القديم ويتوسط القلعة قضبان من الحديد مما يساعد على بقائهما حتى اليوم واستخدم في بنائها الحجارة المحلية، ومن الثابت تاريخياً أن هذه القلعة شيدت على أساسات أنقاض مستوطنة سابقة تعود إلى خمسة آلاف سنة تظهر بقاياها إلى يومنا هذا، وهي عبارة عن أحجار ضخمة منحوتة بشكل مكعبات من المحتمل أنها تمثل بقايا لبناء له أهميته نظراً لضخامة البناء، كما أظهرت نتائج الحفريات التي عملت من قبل البعثات الدنمركية وجود عدة طبقات عثر فيها على كسر فخارية تتزامن مع حضارات باربار حوالي 3000 سنة قبل الميلاد، كما اكتشفت طبقات فيها فخار يعود إلى فترة حضارة العبيد حوالي 4500 قبل الميلاد.
والقلعة محاطة بسور عريض مشيد بخامات من المواد الأولية كالطين والجص وحجارة الفروش ويشبه في تصميمه شكل حيوان السرطان ويتراوح سمك هذا السور من أسفل إلى الأعلى ما بين مترين ونصف المتر إلى متر ونصف المتر.. أما ارتفاعه فيصل إلى تسعة أمتار.. أما في جوانبه وزواياه فيشاهد بروز أحد عشر برجاً عالياً تتصل بجسور ممتدة وهي ممرات سرية كانت تستخدم أثناء الحروب إلا أنه ومع مرور الوقت تقلصت هذه الأبراج ولم يتبق منها سوى ثلاثة أبراج وقد قامت الإدارة العامة للآثار والمتاحف بعمل ترميم وتدعيم للقلعة قبل 23 سنة لتصبح معلماً أثرياً بارزاً في المنطقة.
وتسعى الهيئة العليا للسياحة والآثار بالتعاون مع المجلس البلدي بمحافظة القطيف إلى استعادة آثار البلدة القديمة بجزيرة تاروت عبر جمع المقتنيات الأثرية من الأشخاص والجمعيات والجهات الحكومية لتوثيق تاريخ المنطقة بالصور والخرائط والمخططات والمسوحات الميدانية.