المخاض الذي سبق تعليم الفتاة السعودية لم يكن يسيراً، فقد استغرق فترات طويلة تربو على الخمسين عاماً وهي المدة الزمنية التي تفصل التعليم النظامي للبنين عن البنات.
|
تلك المرحلة المنعطف في تاريخ تعليم البنات أسهمت فيها الصحافة آنذاك بدور إيجابي كبير، فقد سعت الأقلام الوطنية المستنيرة بشكل كبير في دعم ومؤازرة القرار السياسي بهذا الشأن، فمن الحجاز قال حسن عواد: (إن تقدم الشعب يتحقق إذا توفر فيه الرجال المفكرون.. وتظافر على العمل لرفعه بإخلاص كل من الفتى والفتاة وهناك تكون الحياة العملية التعاونية على أتمها, وتعليم المرأة سنَّة مدنية يجب ألا يهملها الشرقيون) - خواطر مصرحة - 1927، لاحقاً تبعه الأديب أحمد السباعي من خلال العديد من المقالات التي تؤكّد على (أن تعليم المرأة لا يكون مدعاة لفسادها، لأن بتعليمها ستنبذ الخرافة وتحسن تربية أولادها).
|
وفي نجد قال الأديب عبد الله بن خميس مخاطباً وزير المعارف آنذاك:
|
يا وزير العلم هل من شرعة |
تمنع التعليم عن ذات الخبا |
إنها في نفسها مدرسة |
إن خبيثاً أنجبت أو طيبا |
جميع هذا الجيشان من طبقة الانتلجنسيا دفع بالمشروع مسافات جيدة تبلور من خلالها القرار السياسي عندما أصر المغفور له الملك فيصل على مشروع تعليم الفتاة قائلاً: (إن الدولة تفتح المدرسة تنفيذاً لواجبها تجاه المجتمع، ولكنها لا تملك إكراهكم على إرسال بناتكم إليها، وما دام هناك احتمال بأن تأتي ولو فتاة واحدة في أي يوم من الأيام لتتعلّم في هذه المدرسة، فإن المدرسة يجب أن تكون موفرة ومعدة مسبقاً بالمعلمات، وأن تحمي الدولة بقاءها بما لها من سلطة).
|
وأي امرأة الآن تحملق بهذه الأسطر وتقرأها لا بد أن تحمل وافر الامتنان لذلك القرار السياسي الجسور والنضال بالكلمة الحرة، والذي أخرج نساء الجزيرة من الظلمات إلى النور، وحقق كرامتهن وإنسانيتهن في حقول المعرفة.
|
هذا المشهد يجعلنا نحمل كماً وافراً من التفاؤل للمستقبل الذي ينتظر المرأة في هذا المكان، فمشروع الدولة التي اختارت المستقبل يقوم على وعي عميق ودراية بأنه من المستحيل أن ينهض ويحلّق بكامل طاقاته، دون أن تسهم (شقائق الرجال) بدور واضح ومؤثّر في المسيرة التنموية. يقول الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ الذي كان وزيراً للمعارف تلك الفترة، في كتابه لمحات عن التعليم وبداياته في المملكة (وتمر الأيام سريعة، فيأتيني الشخص الذي كان يعترض يطلب وساطتي في ترشيحي له في وظيفة مهمة برئاسة تعليم البنات, ويأتيني مرة أخرى يطلب مني توصية إلى الرئاسة لقبول بناته في مدرسة قريبة منه).
|
جميع هذه التفاصيل التاريخية توقد نوافذ الضوء وبوابات الأمل أمام كل امرأة سعودية تؤمن بطاقاتها وذكائها وقدراتها، وتمتلك الهمة والإرادة العالية التي تدفعها للمشاركة في المسيرة التنموية في كل المجالات.
|
|