تغفل الثقافة العربية وموروثات الفكر العربي تحديد الأهداف والغايات لكافة خطوات الحياة، فلا تمارس ثقافة تحديد الأهداف إلاّ بنسب لا تكاد تذكر في العالم العربي، سواء كانت تلك الأهداف أهدافاً إستراتيجية أم أهدافاً ثانوية، فالكل يسير في هذه الحياة ويردد الكلمة المشهورة (خليها على الله)، متناسين أن نهجنا وديننا الإسلامي يقوم على التوازنات، فالحديث الشريف، (عن عقل الناقة) ثم الاتكال على الله،
من أهم مبادئ المنهج الإسلامي، والتشريع الديني وعمل الخطوات التي يجب أن تتبع للوصول إلى الأهداف هي أحد أهم قواعد التأصيل الفقهي في رسالة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، ولكننا في العالم العربي لا نمارس تلك السياسة، إما بسبب جهل يعترينا أو تكاسل ران على إبداعاتنا وهممنا وأهدافنا، كلنا بلا استثناء لا نرسم لحياتنا أهدافاً وغايات سواء كانت تلك الأهداف طويلة الأجل أم متوسطة أو قصيرة، وسواء كانت تلك الأهداف اجتماعية أو اقتصادية أو دينية أو على مستوى تطوير الذات، تسير حياتنا على عواهنها وعلى التنجيم وعلى ترك الحبل على الغارب وعلى سياسة (يدبرها ربك)، سألت الكثير ممن التقي بهم أو القي عليهم دورات تدريبية في مجال التخطيط ورسم الأهداف وتحديد خارطة واضحة لحياة كل منا، فأجد العجب العجاب في الإجابات التي تصلني من كافة المشاركين والمتسائلين، فنلحظ أن أحسن الإجابات تقوم على نعم لديّ أهداف ولكنها في مخيلتي أو في ذاكرتي ...، منهم يقول أعرفها جيداً ولكني لا أكتبها وكل ذلك كما يذكر أساطين الإدارة وعلماؤها هي من العمل السلبي ومن الأمور التي لا تسمن ولا تغني من جوع بل هو رسم في أمواج البحر وتدوين في رمال الصحراء، إنّ الأهداف إن لم تكن مكتوبة ومسجلة ومتابعة ويقوم الفرد منا بعمل وقت وزمن لها ومن ثم يقوم بمراجعة تلك الأهداف بشكل أسبوعي وشهري وسنوي وتقييم المنجز منها والمتعثر فيها وعمل الأسباب التي حالت دون تحقيق الأهداف وتحديد النسب بين ما تحقق فعلياً وما هو مراد إنجازه، فإنّ الأهداف سوف تكون مجرد هواجس وآمال لا يلبث الإنسان أن ينساها أو يتناساها لعدم وجود الممارسة والتسجيل والمتابعة والشعور بتحقيق النجاح، إن مشكلتنا ومشكلة أسرنا في العالم العربي تقوم على التلقين التلقائي الموروث من عشرات السنين وترديد جمل لا تدفع بعملية التقدم والإبداع والمضي قدماً نحو تحقيق الأهداف إلا كالدفع بالاتجاه المعاكس، وتدور تلك الجمل عادة في فلك (لا تنس الأكل، لا تنس لبس الثياب، لا تنس المذاكرة، لا تنس الصلاة)، وهي في مجملها حسنة وجيدة ولكن لماذا لا نربي أولادنا على وضع الخطط والأهداف شيئاً فشيئاً؟! لماذا لا نبني عندهم ثقافة رسم وتحديد الأهداف في حياتهم؟! كأن نقول للطفل اكتب ماذا تريد عندما يكون عمرك عشر سنوات، وخمس عشرة، وعند تخرجك من الجامعة وبعد الزواج!! وعند قدوم الأولاد!! وعند توليك المنصب الخاص أو الحكومي؟! وما هي أهدافك الإنسانية؟! وأهدافك المالية؟! وأهدافك الاجتماعية؟! ثم نراجع سوياً مع الطفل تلك الأهداف كل ثلاث سنوات، حتى يستطيع أن ينمي تلك الثقافة ومن ثم تجري في عروقه وتصبح ممارستها جزءاً من تكوينه الثقافي والاجتماعي، لماذا لا تمارس المدارس الابتدائية والمتوسطة وحتى الثانوية هذا الدور وتقر مواضيع تقوم على رسم وتحديد الأهداف في الحياة على كافة الصعد؟! وتُخصص مادة اسمها (إدارة التخطيط) تبدأ من المرحلة المتوسطة .. إنه لأمر حسن وسوف يجني المجتمع والفرد الخير الكثير من ممارسة تلك الثقافة متى ما قمنا على تفعيلها والحث عليها، كم من أناس أخفقوا وتاهوا في الطرقات ولم يجدوا حياتهم ولا أهدافهم؟! فتخبطوا في مفترقات الطرق ومراحل اتخاذ القرار المفاجئ وتحديد البوصلة الإستراتيجية؟! لأنهم لم يمارسوا ذلك المفهوم!! الزوج والزوجة لا يشتركان بوضع الأهداف .. سألت إحدى المتدربات عن أهدافها مع زوجها وتربية أولادها، فقالت أن نوفر للأولاد الأكل والمسكن والملبس الحسن، فابتسمت وقلت هذا جيد ولكن ماذا عن الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والتطويرية، كبناء وتعويد الأطفال على المشاركة ولغة الحوار والقيام بأعمال الخير وبذل المعروف وأيضاً إعطائهم الجرعات الكافية لتحمل مسئوليات الحياة والقدرة على اتخاذ القرار، وقت الحاجة وتأسيسهم على القيام بعمل الخطط والأهداف لحياتهم المستقبلية وممارسة ثقافة التوفير والعمل الجاد واحترام العمل والإيمان بالله والتوكل عليه .. كل هذه وغيرها كثير يجب أن يتفق الزوجان عليها عند إنجاب الأبناء ويعملان عليها يوماً بيوم، وشهراً بشهر، وسنة بسنة، لأنّ تربية الأولاد وتحديد الأهداف لهم ومساعدتهم ورسم الخطط وتأسيسها وغرسها فيهم من أهم مراتب الضرورة، وفي ظني أنها تأتي بمرتبة تسبق السكن والملبس والطعام، كُل الأسر السعودية وبلا استثناء أو جلّها حتى لا نمارس لغة التعميم، تقوم تربيتها لأ بنائها بتلبية الاحتياجات الكمالية والاستهلاكية من أجهزة وطعام وخلافه، ولكنها تهمل جانباً خطيراً وحيوياً واستراتيجياً يقوم على بناء الفرد وتأسيسه تأسيساً عمليا وعلمياً ومنهجياً، من خلال غرس مبادئ الإقبال على الحياة بلغة وقراءة منهجية ومدروسة ومخططة حتى لا يتيه في ساحة الحياة القاسية، وحتى لا تقوم حياته على مبدأ الصدفة والتجارب والعشوائية والتخبط، بل حياةً تقوم على المنهجية والفكر الواعي والتخطيط السليم وتقويض الفوارق ومساحات الأخطاء، عندما تكون الحياة مرسومة بشكل سليم وواضح.
Kmkfax2197005@hotmail.com