روي عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء. فلما كان العام المقبل، قالوا: يا رسول الله، نفعل كما فعلنا عام الماضي؟ قال: كلوا وأطعموا وادخروا، فإن ذلك العام كان بالناس جهد، فأردت أن تعينوا فيها). تعامل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مع شعيرة من شعائر الإسلام وفق الظروف المحيطة، فعدل في التشريع بما يتوافق مع حاجة الناس، فمنع الاحتفاظ بلحم الأضاحي لأكثر من ثلاثة أيام في عام قدمت فيه إلى المدينة جموع من المسلمين فأصبحت الحاجة للطعام ملحة، ثم سمح بالادخار بعد إن انتفت الحاجة.
ما أحوجنا إلى تطبيق الهدي النبوي على سائر قراراتنا الداخلية المتعلقة بحاجة الناس، من منطلق (لا ضرر ولا ضرار). التحرك السريع في السوق السعودية وفق ما تقتضيه الحاجة يضمن الاستقرار، وتحقيق الفائدة المتوازنة لأطراف العلاقة التجارية: البائع، المستهلك، والجهات الرسمية. كنا ضمن المطالبين بوقف تصدير الأسمنت والحديد بعد أن شح المعروض، وسيطر الوسطاء، والتجار على إنتاج المصانع المحلية، وأخلت بعض المصانع بالتزاماتها الداخلية ما أدى إلى تضخم الأسعار، واضطراب سوق مواد البناء وتضرر المواطنين والدولة بشكل عام. أما وقد انتفى السبب، فمن الأفضل للجميع مراجعة الأنظمة المستحدثة لحماية المصانع الوطنية، وضمان استقرار السوق السعودية. ليس من المصلحة تكديس إنتاج المصانع في مستودعاتها، فهي أموال تحتاج إلى التدوير والاستثمار، وليس من المنطق القبول بوقف خطوط إنتاج بسبب انخفاض الطلب المحلي عن مستواه الطبيعي. وقف التصدير كان الخيار الأخير أمام الجهات الرسمية لإعادة السوق المحلية إلى وضعها الطبيعي، أما وقد تحقق الهدف، وانتفى سبب منع التصدير فمن الأصلح إعادة النظر في قرار المنع وفق تنظيم صارم يضمن توفير الأسمنت والحديد بأسعار ثابتة، وكميات تزيد عن حاجة المستهلكين لضمان ثبات الأسعار ووفرة المعروض.
ترك السوق المحلية للوسطاء، وتجار التصدير دون رقيب أو حسيب أدى إلى خلق الأزمة، في الوقت الذي ساعد فيه جشع بعض المصانع، ومسؤولي التسويق فيها إلى زيادة المشكلة. لذا يمكن القول إن إعادة تنظيم السوق المحلية بما يكفل وصول المنتج النهائي للمستفيدين مباشرة، دون تحكم الوسطاء والتجار، يمكن أن يضمن استقرار السوق مستقبلا. مصانع الحديد والأسمنت مطالبة بفتح فروع توزيع في مناطق ومدن المملكة لضمان البيع المباشر للمستفيدين. لن تكون هناك منافسة للتجار، فالهدف ضمان الاستقرار وبيع المنتج بسعره الحقيقي. عندما تلتزم المصانع توفير منتجاتها من خلال مراكز التوزيع بالأسعار الرسمية، والكميات المطلوبة، عندها يمكن السماح لها بتصدير الفائض للأسواق المجاورة، وأن يكون إذن التصدير مقصورا على المصانع، وفق نسبة محددة من الإنتاج، ومرتبطا بوفرة المعروض في السوق المحلية، بشرط أن تتم مراجعة قرار التصدير متى تطلب الأمر ذلك، فيوقف وقت الحاجة، ويفتح عند زيادة المخزون وتشبع الأسواق بمنتجات البناء. ديناميكية القرار الرسمي تقود إلى خلق الاستقرار، وحماية المستهلك والمُنتج على المدى البعيد. خسارة المنتجين هي في الأصل خسارة مستقبلية للمستهلكين. خروج بعض المنتجين من السوق يؤدي إلى شح المعروض ومن ثم زيادة الأسعار. إضافة إلى خسارة الاقتصاد الوطني لبعض مكوناته الرئيسة.
كنت أتمنى أن تتعامل وزارة التجارة، وجمعية حماية المستهلك بعقلية منفتحة مع ما تسعيان إلى فرضه على مصانع مواد البناء في مقابل فتح باب التصدير. وأن تنظران إلى مصلحة المستهلك على المدى البعيد لا القصير فحسب، وأن تضعا في الحسبان مصلحة المنتجين التي يفترض أن ينظر لها وفق ما تقتضيه المصلحة العامة، وحقوقهم المشروعة. وكنت أتمنى أيضا أن تتعامل وزارة التجارة وجمعية حماية المستهلك بحزم يفوق حزمها المتأخر مع مصانع الأسمنت والحديد، في كل ما يتعلق بقضية تضخم أسعار المواد الغذائية المدعومة. منتجات الأرز، الحليب المجفف، حليب الأطفال، السكر، زيوت الطهي، الأدوية هي أهم عند المواطنين من معركة الأسمنت الطاحنة، كما أنها أولى بالحماية لأربعة أسباب رئيسة: ضروريتها لحياة جميع المواطنين دون استثناء، تضخم أسعارها بصورة غير مسبوقة على الرغم من انخفاض أسعارها عالميا بنسبة 50%، دعم الدولة المباشر لها، وممارسة التجار لعمليات الاحتكار المحرمة شرعا خاصة على منتجات الأرز، وزيوت الطهي.
لن نقول (على نفسها جنت براقش) ولن نقف شامتين لخسارة المصانع الوطنية لمجرد أنها أساءت التصرف في فترة من الفترات، تحت إغراء الربح السريع، بل سنطالب بتحقيق العدالة بين المنتجين والمستهلكين لما فيه المصلحة العامة، مستنيرين بقول المصطفى الكريم، صلى الله عليه وسلم،: (لا ضرر ولا ضرار).
****
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM