التشريع والتنفيذ والتقييم أو التقويم ثلاث مهام تنصب على العمل الواحد، والأصل الفصل بينها فصلاً تاماً، فمن يشرع ويسن القوانين ويضع النظم والضوابط للعمل أياً كان هذا العمل يكون بمنأى عن مباشرة العمل والنزول إلى الميدان فضلاً عن أن يكون هو من يقيم نفسه ويمارس التغذية الراجعة على عمله، وكذا من هو في معمعة العمل الميداني اليومي وإن لم يكن مشرعاً لا يحق له أن يكون هو من يحكم على جودة وإتقان وشمولية وقوة العمل الذي يمارسه أو العكس، وربما يكون من بين أسباب ضعف الأداء الذي نسمع ونقرأ عنه في بعض مؤسسات الدولة وقطاعاتها المختلفة أن من يشارك في صياغة القرارات ويسن النظم ويضع اللوائح الداخلية هو من يتربع على كرسي الجهاز التنفيذي حتى فيما يسمى بالإدارات الوسطى ومنذ سنوات عديدة، وقد تكون الإدارة التي تمارس النقد وتحكم على إنجاز هذا المسئول المشرع المنفذ قوة وضعفا تابعة له وتحت قيوميته بشكل مباشر!!، ولعل من التجارب الناجحة في ممارسة التغذية الراجعة المستقلة عن السلطة التنفيذية والتشريعية والمرتبطة بالمواطن أياً كان - وإن كانت ما زالت في مراحلها التأسيسية الأولى - تجربة (المجالس البلدية) فهي مهما قيل عنها لها أثر إيجابي على التنفيذ في الأمانات والبلديات المختلفة بل ويمتد أثرها على التشريع وسن النظم واللوائح التنفيذية المستقبلية ويكفيها هذا الأمر مزية وسبقا، إضافة إلى أن هذا المجالس على وجه العموم أوصلت صوت المواطن بشكل مباشر يختلف قوة وضعفا من منطقة لآخرى، ليس هذا فحسب بل وضعت يدها على مواطن الخلل في كثير من مفاصل العمل اليومي التي أُنيطت مهام القيام به بهذا الجهاز التنموي الهام في جميع مناطق ومحافظات الوطن، ولذا أتمنى ومن منظور المواطن الصرف، أتمنى أن تعمم تجربة المجالس البلدية لتشمل القطاعات الخدمية الأخرى خاصة التعليم والصحة، وكم هو رائع لو كان ضمن أجندة الوزيرين الجديدين في هذين القطاعين الهامين على وجه الخصوص مشروع مماثل له أسسه وضوابطه ويتضمن آلية واضحة بها تتحقق التغذية الراجعة بشكل صحيح، ومنهج بيّن.. إن هذا النموذج الرائع مهما قيل عنه ناجح من وجهة نظري الشخصية على الأقل، ناجح في فكرته والتخطيط له وتقويمه من خلال فرق مستقلة وذات خبرة عالمية ودراية واسعة، ولا يمنع هذا القول أن هناك سلبيات تحدث عنها البعض من المنضوين تحت قبة هذه المجالس عبر وسائل الإعلام ولكنني أعتقد أن هذا الحراك والأخذ والرد عبر الصحف ومن خلال القنوات، ومن قبل ما يدور داخل الجلسات المغلقة، وبين أعضاء المجلس والمواطنين، وبين منسوبي الأمانات والبلديات والمجالس، وبين عضو المجلس وذاته كل هذا الحراك ليس سلبياً كما يظن بل هو حراك إيجابي ما دام الحديث عن السلبيات في دائرة الوظيفي ولم يصل إلى شخصنة القضايا والتعميم في الخطاب، وإنني على ثقة أن هذه التجربة الشجاعة وذات الشفافية العالية منذ البداية وحتى هذه اللحظة ثرية ومفيدة بنسبة كبيرة وأن هذا الكم من الأخطاء التي يتحدث عنها وعدم الوفاق بين البعض من الأمانات والبلديات والمجالس والشعور بأن المنتخبين لم يستطيعوا الوفاء لمن وثق بهم ورشحهم كل هذا سيضمحل في الدورات القادمة وستتعزز الثقة بين كل هذه الأطراف وسيجني المواطن من هذا المشروع الوطني الرائد والرائع الثمرة اليانعة والمصلحة الجامعة بإذن الله، ووجود مجلس تعليمي مماثل وآخر صحي وثالث أمني سيجعل الرقابة المجتمعية أوسع وسينطلق هذه السلوك ويتكئ على وعي ومعرفة ودراية وإلى لقاء والسلام.