لن تنتهي الموضوعات المتعلقة بناشئة الشباب، ويبدو أن الوقت يفرض هذه الموضوعات ويبعثها للسطح، ويجعلها قاب أدنى الأقواس من التفكير، فالتعبير عنها، ولعل المتنبه لسلوك الصغار قبل الأكبر منهم مع الفضاء الإلكتروني، من حيث تفرحه الثقافة الجديدة المضافة نافذة لاستزادتهم من الخبرات ليس فيما يتلقونه عنها، بل أيضا ما يمارسونه من مهاراتها، للحصول على المعلومة كانت خبرا، أو حدثا، أو استحداثا لمعرفة لم تكن في مجال خبراتهم، ومن التعامل مع وسائل وأساليب بل لغة التقانة العصرية، والقدرة على استخداماتها المختلفة، ومجاليها الخفية والظاهرة، تلك التي تجعل البون شاسعا وإن لم يكن مع ثقافة الآباء والأمهات ممن لم يتعرضوا لمثل ما تعرض له أبناؤهم من وسائل هذا المنجز العصري باذخ الدقة والقدرة والسرعة والاحتواء, أو تفاعلا مع أساليب تعليمية تربطهم بمجالات درسهم، ومتطلبات تعلمهم، فتتكون لديهم خبرات تجعلهم يواكبون عصرهم، وفي ذلك ما يفرح المتنبه، غير أن هناك ما يكدر على هذا المتنبه فرحته، حين يكون التعامل من قبل هؤلاء الناشئة مع خبرات هذا المنجز سالبة بدءا بمنحهم وقتا إضافيا بل أكثر من إضافي من عمرهم في غير ما يفيد، ثم في تعاملهم مع متاحاته مما يسهل لهم أمر اقتفاء كل ذي ضرر لثقافتهم الأصل وما يستشرف من خبراتهم وأساليب تعاملهم مع متاحات هذا المنجز حيث يتعودون الإخفاء، والتلصص، والتجاوز على الآخرين، بل تتعرض فطرتهم لانتهاك براءتها، وسلامة تنشئتها حين تضاف إلى خبرات سلوكهم أساليب لم تكن ضمن ما تقدمه لهم ثقافة مجتمعهم القيمية، إذ تخفت فيهم أصوات الضمير نحو الصواب والخطأ، والممكن وغير الممكن، وتغبرُّ في رؤيتهم فضاءات نقية بما يشوبها من متاحات هذا المنجز حين يجلس إليه الناشئة في مطلق حريتهم، فمن حيث يراد لهم التنمية الذاتية للثقة في النفس وللضابط الداخلي، ولرقيب الضمير فإنه الباب الواسع الذي تدكه رغباتهم بدافع خصائص مرحلتهم العمرية، تلك التي إن لم تجد من يحدوها بوعي، ويصوب مسارها بحكمة، ويسند تعثراتها بحب، مع حزم غير مفرط، وفرص غير مطلقة الإشراع فإن ناشئة الجيل ومن سيكبر منهم سيكونون ذوي خبرات لا تؤهلهم للحياة كما ينبغي، وبدل أن يكبروا وهم أقوياء يصبحون هزيلي النفس والخبرة والثقافة..
وسيبقى هذا الموضوع من أكثر ما يحتاج المرء الحديث فيه حتى يتفق المجتمع على جعل ضوابط عامة وخاصة لاستخدام كل منتجات العصر الوافدة بقوة للمجتمع، إلى أن يكون للمجتمع منجزاته البديلة..