Al Jazirah NewsPaper Monday  04/05/2009 G Issue 13367
الأثنين 09 جمادى الأول 1430   العدد  13367
أضواء
تجارة القنوات الفضائية
جاسر عبد العزيز الجاسر

 

امتلاء الفضاء بالقنوات التلفزيونية يجعل المتلقي في حيرة من أمره إلى أين يوجه (رموت كنترول) الذي بيده.

طبعاً كل يتبع هواه، أو الثقافة التي توجه سلوكياته فيما يشغل وقته من متابعة، فالبعض ابتلاه الله بمتابعة المحطات الهابطة التي تملأ وقتها بالأغاني و(الكليبات) والرقص وغيرها من الموضوعات التي لا تنفع بل تضر من خلال تهييجها للغرائز، ومحطات تبث السموم الفكرية وتوجه الشباب لممارسة الضلال الفكري بنشرها الأفكار المتشددة والغلو، وقنوات فضائية لا طعم لها ولا رائحة، وهي عادة ما تكون المحطات والقنوات الفضائية الرسمية التي تطلقها وتمولها الحكومات العربية.

ولأن عملنا يفرض علينا متابعة المحطات الفضائية والقنوات التلفزيونية وخاصة تلك القنوات المتخصصة بالأخبار والتحليلات السياسية والفكرية فقد أصبح المرء قادراً على تمييز الغث من السمين، والطالح من الفالح، وما هي المحطات التي تخدم قضايانا الفكرية والثقافية والقومية والوطنية، وتلك التي تنشر الفتنة وتمارس العداء وتفشي الكراهية بين أبناء الأمة الواحدة.

وفي الوقت الذي لم تفلح قنوات فضائية في تأدية المهام التي من أجلها أطلقت وخصصت لها مئات الملايين من الدولارات، إذ تحولت تلك القنوات إلى خدمة مشروعات لا تخدم القضايا العربية، وإن تطابقت مواقف أصحاب تلك المشروعات في بلد أو بلدين، إلا أن الإحاطة التامة بالقضية والفهم المتكامل للمشروع يظهر أن هناك تبايناً، بل وحتى تعارضاً بين من يسعون لتحقيق ذلك المشروع، وبين المصالح القومية والوطنية للذين يدعمون تلك المحطات والقنوات الفضائية الذين شجعوا على إطلاقها.

وما نعرضه وهو أمر مؤكد أن إطلاق القنوات الفضائية لا بد وأن يكون من ورائه هدف، فأما أن يكون الهدف تحقيق مكاسب وربح مادي وهو ما يرافق إنشاء وإطلاق المحطات الفضائية الخاصة التي تختص وتهتم بموضوعات وتروّج (بضاعة) ترفيهية لإشباع رغبة المتلقين، وأصحابها يقومون بعمل تجاري بحث، فهم يقدمون بضائع ويسعون إلى مكاسب مادية فينشئون قنوات تهتم بالشعر الشعبي، وأخرى خاصة بالرقص والغناء والكوميديا والدراما وتمول من عائد (رسائل s.m.s) التي تدر أموالاً كثيرة، وبعض هذه المحطات أصبحت تستفيد من الإعلانات الحكومية الموجهة لشرائح محددة يقبلون على مشاهدة تلك المحطات الهابطة.

وهناك أهداف أخرى لإطلاق القنوات الفضائية، فإما أن تكون لخدمة توجهات سياسية وتروج لمشروعات إقليمية لنشر فكر يسعى لإقناع المتلقين وهو ينطبق على جميع القنوات الفضائية التي أطلقتها الأحزاب الطائفية أخيراً، وإذا كانت البداية لقنوات (العالم) التابعة لإيران والمنار لحزب الله، والحوار للإخوان المسلمين والكوثر، والمحطات العراقية التي فاق عددها العشرين وجميعها تمول عن طريق الأحزاب الطائفية التي تميز بها عهد الاحتلال الأمريكي للعراق، وهذا ما دفع الأحزاب الأخرى إلى إطلاق محطات فضائية أخرى جميعها أخذت تنشر فكراً متطرفاً ومغال في آرائه الإقصائية، ما يجعل المرء في حيرة من أمره ويجعله مشغولاً في فرز وتصنيف تلك المحطات التي انقسم جمهورها ومتلقوها، فالقنوات التي تقدم الفكر الشيعي وتمول من إيران يتبعها من ينخرط ضمن هذا التيار.. أما المحطات التي تقدم الفكر السني فلها جمهورها ومتلقوها وجميعهم من السنة.

وحدها (المستقلة) المحطة الفضائية التي تبث من لندن خرجت من هذا التصنيف فقد استطاعت أن تقدم الفكر السني إلى جانب الفكر الشيعي، من خلال جمع مفكرين وعلماء سنة وشيعة على طاولة واحدة... وبغض النظر عما تنتهي إليه الحوارات والندوات، إلا أن المستقلة استطاعت أن تقدم رؤية (محايدة) إلى حد ما، ووضحت كثيراً من الأفكار والشبهات التي كان (البعض) يخفيها، فجاءت (المستقلة) وأوضحت للمتلقين، ما جعل الكثيرين يتخلون عن قناعات كانوا منخدعين بها.

(المستقلة) تقوم على جهود شخص واحد.. وإعلانات بسيطة.. ولا تجد دعماً ولا تخدم مشروعاً إقليمياً.. ومع هذا فقد نجحت في تصحيح كثير من الأفكار وأخرجت قوماً كثيرين من الجهالة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد