عزيزي فنان العرب:
تعلم جيداً مدى كل هذا الحب الذي ملأ القلب (صوبك).. وأعلم جيداً شعورك ناحيتي.. وترددت كثيراً أن أهديك مقالي هذا الذي تسميه عادة ب(المجنون).
أستاذ محمد:
طرحت مؤخراً شريطاً (شبابياً) سميته (وحدك) ورسمت خلاله (خطاً) جديداً داخل مشروعك الذي قام منذ عشرات السنين فأحبَّه البعض وتحفظ عليه آخرون.. ووقفت أنا بين هذا وذاك وأميل إلى المحبين.. وأضع كلماتك في ذهني أن بعض الأعمال لا يجب الحكم عليها مباشرة بالنجاح أو التواضع.. وأن أعمالك أنت يجب أن تأخذ وقتها، لقد شبهتها ولو لم تقل بالبخور المعتَّق الذي تزداد جودته كلما تقادم به الزمن.
من الخطأ حين يختزل أحداً أن جمهورك من كبار السن وإن كانت (حسنة) فهم أكثر ركوداً واتزاناً ويقيسون الأمور بمقاييسها ولكن لك شعبية في الشباب (طاغية) وأكثرية ويرغبون في فنانهم أن يعطيهم فناً يمتلك قيمة وأداءً يلامس شغافهم وهو ما تحقق في معادلتك (الأخيرة).
اليوم وأنت تطوي السنة الخمسين (فناناً) وتقترب من السبعين (إنساناً) أهديتنا كل ألوان الجمال وجعلتنا شغوفين بالعذوبة والانسياب ومروجاً خضراء لم تجدب يوماً قال عنك يوماً أحد المحبين: إنك حالة لا تتكرر إلا كل مائتي عام.. ظننته يبالغ واليوم أزيدها مائة، فأنت (وحدك) جعلت للفن قيمة وحملت على عاتق (ذكائك) همّاً ينفجر عذوبة وتعمدت يا فنان العرب بين الفينة والأخرى أن تفاجئنا.. أنت تدهشنا بما عندك.. كلما ظنّ أحدهم أنه اقترب منك ابتعدت.. وكلما ظن جمهورك أنك ابتعدت التصقت به، فازداد بك التصاقاً وحباً وأدان لك بالفضل في تهذيب سلوكه الفني.. وعلَّمته كيف يستمع وكيف تتشكَّل ذائقته؟
كم من معول يا فنان العرب حاول يائساً الوصول إليك فكانت منابعك محصنة بسياجٍ وجلمود تاريخ.. ولن يجدوا فيك سوى تساؤل أبله لا يتعدى أنوفهم قائلين لماذا تلبس البدلة؟
عملك الأخير كان (داهية) وليس المهم أن يعجب البعض، لكنه درس سيستوعبونه قريباً وبالتأكيد سيكون التصفيق لك كما اعتادوا واعتدنا جواباً لأسئلتك التي طرحتها ورسائلك التي أرسلتها وفهمناها.
ما زال محمد عبده حالة فنية متفرّدة في العطاء ومشواراً طويلاً امتد على مدى البصر.. هو فنان قال كلمته وولى.. ودفن معاناته بين أعطاف حنجرته.. وشغل الناس حوله واستمتع بحبهم فأمتعهم.