بين الاختلاط، والخلوة سجال لفظي لا ينتهي، وجدل عقلي يتطاول.. تتمازج فيه الحدسيات، وتكثر فيه الإرهاصات، حتى لا يعد بوسعك معرفة متى تكون مختلطا مع من سواك، أو مختلياً بمن يأتيك، وعلى هذا المنوال تسير صور الجدل الذي تجزم أنه لا يمكن أن ينتهي أبداً.
فالاشتراك بين الجنسين رجالا ونساء بصيغة جمعية لعمل إنساني مهم قد لا يعد خلوة تنفر منه الوصايا، وقد لا يكون أمر هذا الاشتراك من الجنسين في خدمة المجتمع من قبيل المخالفات التي تصل إلى حد التجريم، إذا ما كان محاذياً لواجبات الناس، ومحافظاً على حقوقهم، وواجباتهم الاجتماعية.
يجزم بعضهم خطلاً بأن أي اشتراك مهما كان دوره الإنساني مع اليقين بحفاظه على الثوابت، ونفعه العام هو من قبيل الاختلاط..فكيف إذن يمكن لنا أن نبني علاقة سوية، بعيدة عن الشك، والتهويل من أجل قيام مشروعنا الحضاري، وأن نطور توجهنا الثقافي، ونسمو بمنجزنا المعرفي
لا مشاحة أن نعيد سيرة الماضي، ونعمل على إثبات ما نرمي إليه، ليأتي من يناقضنا، ويحاول أن يثبت بشتى الأدلة.. دامغها، وعائمها أنه على حق في ما ذهب إليه من ظن، أو حدس، فها نحن على هذه الحال الإدلاجية في متاهة لا يمكن لنا أن نجزم بنهاية فصولها.
فقد تتوقف المشروعات الإنسانية، والمساعي الخيرية، وتجمعات الوعي، والطب، والعوم بحجة حدس الاختلاط، بل وحتى في مهرجان شعبي قد يظن برواده الظنون، وكأنهم في مشروع اختلاط.. فهل أهل هؤلاء وعائلاتهم في بيوتهم محصنين، أم أنهم بين الناس ويريدون مجرد حمايتهم؟ لتستمر هذه الأسطوانة المشروخة.. من يحمي من؟
كنا في أمسيات سابقة ل(نادي القصة) حينما كان قائماً قبل أعوام نقول: إن النشاط هو (أمسية قصصية مشتركة (، ونؤكد ونضغط ونشدد على أنها (مشتركة) لنتحاشى صخبا ما يظن أننا قصدنا أنها (مختلطة) وقد يأتي من يطبق المقولة على الواقع فيراقب نشاطك أكان مختلطا أو مشتركاً، ومنذ ذلك الحين إلى الآن، وقد يطول إلى ما يشاء الله يتواصل هذا الظن المفجع بأنك تريد الاختلاط ولا تقصد الاشتراك.
ولا يبتعد الأمر في الخطورة عن جدلنا الأهم.. ذلك الذي لا يزال يذكرنا وعلى نحو جهوري صاهلٍ أن المرأة عورة إلا وجهها في الصلاة. فقد كنا نحفظ المعلومة من منهج الفقه في مراحل التعليم الأولى على هذا النحو، إلا أنه اختفى كل ذلك، ولم تعد بكفيها، ولا بوجهها، ولا حتى بأن تكون غمامة سوداء، فثق أن من يجادل في أمر هذه العورة لن ينجو من غائلة أسوأ النعوت.
فالأمم تسير وتهرول نحو النجاح والمستقبل، ونحن منقسمون إلى فرق ترد بعضها على بعض في أمر الخلوة والاختلاط والعورة وغير العورة، وكأننا أنجزنا كل شيء في حياة مجتمعنا ولم يبق إلا هذا الأمر الذي يشغل عقولنا على هذا النحو.
Hrbda2000@hotmail.com