في مجلس جمع مجموعة من الرجال مع شخصية من (ذوي الوزن الثقيل) في المجتمع، وقد تحدث عن أحد المواضيع التي تعدّدت حولها وُجهات النظر وتباينت الآراء عليها، وقد أنصت الجميع لحديث الرجل وكأنّ على رؤوسهم الطير! فلا ترى إلاّ هزّ الرؤوس تعبيراً عن شدة الموافقة وعظم الإعجاب، مع أنّ صاحبنا ركيك الحديث سمج المنطق، ولا أظن أنّ تلك الآذان الواعية قد ألقت سمعها استمتاعاً في حديثه ولا طرباً في مفرداته ولا موافقة لأطروحاته!! المفارقة أنّ ما أعلمه أنّ الكثير من الحضور كان يخالف المتحدث في رأيه جملة وتفصيلاً، ولكن سوّلت لهم أنفسهم الموافقة والتظاهر بالإعجاب!!
وفجأة استأذن شاب صغير وقاطع المتحدث بكل جراءة وأدب، وكان رابط الجأش ثابت الجنان مبدياً وجهة نظره بكل هدوء وتؤدة مدعمة بالأرقام والحجج، وقد أسر العقولَ منطقه وأدهش الألبابَ روعة حديثه، وقد عبّر عما جبن الأغلب عن الإفصاح عنه! مشهد يعيا بوصفه الخطيب وتحسر دون بلوغه الفصاحة فلله درّه ما أشجعه!
وقد علّمهم هذا الشاب درساً بليغاً في جمال الجراءة، ورسخ فيهم فضيلة التعبير عن الرأي!
للأسف أنّ الكثير يعيش في عقول الناس ويسكن في جلبابهم، يبحث عما يوافقهم في الرأي ولا تجده يتحدث إلاّ بما يرضيهم، ولربما تطوّر الأمر إلى أن يأكل ما يشتهون وقد يشرب ما يقطع أمعاءه موافقة لرغباتهم وقد يبكي لما يضحك! وأحياناً يضحك مستلقياً على ظهره لأمر مؤلم يستدرّ الدمع!
أي حياة تلك! وأي شقاء هذا!
خورٌ وانهزامية لا تصنع نجاحاً ولا تبني مجداً وسيظل أصحابها على هامش الحياة!
خلق الله للحروب رجالا
ورجالا لقصعة وثريد
وأعتقد أنّ الخوف هو من حال بين الكثير وبين المضي في التعبير عن رأيهم، وأقول ممّ تخاف، فلن يقع في هذا الكون شيء إلاّ بإذن الله {وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا ..} .. وأكثر ما نخاف منه لا يقع كما أثبتت ذلك الدراسات.
لا تجبن عن التعبير عن رأيك وإبداء وجهة نظركم، فالناس لا تحترم الذليل الخانع الإمعة...
قف شامخاً أمام كل مستأسد عليك .. جبلاً أمام كل من يحاول النّيل منك وإيذاءك ...
همسة للآباء
أيها الآباء إن أردتم أن تصنعوا قادة عظاماً فربّوهم على التعبير عن آرائهم، وحاولوا ما أمكن حثهم على إبداء وجهة نظر والاختيار بين الأمور وارفضوا أي إجابة مفتوحة منهم من قبيل (أي شيء - اللي تبي) ولا تحاولوا التأثير عليهم وتوجيه حديثهم إلى ما تريدون وتشتهون واحتفوا بأي إجابة، ولو كانت لا توافق هواكم فهذا مما يقوي الشخصية ويزرع الثقة بالنفس.
خطوات عملية
1 - تأكد أنّ الشخصية الجذابة الجديرة بالاحترام هي من تملك الشجاعة على التعبير عن ما يجول في خاطرهم ويجمجم في عقولهم.
2 - تذكّر أنّ التعبير عن الرأي لا يعني تسفيه آراء الآخرين أو تحقير شخصياتهم.
3 - إنّ حرية التعبير عن الرأي حق مكفول لك وليس لأحد يد عليه به فمن يطالب بحرية التعبير لا يتسوّل ولا يستجدي.
4 - إنّ مهارات التعبير عن الرأي هي مهارة متدرّجة فابدأ بالتعبير عن رأيك أمام المقربين أو الصغار ومن ثم ستجد الدائرة كبرت.
5 - من الروعة أن تكون أنت ممن يرسخ هذه المهارة عند الآخرين .. شجع كل من يعبّر عن رأيه وإنْ خالفك، وخصوصاً الصغار احتفِ برأيه واثنِ عليه.
6 - لا يفتن في عزيمتك ولا ينقضن من حبال همّتك ردّات فعل الآخرين تجاه رأيك حال لم يعجبهم .. أثبت على رأيك وكرره بهدوء وبرود أعصاب، ووضح له أن هذا رأيك ويجب عليه احترامه.
7 - إنّ من قوة الشخصية وإشارات الثقة بالنفس هي التراجع عن الرأي إذا بدا عدم صوابه.
ومضة قلم
إذا جعلت نفسك دودة على الأرض فلا تلم من يدوسك بقدمه.
****
khalids225@hotmail.com