احتفلت الولايات المتحدة قبل مئة يوم بتنصيب رئيسنا الرابع والأربعين، وانضم إلينا كثيرون من أرجاء العالم مشاركين لنا في الاحتفال بما كان مناسبة تاريخية للشعب الأمريكي ولكل أولئك المؤمنين بالإمكانية التي ينطوي عليها الأمل بمستقبل أفضل لهم ولأبنائهم.
وقد ازدادت نمواً وزخماً منذ ذلك الحين النشوة والتفاؤل اللذان شعرنا بهما كأميركيين في 20 كانون الثاني - يناير حتى في مواجهة أزمة اقتصادية عالمية وانتشار أنباء فيروس الأنفلونزا وتحديات القرن الحادي والعشرين ومشاكله المروعة، من إرهاب إلى انتشار نووي فتغير مناخي وفقر وصراعات مستمرة وأمراض خطرة.
لم يتسبب في هذه المشاكل والتحديات أو يصنعها بلد واحد بعينه، ولا يستطيع بلد بمفرده أن يجد لها حلا، فكما قال الرئيس أوباما في اليوم الثاني فقط من توليه الرئاسة إنه (من أجل أمننا الوطني والتطلعات المشتركة للشعوب حول العالم، يجب أن يبدأ الآن عهد جديد من القيادات الأميركية للعالم).
وقد بين الرئيس أوباما للعالم في أول 100 يوم من حكمه ما سيكون عليه تواصل أميركا الجديد، فأولا، ألزم نفسه وحكومته بسياسة خارجية تكفل سلامة الشعب الأميركي وسلامة أصدقائنا وحلفائنا، فالتواصل العالمي على أساس من المصالح المشتركة والاحترام المتبادل هو نقطة بداية وانطلاق لسياستنا الخارجية، صحيح أنه قد تنشأ ظروف وأحوال لا يجدي فيها مثل هذا الأسلوب، غير أن الولايات المتحدة ستكون أولا على استعداد للاستماع والتخاطب مع الخصوم المحتملين، وغايتها في ذلك تعزيز مصالحنا القومية ومصالح المجتمع العالمي الذي يعتمد على الولايات المتحدة في التصدر والتصدي لمشاكل الأمن، أما في الأحوال التي لا مفر فيها من إظهار استخدام القوة، فلا يغرن أي خصم نفسه بأي توهم بالنسبة للنتيجة، ولهذا السبب سنحافظ على قواتنا المسلحة كأفضل قوات في العالم، وعلى كونها أكثر القوات تمتعاً بالإعجاب والاحترام.
وكي يبدأ بتطبيق استراتيجية التواصل هذه، عمد الرئيس أوباما فور توليه الرئاسة إلى تعيين بعض الدبلوماسيين الأميركيين ممن يتحلون بأفضل المواهب كمبعوثين ومندوبين خاصين إلى عملية سلام الشرق الأوسط، وإلى جنوب غرب آسيا، وإلى السودان، وإلى أفغانستان وباكستان، ولتغير المناخ، وتدل هذه الحقيقة بحد ذاتها على أن القرن الحادي والعشرين هو القرن الذي ستأتي فيه الاستراتيجيات الإقليمية في مقدمة ما نبذل من طاقة وتركيز اهتمام في القضايا التي تتعلق بالأمن الوطني والأمن الدولي، ويعبر هذا المنحى عن إقرار صريح بأن علينا أن نتعامل مع العالم كما هو اليوم وليس كما كان في القرن العشرين، وعليه، فقد انشغلت أجهزة الأمن الوطني في الشهور الثلاثة الماضية وبمشاركة دبلوماسيينا العاملين في الخارج في نشاط دبلوماسي نشط وفعال للتصدي للتحديات والمشاكل الكثيرة التي تواجهنا، وأتت النتائج حتى الآن مشجعة وإن كان هناك الكثير من العمل ما يزال في الانتظار.
لقد أوضح الرئيس أوباما التزامه أيضا بإقامة حوار متعمق وإيجابي مع المجتمعات الإسلامية حول العالم، وكان ذلك السبب في أنه منح فضائية تلفزيون العربية أول مقابلة تلفزيونية بصفته رئيساً، وللسبب نفسه خاطب الشعب والقادة الإيرانيين قائلاً إنه يسعى إلى إقامة حوار جديد حول كل المشاكل والقضايا التي نواجهها، وللسبب ذاته أيضا تحدث عن شراكات جديدة في التعليم والرعاية الصحية والفرص في خطابه في البرلمان التركي، وأخيراً كان السبب في إيضاحه بجلاء أن الولايات المتحدة ليست الآن ولن تكون أبدا في حرب مع الإسلام.
ثانياً، أوضحنا أن في نيتنا تعطيل القاعدة وتفكيكها وإلحاق الهزيمة بها، فقد أعلن الرئيس في آذار - مارس نتائج مراجعة وإعادة نظر استراتيجية شاملة بالنسبة لباكستان وأفغانستان من شأنها أن توفر في نهاية المطاف الموارد اللازمة لنا لتحقيق هدفنا، بينما نساعد الشعبين الأفغاني والباكستاني في الوقت نفسه في السعي في سبيل الأمن ومزيد من الفرص، ولقي الرئيس في اجتماع ستراسبورغ بمناسبة الاحتفال بالذكرى الستين لمعاهدة تأسيس حلف شمال الأطلسي (الناتو) تأييدا دوليا واسعا لاستراتيجيته، وحصل على التزام من حلفائنا في الناتو بإيجاد مفهوم استراتيجي جديد يستطيع الحلف أن يصبح من خلاله أكثر صلة بالنسبة لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، وكرر الرئيس في بغداد تأكيد التزامه بتخفيض عدد قواتنا بشكل مسؤول تمشياً مع اتفاقية وضع القوات التي تم التفاوض عليها مع الحكومة العراقية، ومساعدة العراقيين في نفس الوقت في الاضطلاع بسمؤولية مصيرهم السيادي.
ثالثاً، لقد عمل الرئيس أوباما على إيجاد أساليب مشتركة للتعامل مع مجموعة واسعة النطاق من المشاكل والتحديات العالمية، فساعد في لندن في بناء إجماع هام على اتخاذ خطوات ملموسة لمعالجة الأزمة المالية العالمية بما في ذلك وضع إطار تنظيمي عالمي جديد وزيادة المساعدات للبلدان النامية وتجديد الالتزام بالتجارة الحرة والمنصفة، وفي براغ، أطلق برنامجا طموحا لتأمين كل المواد النووية (السائبة) (لا تخضع للسيطرة المحكمة) في العالم خلال أربع سنوات، وعكس موجة الانتشار النووي بالسعي الجاد في سبيل تحرير العالم من الأسلحة النووية.
أما بالنسبة لدول الجوار، فقد أدرك الرئيس أوباما مسؤوليتنا المشتركة في المعالجة الفعالة لمشكلة الطلب على المخدرات والتجارة غير المشروعة بالأسلحة، وأعلن خطة جديدة لمكافحة العنف المترتب على تجارة المخدرات على الحدود الأمريكية المكسيكية، كذلك أعلن الرئيس رفع القيود التي كانت مفروضة على سفر الأميركيين الكوبيين إلى كوبا، واستهل بداية جديدة مع جيراننا في نصف الكرة الغربي عارضاً في قمة الأمريكتين التعاون معهم بالنسبة لعدد كبير من القضايا.
وتعامل الرئيس بشكل فعال مع المنظمات متعددة الأطراف، فقد حشدت الولايات المتحدة في الأسابيع الماضية حلفاءنا والمجتمع الدولي رداً على قيام كوريا الشمالية بإطلاق صاروخ بالستي، وهي بصدد تكثيف الجهود الدولية لمكافحة القرصنة مقابل سواحل الصومال، وأخيراً أظهرت الولايات المتحدة نيتها في تصدر مبادرات أخرى هامة تنطوي على أهمية كبرى لكوكبنا من خلال تعزيز المشاركة في الطاقة النظيفة وتغير المناخ بدءا بالدورة التحضيرية الأولى لمنتدى الاقتصاديات الرئيسية حول الطاقة والمناخ.
وآخرا، رفض الرئيس أوباما فكرة الاختيار بين أمن أمريكا ومبادئها واعتبر ذلك اختياراً زائفا.
فقد أمر في أول يوم من أيام رئاسته بإغلاق مركز الاعتقال في خليج غوانتامو خلال فترة سنة، ومنع أساليب الحجز المشددة وأوضح دون أي استثناء أو لبس أن الولايات المتحدة تؤيد كليا اتفاقية جنيف، ولا تمارس التعذيب أو تتغاضى عنه، وهنا، فإن المتوقع منا أيضا أن نتصدر ونقود بقوة مثالنا وقدوتنا.
ومع الكثير مما تم من قول وفعل في أول 100 يوم، ندرك نحن الذين نحظى بشرف خدمة بلدنا في هذه الفترة العصيبة المعقدة، تماما، أننا مازلنا في بداية الطريق، ونعتقد أننا نحقق تقدماً نحو التصدي لبعض التحديات الكبرى التي نواجهها باستعادة مكانة أمريكا، أولا، كصديق وشريك لكل أولئك الساعين إلى مستقبل يسوده السلام والرخاء والكرامة لمواطنيهم.
مستشار الأمن القومي الأمريكي
خاص «الجزيرة»