إشعاع في الحلقتين السابقتين تحدثنا عن ماذا يعني التلوث الإشعاعي؟ وتلوث الهواء بالمواد المشعة بسبب التفجيرات النووية وحوادث تصادم الطائرات الحملة للقنابل النووية، وحوادث الأقمار الصناعية. واستخدام المواد المشعة في الصناعة وخطورة وتأثير التعرض للأشعة، وأسباب.....
..... عدم تقبل الناس للقوى النووية واستخدامات الذرة السلمية، وعن استخدام الذرة في الأغراض السلمية وكذلك الصناعات التي تعتمد على استخدام الإشعاعات والمصادر المشعة وانتهى حديثنا عند ذكر أن الاستخدام الأكبر للإشعاعات والمصادر المشعة هو في المجال الطبي.
قال: سمعنا عن التلوث الإشعاعي ومع ذلك نجد أن الإشعاعات تستعمل في التعقيم فكيف يكون ذلك.
قلت: نعم، تستخدم الإشعاعات بشكل واسع في تعقيم الأدوات الطبية بسبب عدة مزايا منها قلة التكلفة مقارنة بطرق التعقيم الأخرى، كما أن طريقة التعقيم تتم والأدوات داخل غلاف محكم لا تدخل له الميكروبات بتعريض تلك المغلفات لأشعة جاما التي تخترق المغلف وتعقم الأدوات وذلك بدون الحاجة للمسها مرة أخرى. كما أن التعقيم بالأشعة لا يؤدي لرفع درجة المعدات والأدوات الحساسة للحرارة مثل البلاستيك والمواد العضوية. كما أن التعقيم يتم بطرق آلية بسيطة ليس فيه تعقيد.
قال: هل هناك استخدامات أخرى تطبيقية للإشعاع.
قلت: نعم هناك استخدامات في مجال دراسة تلوث البيئة، ومعرفة مكونات ذلك التلوث من العناصر السامة مثلا كالزئبق وغيره من المواد مهما قلت نسبتها بطريقة التنشيط النيوتروني.
قال: نسمع دائما أن الجيولوجيين يعرفون أعمار الصخور والطبقات والجبال وغير ذلك. وتساؤلي هل يدخل استخدام المواد المشعة في صناعة الزيت وفي عمليات تقدير أعمار الصخور وفي البحث عن المعادن المشعة.
قلت: هذا صحيح، ألم تسمع من احد الجيولوجيين في يوم من الأيام أن عمر ذلك الجبل 500 مليون سنة أو أن تلك الصخور يرجع عمرها لبليون سنة. أو يقدرون الأزمة الجيولوجية التي عاشت فيها حيوانات مثل الديناصورات، تلك المعرفة سببها استخدام علماء الجيولوجيا والآثار لطرق نووية مختلفة لتحديد أعما الصخور والآثار، كما تستخدم طرق أخرى في عملية البحث عن المياه وتحديد اتجاه مسارها.
قال: تعني أن المستخدمين والمتعرضين لأخطار الأشعة يشكلون شريحة كبيرة من المجتمع.
قلت: هذا صحيح ولذلك يجب أن يكون هدف الحماية من الإشعاع هو المحافظة على أن يكون تعرض الأشخاص للإشعاع أقل ما يمكن عمليا وتقليل دخول المواد المشعة لجسم الإنسان وذلك باتباع وسائل الحماية الإشعاعية المختلفة مثل عدم إجراء الفحوص الإشعاعية إلا إذا دعت الضرورة لذلك، وتقليل الجرعة التي يتعرض لها المريض المحتاج لمثل هذه المعالجة ولا يجرى ذلك الفحص للأطفال والحوامل إلا للضرورة القصوى. كما يجب استخدام أفضل التقنيات المتوفرة.
قال: تتحدثون عن المفاعلات النووية وغيرها من الأمور المتعلقة بالأنشطة الإشعاعية وتساؤلي ما هو الوضع في بلادنا؟
قلت: أولاً ليس لدينا ولا مفاعل واحد. وثانيا ليس لدينا هيئة للطاقة الذرية تتولى مثل تلك الأمور.
قال: تعتقد أن لدينا القوة البشرية المدربة في هذا المجال
قلت: نحن بلد مسالم، لا توجد بها لا أبحاث للذرة ولا قوانين تنظم تلك العملية.
قال: كلام خطير ذلك الذي تقوله
قلت: هذا هو الواقع، أبحاث الذرة تحتاج إلى معامل ومفاعلات وأبحاث ومساعدين بحاث ودعم و.... وغير ذلك.
قال: الذي أعرفه ويعرفه الجميع أن لدينا أقسام للفيزياء بجامعتنا فما هو مصير خريجو تلك الأقسام وأين يعملون.
قلت: خرجت جامعاتنا حوالي سبع وثلاثين دفعة من الخريجين وما زالت تخرج مجموعات مدربة تدريبا عاليا. وأغلب الخريجين من هذا التخصص وهو مطلوب عالميا لا يجدون وظائف يعملون بها ما عدا (والله أعلم) وظيفة مدرس فيزياء في مدارس وزارة التربية والتعليم، هذا إذا كان سعيد الحظ ووفقه الله في وظيفة. مع العلم بأن من يتخصص في علم الفيزياء شخص له مواصفات معينة وذلك يرجع لصعوبة فهم مادة الفيزياء واستخدامها للرياضيات التطبيقية في جميع مجالاتها. كما أن موضوع الاستخدامات السلمية للذرة مازالت في بداياتها في بلادنا.
ومازالت بعض المؤسسات العلمية مثل الجامعات وغيرها تعاني من نقص في توظيف خريجين يعملون في المجالات المتعددة للفيزياء النووية أو غيرها وذلك بسبب المقولة التي لا أعرف سببها، وهي كلمة لا توجد وظائف. ومع ذلك نسمع عن عقود تشغيل بملايين الملايين لشركات تستقطب غير السعوديين من الخارج ولذلك سنظل نعتمد على العمالة الأجنبية أبد الدهر.
قال: دخلت في موضوع السعودة مرة أخرى، وهل تعني أنه لا يوجد تخطيط لذلك.
قلت: التخطيط قد يكون موجوداً ولكني لا ألمسه. لا توجد أي جهة تقول إن لديها تخطيط للمستقبل بشأن الطاقة النووية لبلادنا فكل خطط التنمية لا تشير لذلك إلا إذا كان ذلك التخطيط سريا والله أعلم.
قال: ماذا يوجد لدينا إذا؟
قلت: الموجود لدينا معهد بحوث الطاقة الذرية به مجموعة صغيرة من العاملين يعدون على الأصابع يحتاجون في الوقت الحاضر لدعم كبير وتجهيز كبير، إننا نحتاج حاليا لتوظيف ألف شخص على الأقل من خريجي أقسام الفيزياء والكليات التقنية مدربين تدريبا عاليا للقيام بعمل واحد فقط إلا وهو متابعة أمور الوقاية من الإشعاع متابعة جيدة مستمرة في جميع أنحاء البلاد. يتواجدون في جميع المستشفيات وكذلك مطارات وموانئ ومنافذ الدخول البرية للمملكة العربية السعودية. أحسب كم عدد المستشفيات وكم عدد المطارات ومنافذ الدخول الأخرى وعدد الشركات الزراعية والصناعية وكذلك الجامعات ومعاهد البحوث المختلفة ستجد أننا نحتاج للرقم الذي ذكرت وأكثر قليلا على أقل تقدير. هذا بخلاف إرسال الكثير منهم لمواصلة التعليم العالي في مجال الذرة والليزر وغيرها من مجالات الفيزياء والتي سنحتاج إليها مستقبلا.
قال: هل هناك لجان استشارية في جامعاتنا للوقاية من الإشعاعات.
قلت: توجد لجنة واحدة فقط تسمى لجنة الوقاية من الإشعاعات بكلية العلوم بجامعة الملك سعود لحماية ووقاية منسوبين الجامعة والبيئة الجامعية من خطر التعرض للإشعاعات المؤينة أو التلوث الإشعاعي نتيجة استخدام الأجهزة المولدة والمصدرة للإشعاعات أو المواد المشعة بمختلف أنواعها وصورها للأغراض التعليمية والبحثية والعلاجية وغيرها. كما تقدم تلك اللجنة خدماتها لمن يريد من جهات حكومية أو أهلية.
قال: هل تعتقد أن هذه اللجنة تجد دعما كافيا للقيام بأعمالها.
قلت: تلك اللجنة شأنها شأن كثير من الأمور العلمية في بلادنا تعاني من نقص في الطاقة البشرية والدعم المادي، فمثلا تلك اللجنة تعاني من نقص في الأجهزة ولذلك تحتاج إلى تدعميها بأحدث الأجهزة لقياس المستويات الإشعاعية، كما تحتاج إلى بعض المصادر المشعة العيارية وكذلك تحتاج إلى مكان خاص لإجراء معايرة للأجهزة والتأكد من سلامة قرأتها، هذا بجانب ما تعانيه تلك اللجنة من نقص في الطاقة البشرية السعودية المدربة.
قال: الدولة لم تقصر والوضع الحالي مؤقت
قلت: هذا صحيح، الدولة لم تقصر ولن تقصر، لكن للأسف المخططين لمثل تلك الأمور والمنفذين والجهات الداعمة يحتاجون لوعي علمي أكبر حتى تسير الأمور سيرا طبيعيا. فعلى سبيل المثال معهد بحوث الطاقة الذرية في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية هل أنشئ من أجل عمل بحوث الطاقة الذرية كما يدل عليه اسمه، أم أنه أنشئ ليكون هيئة الطاقة الذرية تتولى جميع أمور الطاقة الذرية في بلادنا. المهم إذا كان أحدهما فالمعهد يحتاج إلى توظيف الكثير من الشباب حتى يقوم بواجباته على مستوى المملكة لعمل الحماية اللازمة من مخاطر الإشعاع.
قال: هل تعني أن المدينة ليس بها طاقة بشرية خاصة بهذا الموضوع.
قلت: الموجود في المدينة مجموعة من الشباب يعملون كالنحلة في جميع الأعمال ودائما مشغولين في اجتماعات، وبالنسبة للأبحاث النووية فهي تحتاج إلى مجموعة من الأجهزة مثل معالج نووي وغيره، كما تحتاج لكثير من الدعم المالي والبشري.
خاصة الأجهزة النووية باهظة التكاليف. كما يحتاجون لوعي من قبل من يتعاملون معهم خاصة بشأن التوظيف أو بشأن سلامة الأفراد والمنشآت من خطر الحماية من الإشعاع.
قال: هل اشتكوا لك أوضاعهم.
قلت: لم يشتكوا لكن التعامل مع المصادر المشعة يحتاج إلى وعي، فتصور عندما يرد مصدر مشع من الخارج للمدينة أو غيرها من مراكز البحث العلمي، ويصر مندوب الجمارك على فتح الطرد.
قال: أكيد أنت تمزح
قلت: هذه أمور لا أمزح فيها، هذه الحادثة مرت بسلام عندما أصر الشخص المسؤول على التحدث مع رئيس ذلك الشخص في الجمارك وبعد شرح عن مخاطر ذلك سمح بعدم فتح الطرد وتسليمه لمندوب المدينة. أنا أذكر ذلك ليس تقليلاً من موظفي الجمارك لأن الشخص الذي فعل ذلك كان يؤدي واجبه ويجهل تلك الأمور الخاصة بالإشعاعات، والتعليمات تقضي بفتح أية إرسالية ترد للبلاد حتى نكتشف ونمنع دخول أشياء لا نحتاج لتداولها في بلادنا. وإنما ذكرت ذلك للتذكير بأننا في حاجة لوعي في عملية التوظيف، لذلك يجب أن يوظف في الجمارك في جميع منافذ المغادرة أو القدوم البحرية والجوية والأرضية مجموعة من الشباب المتخرجين من أقسام كليات العلوم للإشراف ومباشرة مثل تلك الأمور العلمية البحتة.
قال: تعني خريجو قسم الفيزياء
قلت ليس خريجو أقسام الفيزياء فقط، وإنما تلك الجهات تحتاج إلى جميع نوعيات المتخرجين من أقسام كليات العلوم، مثل الفيزياء، والكيمياء والجيولوجيا والكيمياء الحيوية والنبات والحيوان.
قال: تنحصر أغلب الاستعمالات للمواد المشعة في بلادنا على الاستخدامات الطبية وتساؤلي ما هي عقوبة الطبيب أو المستشفى الحكومي أو الأهلي إذا قام ذلك الشخص بطلب أشعة لسيدة حامل مثلا.
قلت: في البلاد المتقدمة هناك عقوبات على الطبيب أو من يطلب مثل تلك الأشعة تتمثل في السجن والغرامة المالية الكبيرة. أما في بلادنا فالله أعلم لأنه حتى الآن لا توجد قوانين خاصة بهذا الموضوع. وبالتالي الله يرحم الجنين الذي تتعرض أمه للتشخيص الخاطئ.
aazk09@gmail.com