تغشاني الغيرة من أمم أخرى، وأغبطهم عندما يحققون تقدماً علمياً مميزاً في أي مجال كان وأسأل نفسي كما كنت أسائلها منذ صباي، علامَ لا نتقن الصناعة مثل غيرنا؟ وعلامَ لا نصل إلى ما وصل إليه مثلنا؟ سؤال عسير الهضم، صعب الجواب، غير أنه واقع الحال، وأتمنى ألا يكون تغييره من المحال.
|
رجعت بذاكرتي إلى بداية النهضة الصناعية في أوربا بعد أن نشأت من خلال ما أبدعه ونقله علماء المشرق والمغرب العربي إليها، حيث قاموا بترجمة نظريات علمية لعلماء اليونان وأضافوا إليها من إبداعهم ما استطاعوا فكانت نهضة علمية متسارعة، ومواقف سياسية متفاعلة، فكان ما كان، فنهضوا وقعدنا، وساروا وبقينا، فما لنا لا نتوب إلى رشدنا ونلتفت إلى حالنا؟! لن نتلمس الأعذار لواقعنا، ونحمل غيرنا نتيجة فعلنا، فعندما كانوا في نهضتهم العلمية، كانت الفرصة متساوية، والمصادر متاحة لكل يد مليئة وخاوية، ولم يمنعنا أحد من بلوغ شأو، أو يحجب عنا مصدر بأو.
|
كنا نتمنى ولا نعمل ونقول ولا نفعل، ونبصر دون اهتداء، ونسمع دون إصغاء ونلوم ونلوم، ثم نعود لنلوم.
|
نعيب زماننا والعيب فينا |
وما لزماننا عيب سوانا |
نحمِّل الاستعمار مآلنا، ونصب عليه جام غضبنا، وعندما فك حصاره عنَّا كما ندعي فك ذلك الحصار عن مثلنا، فنهضوا بخطوات وثابة، وسلكوا مسالك جذابة، وظنوا أن النجاح مع العمل، وأن الكلام لا يحقق الأمل. فأصبح الصغير والكبير يجتهد والجاهل والعالم يتقد، أما نحن فأحسنا القول ونسينا العمل وأشغلنا أنفسنا عن الجد بالجدل، فكان جدلاً لا طائل من ورائه بين سني وشيعي، وإسلامي وليبرالي، وتقدمي ومحافظ، وقومي ومناهض، ومغرب ومشرق، وثري ومملق، ومعارض ومنافق، وصامت وناعق.
|
لقد آن الأوان أن نترك كل هذا ونتجه إلى العمل المخلص الصادق الذي لا يحتاج إلى تفسير أو تصغير أو تكبير، أو تخريج أو تنظير.
|
إسلامنا العظيم يأمرنا بالعمل فأين نحن من هذا؟ ويأمرنا بالإخلاص فما هو موقعه منا؟ ويأمرنا بالإتقان، فأنى لنا هذا؟ ويأمرنا بالالتزام المطلق بالعمل، فهل نحن نفعل هذا؟ ويأمرنا بالتيسير، فهل نمارس هذا؟ ماذا سنجني من تنظيرنا، وتوجهاتنا السياسية والسلوكية، إذا كان العمل والإنتاج غائبين عنا؟ وماذا خدمنا به هذا الدين الحنيف وهذه الأمة العظيمة إذا لم نصدق القول ونحققه بالعمل؟ هب أن أحدنا حفظ متونا أو قصائد أو مواعظ أو عرائض وأجاد في الاستبدال وأدرك الفرق بين القياس والاستدلال فما عساه مضيفاً، إذا لم يعمل بجل ما يعلم؟
|
نريد أن نصع إبرة، بعد أن صنعوا الطائرات والقاطرات، والسيارات والمركبات، نريد أن نصع إبرة بعد أن ألانوا الحديد، واخترعوا كل جديد. نريد أن نصع إبرة، بعد أن وصلوا القمر وأنزلوا عليه البشَر. نريد أن نصنع إبرة بعد أن استخلصوا الدواء، وابتكروا طرائق الإيواء، نريد أن نصع إبرة بعد أن فكروا في البيئة وجعلوا الليل شمسا مضيئة، نريد أن نصع إبرة، بعد أن سهلوا الاتصال، فتيسر الوصال. نريد أن نصنع إبرة، بعد أن استبدلوا بالخيل الدبابة، وبالسيف صواعق الحرابة، فملأوا أيديهم من لِبدة كل أسد، وسرَّحوا لحظهم في نهاب كل بلد مضطهد، فبحور الموت تلتطم، وثغور هم تبتسم.
|
نريد أن نصنع إبرة، حتى تكون البداية على ألا تكون النهاية. نريد أن نصنع إبرة حتى يكون الناس على حكمنا وتطير الآفاق بذكرنا، فنعدل كما أمرنا ديننا، ونفعل ما يرضي ربنا فإن العاقبة للتقوى وكلمة الله هي العليا.
|
لكن كيف نصنع إبرة وفي كل يوم للكذب بارقة، وهبوبه لنا نافحة وكأن البعض قد تدرب في ميدان الغدر، وجمع بين الغمط والكبر. والإسلام يأمرنا بمكارم الأخلاق وترك بذور الشقاق. كيف نصنع إبرة، ونحن نصلي ونزكي ونصوم ونضحي، لكننا نعمل دون إتقان أو اجتهاد أو تفان.
|
نأتي إلى العمل بعد العاشرة، ونذهب قبل الثانية نذهب لنتحدث عن الرياضة ونغتاب المدير دون غضاضة. والمعاذير كثيرة، والمخارج كبيرة، ومع هذا نريد أن نصنع إبرة لكن كيف نصنع الإبرة؟؟؟؟
|
|