من المعلوم سلفاً أن قيام الولايات المتحدة سنة 2003م في ظل إدارة الرئيس السابق (جورج دبليو بوش) بقرار أحادي ومن دون غطاء من الشرعية الدولية بغزو العراق وإسقاط نظام الحكم فيه، وهو دولة ذات سيادة، يُعَدُّ أمراً ليس عادياً، لكونه يتنافى مع قواعد القانون الدولي .....
.....وميثاق الأمم المتحدة ومبدأ العلاقات الدولية التي تحرص على احترام سيادة الدول. إلا أنه مما لا شك فيه أن الولايات المتحدة قد أُجْبِرَت أو خُدِعَت للقيام بهذا العمل غير المشروع، بدليل أن الولايات المتحدة لم تستقر على سبب واحد لتبرير قيامها بغزو العراق، ففي البداية أعلنت أن سبب الغزو هو تدمير سلاح الدمار الشامل الذي يمتلكه نظام صدام حسين، وبعد أن ثبت عدم صحة هذا السبب انتقلت إلى سبب آخر وهو تخليص الشعب العراقي من دكتاورية نظام صدام، وكأن الولايات المتحدة أصبحت وصية بالوكالة على الشعوب، مع أن العراق تخلص من دكتاوتورية إلى دكتاتورية أخرى، فدكتاتورية صدام ليست طائفية وكانت تنظر للشعب العراقي بعين المساواة، فهي لم تفرق بين مختلف طوائف العراقيين، وكان القمع الذي تمارسه يقتصر فقط على غير الموالين لها بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية. أما الدكتاتورية الحالية فقد طبقت مبدأ الطائفية وقمعت كثيراً من العراقيين وتسببت في تهجيرهم خارج وطنهم حيث أصبحوا لاجئين في دول أخرى.
إضافة إلى ما نتج عن هذا الغزو من تراجع في الوضع الأمني وتدنٍ في مستوى الخدمات، ذلك أن ادعاءات النظام السابق في العراق بامتلاك الأسلحة الكيماوية وأنه مستعد لحرق نصف إسرائيل بها، وقيام ذلك النظام بإطلاق بعض صواريخه غير الفاعلة على إسرائيل أثناء حرب تحرير الكويت سنة 1991م، وقيام المعارضة العراقية من الشيعة والأكراد المدعومة من إيران بتضخيم أمر سلاح الدمار الشامل لدى النظام السابق أمام الولايات المتحدة وأن الهدف منه هو تدمير إسرائيل والإضرار بمصالح الولايات المتحدة، فإيران صاحبة مصلحة في قيام الولايات المتحدة وهي القطب الأول في العالم بغزو العراق وإسقاط نظام صدام كما تم بالنسبة لنظام طالبان السابق في أفغانستان وذلك بعد أن عجزت هي أثناء حرب الخليج الأولى عن ذلك، وعجز الموالون لها أثناء الانتفاضة التي حصلت في جنوب العراق والتي أعقبت حرب الخليج الثانية. فنظام صدام كان يُعَدُّ العدو اللدود لإيران والذي حال دون تنفيذ مخططاتها في تصدير الثورة التي حصلت سنة 1979م كما حال دون تدخل إيران في شؤون العراق.
وحالياً والولايات المتحدة وحليفاتها من الدول الأوروبية والمعروفة بمجموعة (5+1) أمام مشكلة الطموح الإيراني في صنع القنبلة النووية، ولجوء الإدارة الأمريكية الجديدة إلى أسلوب الحوار مع إيران حول ذلك والذي قد يكون في صالح إيران لكسب عامل الوقت وبالتالي الوصول إلى إنتاج السلاح النووي إذا كانت بالفعل تهدف إلى ذلك، مع أن إيران لا تزال تردد بأن هدف مفاعلها النووي سلمي فقط ولا تهدف إلى إنتاج السلاح الذري، كما أن إسرائيل تضغط من جانبها في عدم وصول إيران إلى إنتاج السلاح النووي لاعتقادها بأن ذلك فيه تهديد لوجودها.
فهل تقع الولايات المتحدة فريسة خدعة أخرى وتفاجأ في أحد الأيام بقيام إيران بإجراء تجربتها النووية الأولى، أم أن الموقف الإيراني الحالي المتمثل في قصر هدف المفاعل النووي على النواحي السلمية هو الموقف الذي لن يتغير وبالتالي سوف تتجاوب مع مبادرة (أوباما) في حل المشكلة عن طريق الحوار وما سوف يترتب على ذلك من مزايا سياسية واقتصادية سوف تحصل عليها إيران مقابل وقف تخصيب اليورانيوم أو فرض رقابة شديدة على عملية التخصيب؟ فهل ستتغلب لغة العقل والحكمة وتثبت إيران صدق قولها بأن هدف مفاعلها النووي سلمي فقط وبالتالي يتم نزع فتيل هذه المشكلة التي تؤرق العالم وبالذات منطقة الخليج والشرق الأوسط، أم أن الموقف -لا سمح الله- سوف ينفجر في الخليج وبقية الشرق الأوسط أمام الضغوط الإسرائيلية وإصرار دول الغرب على عدم امتلاك إيران للسلاح النووي؟
asunaidi@mcs.gov.sa